وجع قلب

الانتصار الحقيقي

هبة عمر
هبة عمر

بقلم: هبة عمر

فى مشهد مؤثر بنهاية فيلم الأب الروحى يلقى «مايكل كورليونى» رئيس عائلات المافيا، بيانا فى المحكمة لتبرئة اسمه واسم عائلته من تهم الفساد التى تطاردهم منذ أسس والده «فيتو كوروليونى» عائلة المافيا الشهيرة، كان الجميع يعلم بأنه مدان وقاتل وفاسد لكن الجرائم لم تثبت عليه أبدًا، ورغم تأكيده على بطولته العسكرية كان كل شخص فى قرارة نفسه يعلم أنه  صنع شبكات من المنتفعين والمجرمين الذين أفسدوا المجتمع، حتى إذا لم تتمكن الإجراءات القضائية من إدانته، فهناك عشرات التهم لايمكن إثباتها بالأوراق، والمحامون الكبار قادرون على ترتيب كل شئ فى مقابل مايدفع لهم من أموال باهظة، وهذا هو الفارق بين الصورة التى تعبر عن الانتصار والحصول على البراءة بحكم قضائي، وبين الواقع الذى عاشه الجميع ويجرى تجاهله ونسيانه، ويظل الإنتصار الحقيقى هو الحصول على البراءه بحكم المجتمع الذى دفع الثمن وحده فى كل ما مر به.

فى كثير من الأحيان يصبح الحديث عن الفساد لامعنى له إذا لم تثبته أوراق ومستندات وتؤيده وقائع واضحة وقوانين مفهومة لايمكن الالتفاف حولها، لذلك تأتى أحكام البراءة لعدم كفاية الأدلة وهذا لايعنى عدم صحة الواقعة، وفى عالم السياسة يجرى تقدير حجم الفساد بمدى تأثيره على الاقتصاد الذى يحدد مصائر الدول ويضعف قدرتها على التنمية وتحقيق حياة مناسبة لشعوبها، والأنظمة التى تقنن الفساد أو تبرره أو تغض البصر عنه لصالح دوائر المحيطين بها تهدم استقرار دولها ومستقبلها، ورغم ذلك تبقى المحاسبة على الفساد السياسى بعيدة المنال ، مهما كان واضحا وجليا، ومهما بلغ تأثيره على الحاضر والمستقبل.

الآن يمر العالم بأسوأ أزمة اقتصادية من مائة عام، سوف تتسبب فى وقوع  ١٫٧ مليار شخص فى براثن الفقر والجوع، أى خمس سكان العالم ، وأعتقد أن كل أزمات العالم كان الفساد أحد أسبابها الرئيسية، فساد القرارات وفساد الأفكار وفساد الإدارة وفساد السياسات، وكبح جماح الفساد هو أول خطوات الإصلاح الصعب.