مصر الجديدة: مقبرة الميديا..

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

منذ سنوات طويلة صارت الميديا نافذتي على الحياة حولي في مصر والعالم. المعلومات صارت هي الأهم بالنسبة لي. جيلي كان يضطر إلي الذهاب إلي دار الكتب ليتصفح الجرائد القديمة.

لا أنسى كيف أنفقت ست سنوات أكثرها في دار الكتب وأنا أكتب رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» التي نشرت أول مرة عام 1996.  الميديا هكذا كنز إذ تستطيع أن تصل إلى ما تريد من معلومات وأنت أمام اللاب توب في المنزل.

صار للميديا دور كبير في الدعوات للمناسبات المختلفة. الثورات والمظاهرات والاعتصامات والندوات واللقاءات الفكرية وافتتاح المشروعات والأفلام وحفلات توقيع الكتب إلخ.

تمضي الأيام وأجد على الميديا كل من أعرف ولا أعرف من الأدباء والنقاد وشيء من كتاباتهم الفنية والنقدية مما يمتعني جدا. فجأة حفلت الميديا بألفاظ وتعليقات لم نكن نعرفها إلا في جلسات المقاهي ونضحك وننساها بمجرد مغادرة المكان.

امتلأت الميديا بهذه الألفاظ التي لا أتوقف عندها. الأهم أنني رأيت في الميديا مدنا جديدة في الفضاء حتي إنني يوما كتبت رواية «في كل أسبوع يوم جمعة» باعتبار هذه المدينة الفضائية تستحق أن تكون مادة للكتابة، بعد أن كتبت روايات عن مدن حقيقية في مصر وخارجها. لم أبتعد عن الميديا ولم أكتفِ.

صارت رافدا في كثير من رواياتي بعد ذلك، وإن لم تكن الملمح الوحيد كما هي في رواية «في كل أسبوع يوم جمعة».

شيئا فشيئا وجدت الميديا تحفل بألفاظ سخيفة جدا لا يمكن أن أكتبها هنا.

ألفاظ سخيفة وشتائم، وحتي تمر علي إدارة الفيسبوك مثلا أو تويتر، يتم التلاعب بحروف فيها، فتوضع نقط فوق ما لا يحتاج إلى نقط، أو يتم تقسيم اللفظ السيئ، أو يوضع حرف لاتيني بدلا من الحرف العربي فلا يعلّق الفيسبوك أو تويتر حساب الشخص.

أىّ أن الذي يكتب ذلك يعرف ما يفعل ويتحايل لإيصاله. ليس هناك مشكلة فالميديا مثل الحياة حافلة بالتناقضات. لكن ما رأيته أخيرا أثارني وجعلني أكتب هذا المقال.

لقد رأيت عددا من المبدعين يدخلون في حفل شتائم لبعضهم بأقسي الألفاظ. ما معنى هذا؟ البحث عن جمهور.

هل فكر صاحب هذا الكلام في نوع المعجبين بهذا الكلام؟

وهل يصدق اللايكات وعلامات الإعجاب حقا؟ وهل سوء العلاقة الشخصية بين الكتاب يكون فرصة لهذه الشتائم الشخصية وبالأم والأب؟

 لماذا ينتقل الحديث من القصة أو الرواية إلى الحديث الشخصي؟ يمكن للقصة أو الرواية أن تحمل شتائم بين الشخصيات، لكنها شخصيات غير حقيقية في النهاية، وطالما دافعنا عن حرية الكاتب في هذا، فالأصل هو الصدق الفني مع الشخصيات، فالشخصية الجانحة ليست مضطرة للألفاظ الجميلة.

لكن الرأي لكاتب في كتّاب آخرين بهذه الشتائم الشخصية لا علاقة له بالفن.

ألا يدري من يفعلون ذلك أن النزول إلى هذا الدرك مقبرة لطاقة الإبداع؟ وهل سيصدق أحد أن هذه معارك أدبية مفيدة للحياة الأدبية والشتائم أصلا ملقاة في الطرقات؟