«الذكاء الاصطناعى» نقلة جديدة فى البحث العلمى

مدير وحدة أبحاث بـ57357: نستخدم تقنياته فى أبحاث لتطوير العقاقير والتنبؤ بالأمراض

د. أحمد عبد العزيز خلال حواره مع «الأخبار»
د. أحمد عبد العزيز خلال حواره مع «الأخبار»

جهود كبيرة تقوم بها مصر لتحقيق نقلة كبيرة فى مجال الذكاء الاصطناعى، والاستفادة من الفرص التى تتيحها هذه التكنولوجيا، ففى نوفمبر 2019 تم إنشاء المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعي، ليكون مسئولًا عن وضع استراتيجية وطنية فى هذا المجال وتنفيذها وإدارتها، وفى يوليو2021 تم إطلاق منصة الذكاء الاصطناعى لترسيخ مكانة مصر فى هذا المجال إقليميًا وعالميًا، وتنفيذ مشروعات تعتمد على هذه التقنية لإيجاد حلول مبتكرة لمشكلات المجتمع فى مختلف القطاعات.

وفى مجال الرعاية الصحية والبحث العلمى، يفتح الذكاء الاصطناعى فرصاً كبيرة لتحسين خدمات الرعاية الصحية وأبحاث الدواء فى العالم،حيث يمكن من خلال معالجة كميات ضخمة من البيانات الخاصة بالأدوية، تسريع منظومة ابتكار أدوية جديدة، أو اكتشاف استخدامات جديدة لبعض الأدوية، لتصبح علاجاً لأمراض لم تكن مخصصة لها من قبل، وكل ذلك يقلل الحاجة للاختبارات المعملية والتجارب الإكلينيكية الطويلة، المكلفة للوقت والمال والجهد.

ولأن مصر حريصة على مواكبة هذا التقدم العالمى، فقد بدأت بعض مؤسساتنا البحثية بالفعل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى العديد من الأبحاث العلمية ، التى تفتح الباب لإنجازات كبيرة فى مجال الرعاية الصحية.

حول أهم هذه الأبحاث ، ومجالات استخدامها، وكيفية الاستفادة منها مستقبلاً كان حوارى مع دكتور أحمد عبد العزيز سيد مدير وحدة أبحاث الجينوم بمستشفى 57357، والتى بدأت استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى أبحاث جديدة تسعى لتطوير الرعاية الصحية.

ود. أحمد عبد العزيز كان من أوائل دفعته بعلوم عين شمس، حصل على الدكتوراة من جامعة الينوى الأمريكية ،وعمل فى الجامعة هناك 15 عاما ، نشر خلالها العديد من الأبحاث فى المجلات العالمية، ثم عاد إلى مصر ليعمل بمستشفى 57357، لاهتمام إدارة المستشفى بالبحث العلمى الذى يعد أحد دعائم رؤية المستشفى .

فى البداية يقول د. أحمد: مصطلح الذكاء الاصطناعى يشير إلى الأنظمة أو الأجهزة التى تستطيع محاكاة الذكاء البشرى بقدرات عالية ، بحيث يمكن من خلال هذه التقنية استيعاب كم هائل من البيانات وتجميعها وتحليلها والتوصل إلى استنتاجات وأفكار مستقبلية .

وهذه التقنية دخلت بالفعل فى جميع المجالات، ونستخدمها فى حياتنا اليومية، من خلال بعض التطبيقات التى نقوم بتحميلها على الموبايل، مثل تطبيق خدمات الطرق الذى يرشدنا فى رحلاتنا، ويحدد لنا معدل الزحام والمدة التى يستغرقها الطريق ، أو تطبيق طلب سيارات الأجرة الذى نستخدمه يوميا، أو تطبيق Siri الذى يجرى المكالمات ويرسل الرسائل النصية ويجيب على الأسئلة، وغيرها من التطبيقات التى تعتمد على تغذية الكمبيوتر بكل البيانات والمعلومات الواردة من مصادر مختلفة، ثم تتم معالجة هذه البيانات بنوع خاص من المعالجات (الخوارزميات)، لتقوم بتجميع هذه البيانات ودمجها وترتيبها وتحليلها للرد على التساؤلات أو تلبية الطلبات أو التخمين بالنتائج المستقبلية.

خدمات الصحة

وماذا عن الاستخدامات فى مجال الرعاية الصحية ؟

نفس الفكرة فى مجال الصحة ، حيث تساعدنا تقنيات الذكاء الاصطناعى على تحليل كميات هائلة من بيانات الرعاية الصحية، والبحث عن دلالات توفرها البيانات بطريقة يصعب على الفكر البشرى أن يحاكيها، وهو ما يجعل تشخيصها أكثر دقة وفعالية، ويساعد إخصائى الرعاية الصحية على اتخاذ قرارات صحيحة، قائمة على الأدلة.

وفى الدول المتقدمة بدأ استخدام هذه التقنيات بالفعل لتحسين خدمات الرعاية الصحية وسرعة تشخيص الأمراض ودقة إجراء الفحوص، وكذلك دعم الأبحاث الطبية وتطوير العقاقير، بما يحد من تكلفة التجارب السريرية ويقلل الوقت والجهد، وأيضا فى التنبؤ بالمشكلات الصحية قبل حدوثها بما يسمح بالاستعداد لها ومواجهتها .

ومصر ليست بعيدة عن ذلك بل هناك اهتمام شديد من الحكومة لتحقيق نقلة كبيرة فى مجال الذكاء الاصطناعى، وتتجه الدولة حاليا لربط كل البيانات بشبكة معلومات موحدة ليصبح النظام الصحى وكل الأنظمة مربوطاً بهذه الشبكة، لتحسين خدمات الرعاية الصحية وتحقيق سرعة الأداء.

عقاقير كورونا

وماذا عن استخدام الذكاء الاصطناعى فى مجال البحث العلمى بمستشفى ٥٧٣٥٧ ؟

من خلال عملى فى 57357 بدأنا استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى مجال البحث العلمى ، وإجراء بعض الدراسات البحثية بالمستشفى لتطوير أساليب العلاج، والربط بين التركيب الجينى للفيروسات وتأثير العقاقير المختلفة عليها لاختيار أنسب علاج، وكذلك التنبؤ بالمشكلات الصحية قبل حدوثها بما يسمح بالاستعداد لها ومواجهتها.

ونحن حاليا نجرى دراسة مهمة نستخدم فيها تقنية الذكاء الاصطناعى لتحديد أنسب العقاقير للوقاية من فيروس كورونا، حيث تتم تغذية أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة بمعلومات كاملة عن تركيب الفيروس بمتحوراته، وعن طريق المحاكاة الافتراضية يحدد لنا الكمبيوتر أفضل العقاقير المتداولة فى السوق التى يمكنها مواجهة الفيروس، ومنع ارتباطها بالمستقبلات الموجودة على الخلايا البشرية.

وقد وصلنا لمراحل متقدمة فى الدراسة ، ونعرضها أولاً بأول على وزير البحث العلمى، للاستفادة منها.

وقد بدأنا هذه الدراسة عام 2020 على متحور دلتا، وعرضنا نتائجها على وزير البحث العلمى ،وحددنا فيها أكثر أنواع الأدوية المتداولة التى يمكن أن تفيد فى علاج كورونا، ونعمل الآن على متحور أوميكرون لتحديد العقاقير المناسبة لمواجهته، ونواصل العمل على أى متحورات جديدة تظهر .

التنبؤ بالمرض

بعيداً عن كورونا، هل هناك أبحاث أخرى تستعينون فيها بتقنيات الذكاء الاصطناعى ؟

نعم هناك دراسة أخرى نستخدم فيها تطبيقات الذكاء الاصطناعى لتقديم رؤية مستقبلية للكائنات المقاومة للمضادات، التى يمكن أن تظهر خلال السنوات القادمة.. والمقصود بالبكتيريا المقاومة للمضادات هى البكتيريا المقاومة لأكثر من 3 مجموعات من المضادات الحيوية،وهو ما يجعلها أحد العوامل التى تمثل تهديدًا صحيًا كبيرً، للأطفال مرضى السرطان الذين يعانون من نقص المناعة، ويجعلها واحدة من أصعب مسببات الأمراض المرتبطة بمعدلات الوفيات المرتفعة.

وكانت أحدث الدراسات بجامعة واشنطن قد كشفت أن عام 2019 شهد وفاة 1.27 مليون شخص نتيجة البكتيريا المقاومة لمضادات حيوية متعددة.

وتعتبر هذه الوفيات أعلى من رقم الوفيات التى تسبب فيها فيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز أو فيروس الملاريا.

ونحن نسعى من خلال الدراسة الجديدة للتنبؤ المستقبلى بأنواع البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات الحيوية، والتى يمكن أن تظهر فى المستقبل،وذلك من خلال تغذية أجهزة الكمبيوتر المتقدمة (فائقة السرعة) بالجينات الخاصة بالبكتيريا المقاومة للعديد من المضادات التى اكتشفناها من قبل، والتعامل معها بمعالجات خوارزمية للتحليل واستخراج النتائج.

وكيف نستفيد بهذه النتائج؟

نستطيع أن نأخذ حذرنا ونستعد لمواجهة الخطر الصحى القادم ، بترشيد وتقنين المضادات الحيوية واختيار الأنواع المناسبة التى لا تقاومها البكتيريا.

فيروس كورونا دخل الآن عامه الثالث، ولايزال يحير العلماء، فماذا عن أبحاثكم الجديدة بوحدة أبحاث الجينوم ؟

نقوم حاليا بمسح عالى الكفاءة للحامض النووى لمعرفة التسلسل الجينى للمتحور أوميكرون، ووجدنا أن الطفرات فى أوميكرون سريعة الانتشار، ولكنها لا تصل للرئة، بل تؤثر فقط على الجهاز التنفسى العلوى حتى القصبة الهوائية ،والأعراض غالباً خفيفة كالصداع و الرشح وآلام الجسم وسيلان الأنف، وأحياناً يصحبها ارتفاع فى الحرارة، وبسبب عدم شدة الأعراض وتشابهها مع أعراض الانفلونزا الموسمية ، فإن نسبة كبيرة يصابون به دون أن يدروا .

لماذا إذن تحدث أحياناً حالات وفيات من هذا المتحور؟

عادة ما تحدث الوفيات لدى الأشخاص الذين يعانون أساساً من أمراض أخرى تضعف جهازهم المناعى، وتساعد على شراسة الفيروس وضعف مقاومة الجسم له.

نهاية أو بداية

هل ضعف المتحور أوميكرون، يعنى أن الفيروس يمكن أن يكون فى طريقه للانتهاء؟

يقاطعنى قائلاً: ينبغى ألا نتسرع فى الحكم ، فنحن كباحثين نراقب ونحلل الموقف على كل المستويات ،وقد تكون هذه المرحلة بداية النهاية للفيروس، وقد تكون بداية لمرحلة جديدة يخشاها العلماء، فهناك سيناريوهان، الأول أن متحور أوميكرون مع سرعة انتشاره الكبيرة، سيصيب أكبر عدد من البشر، فتتكون لديهم أجسام مضادة ، ويكتسبون مناعة طبيعية جماعية، أو ما يطلق عليه مناعة القطيع، وفى هذه الحالة لا يجد الفيروس عائلاً ينتقل إليه، فيضعف تدريجياً وتنتهى خطورته.

أما السيناريو الآخر الذى يخشاه العلماء حالياً، فهو أن ينتقل الفيروس إلى عائل آخر غير الإنسان، كالحيوانات أو الطيور، وهو ما يعطيه فرصة جديدة للتحور والشراسة، ثم يعود لينتقل للإنسان بصورة أشد، وهنا سيتعامل معه جهاز المناعة من البداية كمتحور جديد، لنبدأ معركتنا معه من البداية.


وهناك أخبار نشرت بمجلة science عن ظهور المتحور فى نوع من القوارض «هامستر»، وكل ما نخشاه أن ينتقل مرة أخرى للإنسان، خاصة أن هناك نظريتين لظهور متحور أوميكرون، أولها أنه ظهر فى عوائل لديها نقص فى الجهاز المناعى، مثل مرضى الإيدز، والذى يدعم هذه النظرية هو ظهوره فى جنوب أفريقيا التى ينتشر فيها الإيدز، والنظرية الأخرى أنه ظهر فى عائل آخر غير الإنسان ثم انتقل إليه، ونحن كباحثين نتابع ما يحدث فى العالم كل لحظة ونربطه بأبحاثنا.

البحث العلمى فى 57357

عشت فى أمريكا 15 عاماً، وعرضت عليك الجنسية الأمريكية، لماذا قررت العودة لمصر؟

يقول بسرعة: هدفى من السفر منذ البداية كان التعلّم وليس الهجرة، فالدولة أنفقت علىّ مبالغ ضخمة خلال البعثة،وتعلمت أشياء متقدمة جدا، وكنت أحلم دائما بالعودة وتطبيق ما تعلمته ونقله لطلابى فى مصر،و بعد عودتى من الخارج عملت فى الجامعة الأمريكية فترة من الوقت، وأشرفت على أبحاث ماجستير ودكتوراة فى مجالى، ثم انتقلت للعمل فى 57357 ،التى وجدت فيه اهتماماً شديداً بالبحث العلمى، باعتباره جزءاً من رؤيتها كأساس للتقدم فى مجال الرعاية الصحية والجودة ،وقدم لى المستشفى كل التسهيلات والأجهزة.

لإنشاء وحدة الجينومكس وتطبيق كل ما تعلمته فى الخارج ،وتقديم بحث علمى متميز ، ومن خلال عملى فى هذه الوحدة المتقدمة،قمنا بعمل العديد من الأبحاث العلمية التى نشرت فى كبرى المجلات العلمية العالمية، ولدينا طموحات علمية كبيرة نسعى لتحقيقها، فى مجال تطوير الرعاية الصحية ليس فى 57357 فقط بل فى مصر كلها، فأهم شىء لاستثمار ما يتم إنفاقه على طلاب البعثات أن تستفيد بهم الدولة لتطبيق ونقل ما تعلموه من علم وتكنولوجيا لبلدهم وطلاب بلدهم.

إقرأ أيضاً|محافظ المنوفية يأمر بإنهاء إجراءات التأمين الصحى لطفل يعانى من تضخم بالكبد

 

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي