قانون جديد يقضي على أوجاع الآباء والأمهـــــــــــات والأطفــال

قانون الأحوال الشخصية
قانون الأحوال الشخصية

كتب: محمد طلعت

منذ عام كلفني رئيس التحرير بالإشراف على عدد كامل عن الأحوال الشخصية، نفتح فيه حوارًا مجتمعيًا على صفحات الجريدة، فيما يخص قانون الأحوال الشخصية الجديد حتى نصل لقانون لصالح الأسرة كلها، ناقشنا خلالها عددا من أعضاء مجلس النواب والشيوخ المسؤولين عن تشريع القوانين، كما استعرضنا بعض القضايا التي تعاني منها المرأة، مثل النفقة ومسكن الحضانة وغيرها.

وتحدثت وكيل مجلس الشيوخ فيبي فوزي التي دعت أن يكون الحوار المجتمعي جامعًا بين كافة الأطراف واهمها المؤسسات الدينية حتى لا يصدر القانون وقد خالف أي تصور سواء ديني أو مجتمعي حتى يخرج القانون للنور متواكبًا مع التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها المجتمع.

 

وتحدثنا مع وزيرة الإعلام السابقة ورئيسة لجنة الإعلام والثقافة في مجلس النواب الدكتورة درية شرف الدين التي اكدت أن قانون الأحوال الشخصية يجب أن لا يتم إسناده فقط للمؤسسات الدينية وفقًا لوجهة نظرها بل يجب أن يكون هناك جهات أخرى يؤخذ رأيها في ذلك القانون مثل جهات ثقافية ومؤسسات اجتماعية وتربوية وسياسية وجهات علمية أيضًا، فالاحوال الشخصية كما قالت ليست مسألة دينية فقط. 

 

وأكدت رئيسة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب؛ أن هناك آراءً فقهية كانت مرتبطة بعصر معين وترى أن تلك الأفكار يجب أن تتطور مع تطور الزمن والظروف في المجتمع ولا تظل على حالها مؤكدة على أن المرأة في العصور الأولى لم تكن تخرج للعمل كما هو الحال الآن لذلك لم يكن موجودًا ما يعرف بجواز السفر لكن الآن مع تطور الزمن والظروف أصبحت المرأة شريكًا للرجل في كافة الأعمال لذلك ليس من المنطقي أن يتم منع المرأة من السفر في انتظار موافقة لذلك فهذا عفا عليه الزمن.

الطلاق الشفهي

ووضعت رئيسة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب بداية حوار مجتمعي من نوع آخر عن موضوع الطلاق الشفهي والأزمات والمشاكل التي تحدث من وراء ذلك الأمر داخل الأسر وهو الأمر الذي تحدث فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي طويلا من أجل إيجاد صيغة قانونية يتم وضعها في قانون الأحوال الشخصية الجديد عندما يتم إصداره من أجل إنهاء تلك المسألة شديدة الحساسية. 

 

في ذلك الأمر تحدثنا مع الكاتب الصحفي وعضو مجلس الشيوخ الراحل ابراهيم حجازي الذي كان رأيه  أن أي قانون وخاصة الأحوال الشخصية يحتاج إلى دراسة متأنية وأن يؤخذ برأي الشرع في كل جوانبه من أجل أن يكون القانون صحيحا من الناحية الاجتماعية والدينية ويناسب كل الأطراف.

 

أما النائبة عبلة الهواري عضو مجلس النواب فكان رأيها؛ أنه يجب أن يكون هناك قانون رادع بمسألة الزواج المبكر لانه سبب من أكبر اسباب الأزمة المجتمعية في الأحوال الشخصية فهو يسبب مشاكل صحية ونفسية واجتماعية لأطفال يتم الزج بهم في زواج غير متكافئ. 

 

أما الداعية الإسلامي خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فيرى؛ أن المرأة المصرية على مدار سنوات طويلة كانت مظلومة لذلك يجب أن يكون القانون الذي يصدر داعما لها ويهتم بها ويعطيها حقوقها ويجب أن يتم ذلك في إطار حوار مجتمعي محذرًا من جماعة الإخوان التي تعمل في مثل هذه الأوقات كما قال على تقليب المجتمع في إطار من الشائعات حتى يتم اجهاض أي حوار هدفه صالح الوطن والمواطن.

الحضانة

تحدثنا أيضا عن أبرز النقاط الخلافية التي تثير كثيرًا من الازمات داخل المجتمع وخاصة مسألة حضانة الطفل فالآباء الذين تحدثنا معهم يرون أن القانون الحالي المعمول به حاليا  يجعلهم رقم ١٦ في ترتيب حضانة طفلهم أو كما يقولون إن الأب هو الوحيد الممنوع من حضانة ابنه فهو لا يستطيع أن يطالب بحضانة ابنه إلا بعد ١٥ شخصًا قد لا يعرفهم الطفل أو رآهم من قبل لكن لكل هؤلاء الحق في ترتيب الحصول على حضانة الطفل قبل الأب لذلك كان الطلب من الآباء هو أن يتم مراعاة ذلك فلن يكون هناك احن من الاب على أطفاله.

 

هذا الأمر يتم مراعاته حاليًا في مشاريع القوانين التي يتم عمل حوار مجتمعي عليها في الوقت الحالي حيث يتم الحديث عن وضع الاب في المرتبة الرابعة بعد الام والجدة للام والجدة للاب وهو ترتيب مناسب جدا ويحسن كثيرا من الأمر، فالأم هى الأقرب للطفل ثم والدتها بعد ذلك وتأتي والدة الأب في المرتبة الثالثة فهؤلاء هم الأحق والاكثر رحمة للطفل ثم يأتي دور الاب وإذا تم الأمر بتلك الطريقة سيكون الامر متوازنًا في تلك المسألة وفقًا لمن تحدثنا إليهم. 

لكن آخرين لديهم رأي مخالف في الموضوع مثل عضوة مجلس النواب الدكتورة هالة ابو السعد التي رأت أن الترتيب لايصلح وترى أن الأمر يجب أن يعود لتقدير القاضي الذي ينظر في القضية لأن كل حالة تختلف بذاتها عن الحالات الأخرى فالحضانة للام ثم إذا تزوجت أو حدث ما يمنعها أن تقوم بالحضانة تنتقل للاب وإذا لم يكن مؤهلا للحضانة يعود الأمر للقاضي الذي يحكم وقتها بما يراه في مصلحة الطفل.

أما عميد كلية الدعوة الأسبق بالأزهر الدكتور احمد ربيع فكان رأيه؛ أن مواد الحضانة في القانون السابق كان يتم استخدامه من أجل تصفية الحسابات بين الطرفين وأهلهم ولذلك فهو يطالب بأن يتلافى القانون الجديد الذي سيتم إجراء حوار مجتمعي عليه كافة الثغرات حتى لا يستخدم الطفل في نزاعات لا دخل له فيها وتكون سبب في شقائه ومعاناته طوال حياته وأنه يجب أن يكون هناك مبدأ التشاور بين الام والاب فيما يتعلق بمصلحة أطفالهم وهو سواء في الحضانة أو الرؤية أو غيرها من الأمور التي تؤثر على حياة أطفالهم.

أطفال الشتات

ذلك الحديث جعلنا نبحث أكثر عن النقاط الخلافية في مسألة الأحوال الشخصية والتي تؤثر على الطفل اولا لانه الأهم وهو الطرف الاكثر معاناة في المنظومة من دوامة المشاكل التي تحدث ما بين الاب والام خاصة مع حدوث الطلاق لذلك خصصنا صفحة كاملة للحديث عن اطفال الشتات وهم من انفصل آبائهم واصبحوا معلقين ما بين الطرفين وكل طرف منهم وكأنه يمسك في يديه حيل والطرف الآخر يمسك نفس الحبل وطفلهم مربوط بينهم يعاني وكلما شد طرف الخناق على الطرف الآخر يكون التأثير الأكبر على الطفل المسكين الذي لاحول له ولا قوة، وهذه مأساة ملايين الأسر التي لم يستطع فيها الزوج والزوجة التفاهم عندها وقع الخلاف النهائي وحدث الطلاق ودخل الزوجان في مشاكل داخل المحاكم وكل طرف وهو يحاول أن يحصل على حقوقه أو يخنق الطرف الآخر والمطالبات المختلفة هو في حقيقة الأمر يدمر نفسية طفله.

وفي تلك النقطة طالب المحامي المتخصص في شؤون الأسرة محمد ميزار بإنشاء مجلس قائم بذاته يعمل على توفير الحماية المجتمعية لأطفال الشقاق مع سن تشريعات للرعاية المشتركة بين الآباء والأمهات لحماية الأطفال وان يكون ذلك تحت مظلة مجلس بإشراف حكومي ويكون هناك متابعة سواء أسبوعية أو شهرية من العاملين في ذلك المجلس على حالة الطفل الاجتماعية ومتابعته داخل المدرسة من خلال تقارير رسمية من المدرسة للمسؤولين عن ذلك المجلس الحكومي لكي يتم معرفة المشاكل التي يعاني منها الطفل لتلافيها ويكون لذلك المجلس كلمة عليا فيمن يستحق حضانة الطفل فيستطيع أن يقدم تقرير للقاضي عن حالة الطفل ومدى ملائمة البيئة التي يعيش بها على حياته ومستقبله ويتم الأخذ بها عند تقرير الحضانة أو نزعها.

 

أيضا تحدثنا في ذلك العدد الذي خصصناه قبل عام عن قانون الأحوال الشخصية من خلال حوار مجتمعي عن الأزمة الكبرى التي تواجه الأسرة التي حدث بها شقاق وانتهى أمرهم بالطلاق وهى مسألة الرؤية كما ينص القانون الحالي  أو الاستضافة التي يرغب بها الطرف غير الحاضن سواء كان الأب أو الأم، تلك النقطة شائكة وبها مشاكل كثيرة فكما استمعنا لشكاوى عدد كبير من الآباء والأمهات غير الحاضنين حيث يستطيع الطرف الآخر أن يمتنع عن إحضار الطفل في الحديقة أو المكان المخصص للرؤية لمدد طويلة ولا يستطيع الطرف غير الحاضن أن يفعل شيئًا، فأحد الأشخاص على سبيل المثال قال لنا أنه استمر لمدة عامين يرى طفل كانت زوجته السابقة تحضره في موعد الرؤية وتخبره انه ابنه وفي النهاية اكتشف أنه ليس طفله وان طليقته كانت تفعل ذلك بسبب المشاكل بينهم.

 

على الجانب الآخر كانت هناك تخوفات من قبل الطرف الحاضن من أن يكون التفكير في الاستضافة للطفل من قبل الطرف الآخر هو وسيلة لخطف الطفل وعدم عودته مرة أخرى، وطالبوا بأن يتم توضيح كافة الأمور في مسألة الاستضافة وبالطبع هناك حالات تكلمنا معها على صفحات ذلك العدد أو من خلال موضوعات صحفية قام بها عدد من الزملاء على مدار سنوات تتحدث عن استيلاء الطرف غير الحاضن على الطفل وعدم إعادته مرة أخرى للطرف الحاضن بعد اللقاء وقضايا الأحوال الشخصية أمام المحاكم بها العشرات أو المئات من القضايا التي تتحدث في تلك النقطة لذلك ترغب الأمهات في وضع كل الاعتبارات في مسألة الاستضافة وأن يضع القانون عقوبة على من يرفض تسليم الطفل سواء من كان في حضانته ورفض الاستضافة أو من غير الحاضن إذا استضاف الطفل ورفض أو أخفاه لكي لا يعيده للطرف الحاضن وهى مسألة مهمة جدا وحساسة ويجب أن يتم تناولها ومناقشتها بكل دقة لكي لا تكون هناك ثغرة تسبب مشاكل بعد ذلك لأي من الطرفين.

النفقة

أيضا من النقاط التي ركزنا عليها في حوارنا المجتمعي هي مسألة النفقة التي يجب أن تكون مسألة منتهية قبل أن يتم الزواج بين الطرفين على الإطلاق من خلال عقد ملزم للطرفين بأنه إذا تم الطلاق يتم على الفور إعطاء نفقة مباشرة دون الوصول للقضاء لأن الوضع الحالي وما نراه من مآسي في محاكم الأسرة  لسيدات تعاني بصورة كبيرة جدا من أجل الحصول على نفقة لأطفالها سواء لإ طعامهم أو من أجل مصاريف مدارسهم هو إذلال بكل ما للكلمة من معنى.

فعدد من الآباء ونتيجة للمشاكل الكثيرة مع زوجاتهم السابقين يعملون على اللعب في حسابات مرتباتهم حتى يقللون النفقة التي تحصل عليها الزوجة ولنا في آلاف القضايا التي أمام محاكم الأسرة خير دليل على ذلك لذا الأمر يحتاج لصيغة قانونية تحقق العدالة للطرفين سواء للطرف الذي يحصل على النفقة أو للطرف الآخر الذي أيضا يمكن أن يتم استنزافه ماليا بصورة كبيرة بسبب طمع الطرف الآخر في الحصول على ما يفوق مقدرة الطليق وهذا ايضا ما نشاهده في قضايا كثيرة منظورة أمام محاكم الأسرة لذلك يحتاج الأمر لتشريع دقيق يضبط ذلك الأمر فليس معقولا أن تحصل الزوجة والأطفال على ٥٠٠ جنيه في الشهر ويكون مطلوبا منها ان تصرف على أطفالها وتوفر لهم الحياة اللائقة.

 

قضية أخرى فتحناها خلال الحوار المجتمعي الذي ادرناه في الجريدة عن قانون الأحوال الشخصية ألا وهو شقة الزوجية التي تذهب للام الحاضنة ولكن في بعض الحالات عندما يصل الأبناء لسن معين (١٥ سنة) يحق للاب أن يطالب باسترداد منزل الزوجية وطرد الام الحاضنة منه وهو أمر موجود ويحدث حتى إذا ما أقر الاولاد برغبتهم في مواصلة الحياة مع والدتهم فمن حق الاب وقتها أن يسترد شقة الزوجية وفقا للقانون تلك المسألة اخذت حديثا كبيرا مع عدد من المحامين مثل الدكتور ايهاب ماهر وعمرو عبد السلام عن العراقيل التي يتم وضعها لمواجهة الام الحاضنة والصراع الذي يتم بين الطرفين ويمكن في النهاية أن تفقد الام وأطفالها منزل الزوجية بعدد من الحيل الموجودة والثغرات التي يتم اللعب عليها وهى ما تحدثنا فيه كثيرا وناقشناه لكن سيستمر ذلك الأمر حتى يتم وضع قانون دقيق لمواجهة ذلك الأمر ووضع كل شيء في نصابه الطبيعي لكي يحصل كل طرف على حقه بالقانون.

 

الولاية التعليمية

مسألة أخرى من عشرات الأمور الشائكة التي ناقشناها في حوارنا المجتمعي المطول والذي سيستمر لإعداد أخرى في مناقشته وهى مسألة الولاية التعليمية وهى مسألة شائكة جدا في قانون الأحوال الشخصية ففي الماضي كانت الولاية التعليمية مع الآباء، واعترضت كثير من السيدات بأن ذلك يؤثر على تعليم أبنائهم بسبب رفض بعد الآباء لبعض الأمور التعليمية لأطفالهم وبسبب المشاكل مع الأمهات يزداد الأمر بينهم ويمكن أن يعاني الطفل ويتوقف تعليمه، لذلك حصلت الام على الولاية التعليمية وفقدها الاب والان يشتكي الآباء بأن ذلك ظلمهم فكيف لايكون لهم رأي في مسألة تعليم أطفالهم ولا في مستقبلهم وطالبوا بأن تكون الولاية التعليمية مشتركة بين الطرفين حتى تعود الأمور عادلة ولا يتحكم طرف في مستقبل الاطفال بمفرده فذلك هو الظلم كما قال كل من تحدثنا معهم في ذلك الشأن.

 

فقضية الأحوال الشخصية يعلم الجميع أنها قضية شائكة وتؤثر على المجتمع ككل لذلك يجب أن يستمر النقاش المجتمعي وان يكون حوارا متوازنا لا يجب أن يتم الانحياز لطرف على آخر بل إن يحصل كل طرف على حقه الكامل دون نقصان وهذا ما تعمل عليه الدولة حاليا وما دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بأننا نحتاج لقانون متوازن من خلال حوار مجتمعي شامل، ومن جهتنا سنستمر في إجراء حوار مجتمعي شامل مع كافة الأطراف خلال الفترة المقبلة كما سبق أن فعلنا من قبل من أجل وضع كل نقاط الخلاف عن الطاولة للوصول لتوازن جامع يخرج في النهاية قانون يرضى عنه الجميع ويكون باكورة قوانين الجمهورية الجديدة.