حكايات «التجلى الأعظم».. قصة خروج نبي الله موسى من مصر 

صورة موضوعية
صورة موضوعية

في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار نستكمل الحلقة الخامسة عن موقع بئر موسى في مدين حيث قابل الفتاتين وتزوج وعاش لمدة عشر سنوات وقد استعرضنا دخول يوسف الصديق وأهله إلى مصر ومكان إقامة بنى إسرائيل في مصر ومناقشة موقع ولادة نبى الله موسى وتربيته في بلاط أحد ملوك مصر في أربع حلقات سابقة.

ويشير الدكتور ريحان إلى خروج نبى الله موسى من مصر بعد قتل المصرى على عجل، فلم يعد للسفر عدته من التزود بالماء والشراب ولم يكن فى قافلة ترشده إلى الطريق وقد تعرف على معالم الطريق أفادته أثناء خروجه الثانى مع بنى إسرائيل وبالتالى لم يكن قاصدًا "مدين" الذى حددها المفسرون بأنها تقع حول خليج العقبة عند نهايته الشمالية وشمال الحجاز وجنوب فلسطين، وبالتالى فلم يتجه نبى الله موسى نهائيًا إلى أى منطقة خارج سيناء وإلّا كان قد هلك من طول الطريق وكان لا يجد طعام أو شراب سوى ورق الشجر أثناء رحلته الأولى وحيدًا.

وذكرت مدين فى ثلاثة مواضع فى القرآن الكريم، الأولى فى أصحاب مدين قوم نبى الله شعيب "وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا" سورة الأعراف آية 85، وقيل فى مكان قوم مدين بلاد الحجاز مما يلى الشام وكانوا فى رغد من العيش وأهل تجارة وكانوا يطففون المكيال والميزان ونهاهم نبى الله شعيب عن ذلك ولما رفضوا فأهلكوا بالرجفة أى الزلزال الشديد، وبعد أن نجّى سبحانه وتعالى نبى الله شعيب من أهل مدين والذين آمنوا معه أرسله إلى أصحاب الأيكة وهى غيضة تنبت ناعم الشجر كانت بقرب مدين.

كما ذكر أصحاب الأيكة أكثر من مرة في التوراة على أنهم شعوبًا كانوا يسكنون فى النقب فى فلسطين وذكروا فى القرآن الكريم فى عدة مواضع "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُون" الشعراء آية 176.

ولفت الدكتور ريحان إلى اتفاق معظم المفسرين على أن قوم شعيب "قوم مدين" هم أصحاب الأيكة والأيك فهو الشجر الملتف حول بعضه ويقدم عدة أدلة على أن مدين الذى عاش بها نبى الله موسى مع أسرته بعد أن قابل الفتاتين عند البئر هى المنطقة ما بين شرم الشيخ ودهب حاليًا ومنها ارتباط مدين بقصة نبى الله موسى فى القرآن الكريم وأنها تالية مباشرة بعد قصة قوم مدين "ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ" الأعراف آية 103 والمقصود هنا "من بعدهم" أى من بعد أنبياء الله نوح وهود وصالح وشعيب ونبى الله شعيب هو السابق لنبى الله موسى، ومدين هى المدينة التى ذكرت قبل أحداث نبى الله موسى مباشرة "كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِين" سورة هود آيات 95 -96 

وينوه الدكتور ريحان إلى عدم اتفاق المفسرين على تحديد موقع مدين وذكرت بشكل عام أنها بشمال غرب الحجاز وذكرت فى التوراة أنها فى النقب، وذكرت فى القرآن الكريم حين مخاطبة أهل مدين "وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيد" سورة هود آية 89 وقوم لوط فى موقع الأردن حاليًا وأقرب موقع للأردن هى سيناء من شرم الشيخ إلى طابا بامتداد خليج العقبة.

النقطة الثانية إن التوصيف الذى ذكره كل المؤرخين لتفسير الأيكة ينطبق على أشجار المانجروف وهى أحد أجناس الأيكات الساحلية ويتوافر شجر المانجروف بالمنطقة بين شرم الشيخ ودهب حيث يتواجد برأس محمد وهناك محمية نبق بين دهب وشرم الشيخ التى تتميز بشجر المانجروف.

النقطة الثالثة هناك بحث للباحث عماد مهدى أكد به أن مجمع البحرين هى منطقة رأس محمد وحدد الصخرة الذى جلس عندها نبى الله موسى وفتاه ومكان لقاء العبد الصالح ومكان جريان الحوت ومرسى السفينة وبالتالى فإن قصة نبى الله موسى كاملة لن تخرج عن حدود سيناء، فكان خروجه الأول منفردًا حين قتل خباز ملك مصر متجهًا إلى سيناء حتى وصل إلى مدين عند منطقة شرم الشيخ القريبة من مكان مجمع البحرين، وتوقف عند البئر الذى قابل عنده بنات العبد الصالح شعيب وليس نبى الله شعيب لأنه لم يعد لأصحاب الأيكة ولا نبى الله شعيب وجود فى تلك الفترة.

ويشير الدكتور ريحان إلى أن طبيعة البئر الذى قابل عنده نبى الله موسى بنات العبد الصالح شعيب وتزوج من إحداهما هى بئر لسقى الدواب بنص القرآن في سورة القصص آية 23{وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} وتعنى أنه جاء عند الماء ولا يقتضى الورود أن يكون شَرِب منها وكلمة }يسقون{ أى يسقون الدواب ولا يشربون منها، وكلمة }الرعاء{ أى رعاة الغنم يسقون دوابهم وورد كذلك {امرأتين تَذُودَانِ} أى تكفّان الغنم وتمنعانها من الشُّرْب لكثرة الزحام على الماء.

ويصف أحد الرحالة الذين زاروا سيناء عام 1837 منطقة شرم البير بشرم الشيخ بأن بها آبارًا محمية بمظلات خفيفة وبها مياه غير صالحة للشرب ولكن الجمال تأتى لتشرب منها ووجد فتاة آتية لترعى غنمها فاستحضر قصة نبى الله موسى وبئر مدين وربط بين الماضى والحاضر وأورد ما ذكرته التوراة عن هذه القصة بعد أن رأى أن هذه المنطقة مرعى خصب وتوجد به آبار كافية لسقى الأغنام وآبار للمياه العذبة أيضًا.

وبالتالى يؤكد الدكتور ريحان أن البئر الموجود داخل دير سانت كاترين ويطلق عليه بئر موسى هى تسمية خاطئة لأن مياهه عذبة وصالحة للآدميين، ورغم ذلك فهى بئر مقدسة لوقوعها في الوادى المقدس طوى مجاورة لشجرة العليقة فهى بئر مباركة بنص القرآن الكريم }فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا{ سورة النمل آية 8.

ويتابع الدكتور ريحان أن نبى الله موسى حين وصل إلى مدين تحدّث مع بنات العبد الصالح شعيب كما فى الآية الكريمة }قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ{ سورة القصص آية 23 ومعنى هذا أنهم كانوا يتحدثون بلغة يفهمها ويعرفها نبى الله موسى والذى كان يعرف لغة أهله وبيئته، ويعرف المصرية القديمة الذى يتحدث بها كل أهل مصر لأنه تربى فى بلاط فرعون، ولأن نبى الله موسى لم يكن يعرف أهل مدين قبل ذلك وقد تعرف عليهم حين قابل بنات العبد الصالح شعيب، وبالتالى فهم ليسوا من العبرانيين، وهم بذلك فى منطقة داخل حدود دولة مصر القديمة يتحدثون بلغتها لكنها بعيدة عن السلطة المركزية والأنشطة الرئيسية للدولة، وبالتالى فقد تيسّر استضافتهم  لنبى الله موسى مدة العشر سنوات الذى قضاها هناك وكانوا آمنين من ملك مصر في ذلك الوقت وقد اتضح ذلك حين قال العبد الصالح شعيب لنبى الله موسى نجوت من القوم الظالمين ولم تكتشف بهذه المنطقة أى آثار مصرية قديمة حيث تركزت أنشطة تعدين الفيروز والنحاس بمنطقة معبد سرابيط الخادم ووادى النصب.

كما أن موقع مدين يجب أن يكون قريبًا وفى نفس اتجاه موقع شجرة العليقة المقدسة إلى مصر الموجودة حاليًا داخل دير سانت كاترين لأنه عاد إلى مصر بعد قضاء المدة بمدين متجهًا من الجنوب إلى الشمال الغربى ليدخل بعدها وادى النيل عن طريق الصحراء الشرقية.
 

 

 

اقرأ أيضا| امتحان الشهادتين الإبتدائية والإعدادية الأزهرية في سيناء بدون شكاوى