أصداء زيارة فضيلة المفتي 

إضاءات على سبيكة الوطنية المصرية.. في عاصمة الضباب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: د. أحمد فؤاد أنور
 
يسجل التاريخ والعقل الجمعي الشعبي المصري البطولات والفداء في المُلمات كما لا ينسى ولا يغفر الوقائع المخزية لبعض ضعاف النفوس ويقارن دوما بينهم، ويُنزل صاحب كل مواقف في المنعطفات التاريخية منزله وقدره، ولو انخدع البعض بشعارات براقة أو بدعاية كاذبة.. وسيبقى العمل الصالح في ميزان صاحبه ولو تمسك هو بإنكار الذات.
مناسبة الحديث هي أصداء زيارة فضيلة مفتى الجمهورية الدكتور/ شوقي علام لمجلس العموم البريطاني –منذ أيام- ومواجهته بالحجة لكل صوتٍ معادٍ لمصر.. سعيا للإيضاح والشرح والإفهام، وتقديم الصورة الحقيقية لكل من يبحث عنها. المفتى ألقى كلمة تاريخية أمام مجلسَي العموم واللوردات البريطاني، حازت تفاعلًا كبيرًا من قِبل أعضاء البرلمان والسياسيين البريطانيين، كما ألقى  محاضرة مهمة في جامعة أكسفورد، والتقى بعدد من المسئولين في انجلترا. اكتسبت الزيارة أهمية لأنها استبقت مؤتمر "حرية الأديان" بحضور رئيس الوزراء البريطاني الذي سيعقد في يوليو القادم، وبذلك تكون القاهرة مُبادرة، ولا تتبع سياسة رد الفعل أو التجاهل التي تم اتباعها بشكل أو بآخر على مدارعقود ماضية.
ومن يمن الطالع الإشارة هنا إلى الترتيبات التي سبقت الزيارة )تم ترتيب لها قبلها بتسعة أشهر) وكذلك الترتيبات التي صاحبتها وتلتها بشكل غير تقليدي، حيث تبنى هذا الجهد مجموعة من المصريين المقيمين في الخارج بقيادة الدكتور/ سمير تكلا أمين المجموعة المصرية بالبرلمان البريطاني .. بالتنسيق مع السفارة المصرية وبحضور عدد من الإعلاميين المصريين. الزيارة التي تهدف إلى شرح سماحة الدين الإسلامي ركزت كذلك على توضيح حجم الانجاز في المشروعات القومية الكبرى، وكذلك التعديلات التشريعية في مقابل اصرار الجماعة الإرهابية على سفك الدماء والتدمير والخراب. مفتي الجمهورية بوصفه أيضا رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، رد على كل الأسئلة الشائكة لدى البريطانيين ويوجد اختلاف كبير قبل وبعد إجابة المفتى على أسئلة المسئولين في بريطانيا تم شرح العديد من المسائل الفقهية المهمة منها ملف الطلاق. كذلك وزّع الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، تقريرا موثقا باللغة الإنجليزية على جميع أعضاء مجلسَي العموم واللوردات البريطاني، يكشف جذور العنف لدى جماعة الإخوان الإرهابية ويبين تاريخهم الدموي، وذلك على هامش كلمته التاريخية التي ألقاها أمام أعضاء مجلس النواب البريطاني. ويفضح التقرير الموثَّق الذي وزعه المفتي على أعضاء البرلمان البريطاني، جماعة الإخوان الإرهابية ويكشف عن منهجها المتطرف منذ نشأتها وارتباطها بالتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش"، و"حسم" وغيرهما، وأهم الأفكار المتطرفة التي تتبناها الجماعة، والشخصيات التي أسست ونظَّرت للعنف داخلها منذ إنشائها.
وأشار التقرير إلى أن جماعة الإخوان كانت تعمل بوجهين، الأول هو الوجه الظاهر لعامة الناس والجماهير حيث قدموا أنفسهم كمصلحين اجتماعيين وكقوة معارضة، أما الوجه الثاني فتمثل في إنشاء "الجهاز السري" للجماعة الذي كانت مسئوليته تنفيذ العمليات الإرهابية والاغتيالات، كما تبنت جماعة الإخوان خطابًا ثنائيًّا متناقضًا، وهو تمسكها الشديد بأجندتها الأساسية التي ترفض النظم الحديثة، بالتزامن مع اعتناق الإصلاح وقيم الديمقراطية. كما قدم التقرير العديد من الأدلة على علاقة جماعة الإخوان بداعش والقاعدة، و"لواء الثورة" و"حركة حسم". يذكر أن اثنين منتمين لجماعة الإخوان الإرهابية حضرا الجلسة مع مفتي الجمهورية وطرحا أسئلة تم الرد عليها من جانب المفتي وجاءت ردوده جريئة وواضحة.
وقد انعكس دور سمير تكلا على حرص الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية فور عودته -أول أمس- من العاصمة البريطانية لندن على توجيه الشكر إلى السفير شريف كامل، سفير مصر في بريطانيا وطاقم السفارة وسمير تكلا على ما بذلوه من مجهود لإنجاح الزيارة وتيسيرها. وبالفعل يمكن القول بأن الجندي المجهول في هذه الزيارة هو رجل الأعمال سمير تكلا فهو نموذج متميز للمصريين في الخارج الذين لا ينفصلون عن وطنهم الأم، ولا يدخرون جهدا أو وقتا أو مالا لتصويب التشويه الإخواني والرد عليه في معقلهم الأوروبي الأثير.  سمير تكلا وهو رجل سياحة مقيم بلندن كان قد غادر مصر منذ 1968 لم يدخل العمل العام هناك إلا بعد ظهور خطر الإخوان وقد أسس المجموعة البريطانية المصرية التى تضم الآن نحو 54 عضو لوردات وعموم.. وسبق له تنظيم زيارة وفد برلماني مصرى للندن فى 2016 قابل فيها مستشار الأمن القومي البريطاني.  كما نظم لقاء وزير الاستثمار -في مطلع 2015 - بمجموعة ‏أصدقاء مصر في البرلمان البريطاني ووجه الوزير المصري الشكر للمجموعة البرلمانية المصرية على الدور المهم الذي تقوم به ‏في إطار تعزيز العلاقات المصرية البريطانية، من خلال الزيارات المتعددة التي قامت بها ‏لمصر خلال الفترة الماضية ولقاءاتها مع المسؤولين المصريين. وحضر اللقاء 12 عضوا، من بينهم اللورد هاول وزير الطاقة والتجارة الأسبق في الحكومة ‏البريطانية وجون سبيلار الوزير بحكومة الظل العمالية، إضافة إلى منسق المجموعة سمير ‏تكلا.‏ وشملت الزيارة مقابلة مع وزير شؤون الشرق الأوسط ‏بالخارجية البريطانية توباياس إلوود.‏
وتجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن نظم د. سمير عام 2014 -أي في ذروة التشويه الغربي لدولة 30 يونيو- لقاءا استقبل فيه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي السيد روبرت وولتر، عضو البرلمان البريطاني، على رأس وفد يضم ستة عشر عضوًا من مجموعة أصدقاء مصر بمجلسي اللوردات والعموم البريطانيين، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المصرية المرافقة للوفد بحضور السيد نبيل فھمي، وزير الخارجية. وهو ما تمت ترجمته بتعاون بين البلدين في مجال زيادة كفاءة الأجھزة الأمنية وعودة حركة السياحة.
دكتور سمير دون مبالغات نقيض من باع وطنه مؤخرا مقابل حفنة دولارات أو جنسية بدء من ذلك الذي قبل أن يعمل في اذاعة تحرض ضد مصر تنطلق من باريس في ذروة العدوان الثلاثي الذي انتهى بانتصار مصر وصولا إلى هؤلاء القابعين في فنادق لندن في حالة تفرغ تام للتشويه ودعم الإرهاب وتوفير غطاء سياسي وإعلامي له، أو من يتسولون تدخلا أجنبيا مقابل مياه ساخنه في السجن، أو حتى إفراج مبكر وعفو عن عقوبات منها التحريض على قتل ضباط وجنود! سمير ومن معه؛ يذكرونا بشخصيات وطنية رفضت مغادرة مصر والتنازل عن انتمائها مثل البير ارييه، وشحاتة هارون الذي فضل أن يبقى مع إحدى بناته في مصر على أن يخرج معها بلا عودة في رحلة علاج من مرض خطير عضال.  
والخلاصة في رأي كاتب هذه السطور أن لتضافر الجهد بين العناصر الوطنية المصرية في الخارج وفضيلة المفتي له بالفعل ناتج معنوي كبير لأن مجرد الحضور وترتيب البروتوكول بشكل مميز يعد مكسبًا حقيقيا له أهمية ملموسة تتعاظم عند النظر للندن بوصفها تستقبل جذور الإسلام السياسي على مدار التاريخ، وكونها -رغم مراجعات نظرية في العامين الأخيرين-  لا تزال مركز استقطاب رئيسي لإعلام ونشاط الجماعة ملاذ لكوادرها!! لذا من المطلوب بشدة استمرار الجهد المصري الشعبي والرسمي وفضح الجرائم الإخوانية مع ملاحظة أن التوقيت له مغذى، فالجيوش الإخوانية بدأت تهاجر من تركيا.. إلى لندن وفي التحرك المصري الأخير رسالة ضمنية من القاهرة تعبر عن رفض ودهشة من توسع لندن في استقطاب الإخوان بما يهدد المصالح البريطانية مع مصر، ومبعث الدهشة هو إنه إذا كانت تركيا ذات الهوى الإخواني والتصريحات النارية ضد 30 يونيو تراجع نفسها، فمتى تحذو بريطانيا حذوها في هذا المجال؟