من كتابه الجديد «منع الوباء القادم»

من كتابه الجديد «منع الوباء القادم» بيل جيتس.. تاجر الخوف!

بيل جيتس
بيل جيتس

كتبت: دينا توفيق

تنبأ وتحققت نبوءته.. انتشار فيروس غامض فى الصين وبات جائحة عالمية.. حذر من تحوُّر الفيروس وموجاته حصدت الأرواح وتركت آخرين فى انتظار مصيرهم، واقع مرير عاشه العالم منذ ظهور "كوفيد-19" لأكثر من عامين، كان عملاق التكنولوجيا بيل جيتس واضعا سيناريو له وكشف عنه عام 2015، حتى موعد هدوء العدوى أعلن عنها.. ورغم ذلك، مازال يحذر من أن الجائحة لم تنته بعد، و"الأسوأ" يمكن أن يكون أمامنا، ومخاطر أوبئة جديدة تهدد البشرية، سواء كانت ناتجة عن حرب بيولوجية أو أزمة تغيُّر المناخ دون الاستعداد لها لمحاربتها.. مستقبل مظلم ولا أحد يعرف كيفية التخلص من هذا الكابوس سوى جيتس.

 

تحول مؤسس مايكروسوفت بيل جيتس من أحد عمالقة التكنولوجيا ورجل أعمال إلى كاتب وناشط يشن حملات قوية بشأن قضية اجتماعية وسياسية، أمر يدعو للاندهاش! بل أصبح يتحكم فى صنع السياسة العالمية، التى ظهرت واضحة فى إجراءات الإغلاق الاقتصادى والتباعد الاجتماعى وقت الجائحة. وبسرد جديد؛ الوباء الدائم، سيتحكم فى المجتمعات تحت ستار "عوامل ومسببات الأمراض". وقال الملياردير المدافع عن الصحة العامة لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية: "ما زلنا معرضين لخطر هذا الوباء الذى يولد متغيرًا يمكن أن يكون أكثر قابلية للانتقال بل وأكثر فتكًا".
وأضاف: فى حين أن (كوفيد- 19) لا يزال معنا، يتصرف البشر كما لو أنه ليس كذلك، نحن جميعًا متحمسون للعودة إلى ما كانت عليه الأمور من قبل، ولكن هناك شيء واحد لا يمكننا العودة إليه - تهاوننا بشأن الأوبئة"، ومر أكثر من عام على نشره كتاب "كيفية تجنب كارثة مناخية"، والآن يشرع فى شرح "كيفية منع الجائحة التالية" التى يمكن أن تقتل الملايين وتدمر الاقتصاد العالمى؟ الإجابة كما اعتاد سكان الكوكب عند عملاق التكنولوجيا الذى أصبح لديه خبرة وكاد يكون متخصصا فى علم الفيروسات والأوبئة واللقاحات والمناخ ومحاولاته تعتيم الشمس والزراعة والغذاء وكل شيء لديه حل وإجابات له.

 

وفى كتابه الجديد الذى صدر حديثًا يوضح ما كان يجب أن يتعلمه العالم من كورونا وما يمكن أن نفعله جميعًا لدرء كارثة أخرى مثلها؛ بالاعتماد على المعرفة المشتركة لأهم الخبراء فى العالم وعلى خبرته الخاصة فى فهم علم الأمراض المعدية ومكافحة الأمراض الفتاكة من خلال مؤسسته الخيرية. كما يوضح لنا كيف أن دول العالم التى تعمل جنبًا إلى جنب مع بعضها البعض ومع القطاع الخاص، لا يمكنها فقط درء كارثة أخرى شبيهة بـ(كوفيد-19) ولكن أيضًا القضاء على جميع أمراض الجهاز التنفسى، بما فى ذلك الإنفلونزا. 

 

الأمر الأكثر إثارة للجدل هو اقتراح جيتس إنشاء وكالة عالمية لمكافحة الأوبئة، فريق الاستجابة والتعبئة العالمية للأوبئة أو كما أطلق عليه "جرثومة "(GERM)، بتمويل سنوى قدره مليار دولار، أى أقل من الإنفاق الدفاعى العالمى السنوى. وهو ما يتماشى مع ما طرحه القادة الأمريكيون فى الإشارة إلى نيتهم استبدال الحرب على الإرهاب بسرد جديد عام 2014، الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما بجدول أعمال الأمن الصحى العالمى (GHSA)، حيث كان التركيز على أهمية المواجهة الجماعية لاندلاع الأمراض المعدية والإنفاق عليه وكأنها حرب.

 

ويقول جيتس إن منظمة الصحة العالمية ستدير فريق جرثومة، لكنه لا يشرح أبدًا لماذا تكون الطبقة الجديدة من البيروقراطية أفضل من مجرد تعزيز منظمة الصحة العالمية. كما أنه لا يوضح كيف سينجو الفريق من نفس الرياح المعاكسة التى تواجهها منظمة الصحة العالمية، مثل خفض الولايات المتحدة التمويل عام 2020، أو قرار الصين عام 2021 بمنع المزيد من التحقيقات فى أصول نشأة "كوفيد-19". ويشرح لماذا يعتقد الآن أن اللقاحات يمكن أن تكون جاهزة فى غضون ستة أشهر فى المرة القادمة مع الاعتماد على (mRNA).

 

لقد أدرك أصحاب المصالح منذ فترة طويلة أن الخوف والذعر، يوفران فرصًا قابلة للاستغلال لإعادة هيكلة المجتمعات أو بمعنى أدق إعادة تشيكله بإنشاء نظام عالمى جديد. وكان فيروس "كوفيد-19" مثالا واضحا أكد ذلك، وهذا يعنى أن حملات الخوف المحكمة جيدًا يمكن أن تقنع الكثير من الناس بالتخلى عن أنشطتهم وممارسات حياتهم اليومية والخضوع لعمليات الإغلاق والحجر المنزلى؛ حيث قيّدت تدابير منظمة الصحة العالمية بغرض مكافحة الوباء الحريات فى العالم وسهّلت إمكانية تحول دول كانت تتمتع بالديمقراطية إلى نموذج جديد أكثر تسلطًا. فالخوف من الأمراض المعدية، جعل قبول الإجراءات الاحترازية سواء كانت منطقية أو مبررة أم لا، أمرًا لا مفر منه ولا خيار آخر. كما يعد تكرار التحذيرات أحد العناصر الرئيسية فى أدوات الدعاية لاستمرار الخوف، خاصة إذا كانت تلك التحذيرات تأتى من جهات رسمية موثوق بها، كمنظمة الصحة العالمية أو ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻷﻣﺮاض واﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ «CDC».


وفى يناير 2021، دعت المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، إلى معاهدة جديدة بشأن الأوبئة، لكن من المرجح ألا تحقق أهدافها المرجوة، فإن المعاهدة مقدر لها أن تفشل فى تغيير كيفية التعامل مع حالات تفشى المرض فى المستقبل؛ وذلك لأن المعاهدة فشلت فى معالجة العقبة الرئيسية أمام التأهب للوباء، بعد رفض بعض الدول، ولا سيما الصين، الخضوع للشفافية الكاملة، ومشاركة البيانات والمعلومات والتفتيش عن تفشى الأوبئة والفيروسات، وفقًا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسى الأمريكية". وعلاوة على ذلك، فإن المعاهدة التى يتم التفاوض عليها تحت رعاية منظمة الصحة العالمية، التى لديها القليل من السلطة الخاصة بها، تعكس مصالح المانحين مثل الولايات المتحدة كدولة وجيتس أكبر المساهمين حتى فى وضع سياساتها، ومن غير المرجح أن تجرى التغييرات الشاملة المطلوبة بشكل عاجل.

 

ووفقًا لمجلة «Nature» العلمية، يمكن أن يهاجر أكثر من 3 آلاف نوع من الثدييات ومعها الفيروسات على مدار الخمسين عامًا القادمة إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار درجتين مئويتين. ووجد الباحثون أن انتشار الفيروس سيحدث أكثر من 4 آلاف مرة بين الثدييات وحدها، ولم يتضمن الطيور والحيوانات البحرية فى الدراسة، وأكدوا أن انتشار جميع الفيروسات إلى البشر لن يصبح بالضرورة أوبئة بحجم كورونا، لكن العديد منها سيزيد من خطر انتقالها إلى البشر.

 

وقال الأستاذ المساعد فى علم الأحياء بجامعة جورج تاون، كولين كارلسون: نحن لا نتحدث كثيرًا عن المناخ فى سياق الأمراض الحيوانية التى يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر؛ ما لا يقل عن 10 آلاف نوع من الفيروسات لديها القدرة على إصابة البشر، ولكن فى الوقت الحالى، تنتشر الغالبية العظمى بصمت فى الثدييات البرية. ومع ذلك، فإن تغيُّر المناخ واستخدام الأراضى سينتج فرصًا جديدة للمشاركة الفيروسية بين أنواع الحياة البرية التى كانت معزولة جغرافيًا فى السابق. وفى بعض الحالات، سيسهل هذا الانتشار الحيوانى رابطا ميكانيكيا بين التغير البيئى العالمى وظهور المرض. ومن المتوقع أن تظهر فى مناطق ذات كثافة سكانية بشرية عالية فى آسيا وأفريقيا. ما يحذر منه جيتس يبدو كأنه إنقاذ للبشرية وكوكب الأرض بعيدًا عن أهدافه المستترة وراء الغطاء الخيرى، لذا علينا الأخذ بالأسباب والتعلم مما حدث خلال كورونا.