ملحمة مصرية فى إعادة تدوير المياه

محطة معالجة المياه بالحمام
محطة معالجة المياه بالحمام

كتبت: ياسمين عبدالحميد

منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية، والدولة المصرية تولى اهتمامًا كبيرًا بالزراعة، حيث استطاعت مصر خلال سنوات معدودة أن تدخل بقوة إلى طريق النهضة الزراعية وفقًا لاستراتيجية تنمية الثروة الزراعية التى تستهدف تنفيذ العديد من المشروعات الزراعية المهمة، والتى يأتى فى مقدمتها مشروع «مستقبل مصر» للإنتاج الزراعى لتوفير منتجات زراعيـة ذات جـودة عاليـة بأسعار مناسبة للمواطنين، وتصدير الفائض للخارج، مما يساهم فى تقليل الاستيراد وتوفير العملة الصعبة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الهيئة الهندسية: المسار 170 كيلومتراً يتضمن 148 كيلومتراً ترعاً مكشوفة

الرى: محطة «الحمام» سنحصل من خلالها على المياه طبقًا للمعايير العالمية

ويُعتبر مشروع «مستقبل مصـر» قاطرة مصر الزراعية، وباكورة مشروع الدلتا الجديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتصدير الفائض، حيث إن المساحة المستهدف استصلاحها تأتى ضمن إجمالى مساحة الدلتا الجديدة، فضلًا عن توفير الآلاف من فرص العمـل المباشرة وغير المباشرة.

ويقع مشروع «مستقبل مصـر» على امتداد طريـق مـحـور «روض الفرج - الضبعة» الجديـد، وهو الطريق الذى أُنشأ ضمن المشروع القومى للطرق بطول ١٢٠ كيلومترا، وعمق من 60 إلى 70 كيلومترا، ويبعد 30 دقيقة عن مدينة السادس من أكتوبر.

التحدى الأكبر أمام نجاح هذا المشروع العملاق، كان توفير المياه الصالحة للزراعة، فكما ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال افتتاحه مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى، فإن رى وزراعة الأراضى فى الدلتا لا تحتاج إلى محطات رفع أو ترع لأن تلك الأراضى مُنخفضة عن مستوى نهر النيل، أما الأراضى المُستصلحة فى مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى فتحتاج إلى محطات رفع لأنها أعلى من منسوب نهر النيل، وبالتالى اضطررنا لعمل مأخذين لرفع المياه لأكثر من 80 مترًا ليتم إدخالها فى ترعة طولها 40 كيلومترًا حتى يتم الوصول إلى الأراضى الصالحة للزراعة فى المشروع، وبالتالى فإن هذا الأمر تطلب تكلفة عالية للغاية، حتى يتم زراعة الـ60 ألف فدان ووضعها على خريطة الإنتاج.

كما يستفيد مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى من خزانات المياه الجوفية، وهى 3 خزانات عملاقة تقع على امتداد منطقة وادى النطرون، وذلك بحفر الآبار الجوفية مع الوضع فى الاعتبار المسافة البينية بين الآبـار للحفاظ على الخزانات الجوفيـة، وعـدم السحب الجـائر منها، وتحقيق معايير التنمية المستدامة، أما مصدر المياه السطحى الذى تم إدخاله فكان من خلال مد ترعة "مستقبل مصر" بطول 40 كيلومترا لإمداد المشروع بطاقة 10 ملايين م3/يوميًا لزراعة نحو 700 ألف فدان إضافية.

الملحمة الأهم، والتى يُسطرها العاملون بالمشروع هى معالجة مياه الصرف الزراعى، وإعادة تدويرها، واستخدامها فى الرى، وإجراء تحاليل دورية لقياس ملوحة المياه لتحقيق الاستغلال الأمثل من المحاصيل الزراعية.

الحصول على المياه لمشروع "مستقبل مصر"، كما ذكر الرئيس السيسى، يأتى من عدة مصادر؛ منها الآبار والمياه التى يتم معالجتها مُعالجة ثلاثية متطورة، حيث تم افتتاح محطتى "المحسمة" و"بحر البقر" للمُعالجة، ونهاية العام الجارى سيتم افتتاح محطة "الحمام" بطاقة 7.5 مليون م3.

المعالجة الثلاثية المُتطورة للمياه هى عبارة عن استخدام لمياه الصرف الزراعى، ويتم معالجتها طبقًا لمعايير مُنظمة الصحة العالمية والأغذية، ويتم نقلها عبر "ترعة مبطنة" أو "مواسير" موجودة، واستدل الرئيس على استخدام مياه أحد المصارف بمنطقة المكس بالإسكندرية، وقال إنه كان يتم تجميع مياه المصارف، وبعد ذلك تلقى فى البحر، ولكن الآن يتم تجميعها وإعادة تدويرها لاستخدامها، بعد أن تم تمهيد الظروف لاستخدام هذه المياه، حيث تم إنشاء محطات رفع للتغلب على ميل الأرض حتى تصل هذه المياه إلى محطة الحمام ومنها إلى أراضى المشروع المُستصلحة، كما يتم تجميع المياه فى محطات تجميع ثم إلى محطات رفع حتى تصل إلى محطة المعالجة، وبعد ذلك يتم توزيعها على شبكة الرى من ترع ومواسير، وكذلك الأمر يحدث فى رشيد حيث تم عمل مأخذ له من محطات رفع، وبعد ذلك تدخل المياه على الترع وشبكة نقل مياه ثم تدخل على الشبكة الفرعية للأراضى المُستصلحة ومساحتها نحو 1.2 مليون فدان.

خلال كلمته، أكد الرئيس أن محطات رفع المياه يتم استيرادها من الخارج، وقد تأثرت باضطراب سلاسل التوريد، ودعا رجال الصناعة إلى الدخول فى إنتاج قطع غيار لتلك المحطات من أجل الإحلال والتجديد على مدى خدمتها، وهو من شأنه أن يعمل على استقرار سوق دائم لتلك المنتجات نظرًا لوجود تلك المحطات فى مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى، وتوشكى، وسيناء، حيث نتحدث عن مشروعات زراعية قد تصل قيمتها إلى 500 مليار جنيه حتى الآن، وقال: "نحن نتحدث عن تكلفة تبلغ 500 مليار جنيه لزراعة 2 مليون فدان، بينما هناك دول أخرى تعتمد على الأمطار فى الزراعة ولا يحتاج الأمر إلى شق ترع وإقامة محطات رفع للمياه ولا محاور رى"، مؤكدًا أنه ليس لدينا خيار آخر، وأن ما تم إنجازه فضل كبير من الله سبحانه وتعالى، داعيًا إلى التحلى بالوعى من أجل الحفاظ على ما تحقق على أرض مصر من إنجازات ومكتسبات.

إقرأ أيضاً | «الري»: محطة المعالجة بالحمام مشروع للتنمية الشاملة ونموذج يحتذي به

اللواء إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، استعرض مسار ترعة الدلتا الجديدة والتى من المقرر أن يكون إجمالى أطوالها 170 كيلومترا عبارة عن 148 كيلومترا "مكشوفة"، إضافة إلى 22 كيلومترا "قطاع مواسير"، حيث تم الانتهاء من تنفيذها بنسبة 46%، بعد أن بدأ حفرها فى أول يونيو 2021، وتنتهى بالكامل فى 31 ديسمبر 2022، ويتكون مشروع الترعة الجديدة من 13 محطة رفع تم الانتهاء من تنفيذها بنسبة إنجاز بلغت 48%، كما تم الانتهاء من تنفيذ 40% من "قطاع المواسير"، و55% من "القطاع المكشوف"، وبين أن محطات الرفع بالكامل سيتم الانتهاء منها فى سبتمبر المقبل، فيما بلغت نسبة التنفيذ فى الترع الموجودة بالقطاع الغربى حوالى 98%، أما بالنسبة للقطاع الشرقى ففيه بعض التأخير نظرا للانتظار لتعويض الأهالى، لافتًا إلى أن التكلفة المالية لتعويضات الأراضى تقريبا وصلت لـ2.5 مليار جنيه تقريبًا، ويمكن تأكيد هذه البيانات مع المساحة المدنية، لافتًا إلى أن الترعة مُرتبطة بمحطة معالجة "الحمام"، والتى ستعمل بطاقة 7.5 مليون كم3/يوميًا، وقد تم الانتهاء من تنفيذ 71% منها حتى الآن.

وتُعد محطة "الحمّام" بمحور الضبعة فى الساحل الشمالى، واحدة من أكبر محطات معالجة المياه على مستوى المنطقة، بتكلفة 60 مليار جنيه بإجمالى طاقة إنتاجية 7.5 مليون متر3/ يوميًا من المياه المعالجة ثلاثيًا، والتى سيتم نقلها إلى أراضى الدلتا الجديدة لتسهم فى استصلاح 500 ألف فدان فى إطار المشروع القومى لزراعة 1.5 مليون فدان ضمن مشروع الدلتا الجديدة ومستقبل مصر من خلال تعزيز منظومة الاستخدام الأمثل للموارد المائية للدولة، حيث سيتم تجميع ونقل مياه المصارف الزراعية بمنطقة شمال الدلتا إلى محطة المعالجة بالحمّام عن طريق مسار الترعة.

الدكتور محمد عبد العاطى، وزير الموارد المائية والرى، قال: إن محطة "الحمام" تُعالج مياه الصرف عالية الملوحة ليتم توجيهها لإعادة الاستخدام، كما يتم خلط المياه المُعالجة بالمياه الجوفية للحفاظ على استدامة الخزان الجوفى، مُشيرًا إلى أن محطة الحمام تُعد مشروعًاً للتنمية الشاملة، ونموذجًا يُحتذى به فى مجال إعادة استخدام المياه، وخلق الآلاف من فرص العمل لمهندسين وفنيين وعمال وتشغيل المصانع، مؤكدًا أنه تم تحويل مياه الصرف ذات الملوحة العالية من "مشكلة" إلى فرصة للتنمية ومواجهة الاحتياجات المُتزايدة، لافتًا إلى أن دولًا كثيرة طلبت الاستعانة بخبرة مصر فى مُعالجة وإعادة استخدام المياه، كما أوضح أن محطة معالجة الحمام ستعمل من خلال تجميع ونقل مياه المصارف الزراعية بمنطقة شمال الدلتا إلى محطة المعالجة بالحمّام عن طريق شق مسار، وذلك بهدف استصلاح وزراعة حوالى 500 ألف فدان غرب الدلتا، مُشيرًا إلى أنها ستكون أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعى فى مصر توفر مياهاً عالية الجودة طبقاً للمواصفات العالمية، يليها محطة مياه مصرف بحر البقر فى سيناء، فمصر تعمل على التوسع فى مشروعات معالجة المياه فى جميع المحافظات لتحقيق التنمية الشاملة؛ فهذه المحطات لن توفر المياه النظيفة الآمنة فحسب لكنها ستؤدى لتوسيع الرقعة الزراعية، وتوفير المياه اللازمة للمصانع والمشروعات فى المجالات المختلفة.
 أضاف، أن المشروع يشبه فى فكرته تنفيذ محطة المحسمة التى يتم فيها نقل المياه من غرب القناة إلى شرقها عبر سحارة سرابيوم تحت قناة السويس.