اليوم العالمي للتمريض.. قصص كفاح «أطقم الملائكة» في سنوات العزل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

◄ إحسان: بعد أن كانت الخادم الأمين أصبحت منبوذة
◄ هبة: تعرضت للطرد من المنزل


في اليوم العالمى للتمريض نشر المركز المصري للدراسات الاقتصادية، تقريرا عن الوضع الحالي حول الأزمة في القطاع الصحي في مصر والذي يعد  أكثر القطاعات خطورة؛ حيث يعتبر القطاع المعني مباشرة بمواجهة الأزمات الصحية.

 

ومن المؤكد أن جاهزيته قبل أي أزمة ستنعكس على قدرته على السيطرة واحتواء أي أزمة، ويضاف إلى أهميته أن الحق في الرعاية الصحية يمثل أحد الحقوق الدستورية التي أقرها الدستور المصري الصادر عام 2014.


يلزم الدستور الدولة بنسبة إنفاق على النظام الصحي  ألا تقل عن 3% من إجمالي الناتج القومي، فهو محور رئيسي لتحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.

عدد التمريض
يبلغ عدد مقدمي الخدمة الصحية من أفراد أطقم التمريض لـ3.4 ممرض/ ألف نسمةعالمياً
بينما في مصر بلغ المعدل  لـ2.2 ممرض/ ألف نسمة، بما يعادل 219 ألف عضو من هيئة التمريض على مستوى إجمالي القطاعين الحكومي والخاص وهو ما يشير إلى معاناة القطاع الصحي في مصر من عدم توافر الموارد البشرية الكافية من أعداد التمريض.

 

مقدمو الخدمات الصحية
وأوضح التقرير أن المستشفيات الحكومية تستحوذ على النسبة الأكبر من أعداد التمريض مقارنة بالمستشفيات الخاصة، ويغطي التحليل عدد مقدمي الخدمة وتوزيعهم على القطاعين الحكومي والخاص وكذلك بعض مالمح بيئة العمل.

وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء  أشار لارتفاع نسبة التمريض فى عامى 2018 لـ 2019 مقارنة  بعدد الأطباء في القطاع الحكومى  وصل عددهم 2.15 لـ ممرض/ طبيب، مقابل  القطاع الخاص 0.7 ممرض/ طبيب.


تأتي الغالبية العظمى من هيئات التمريض من خريجي ثانوي التمريض وليس كلية التمريض. وبالتالي هناك ندرة في الكفاءات


وذلك لأن المهارة المرتفعة ترتبط بخريجي كليات التمريض بوابة أخبار اليوم تلقي الضوء معاناة نماذج من أفراد التمريض باعتبارهم الجنود المجهولة في الطاقم الطبى.


وترصد بوابة أخبار اليوم جانب من كفاح أطقم التمريض خلال الجائحة الأكبر خلال المائة العام الأخيرة، إذ كان لها دورا بالغ الأهمية في مواجهة وباء كورونا..


معاناة «إحسان» 
«فتحت الشباك يدخل نسمة هوا، جارتي صوتت وقالتلي إقفلي الشباك هتعدينا» لم تصاب إحسان عبد الجواد بفيروس كورونا، لكنها تعمل ممرضة بمستشفى قها المركزي الي تم تحويله ضمن مستشفيات العزل لاستقبال الفوج الأول من مصابي الكورونا.


لم يكن بحسبان إحسان أن يقع عليها الاختيار ضمن فريق العزل للفوج الأول، فحسب ما تلقته من الإدارة الصحية أنها ضمن الفريق الثاني، لكن لقلة الأعداد تغير الأمر وتم إبلاغها في نفس اليوم الذي انتقلت فيه لمستشفي العزل أنها ستكون في الفريق الأول، همت عبد الجواد مسرعة لأداء واجبها الوطني.

 

اندهش جميع من كانوا في القرية من مغادرتها الطارئة لمنزلها ليلاً ،  ولم تسلم من الإشاعات التي لحقت بها هي وأسرتها ، فتناول البعض رواية أن سيارة الإسعاف جاءت ليلاً لتأخذها لإصابتها بالكورونا ، وهنا أنتشر الخبر في أنحاء القرية وعلى الجميع توخي الحذر ، نشبت المشاحنات بين أهالي القرية وبين أسرة عبد الجواد، لتكتم أهلها على إصابة ابنتهم، فما كان منها إلا لتنشر صور ومقاطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لتؤكد لأهل القرية حينها أنها بمستشفى العزل لعلاج المصابين.

 

منذ 17 عاما تعمل إحسان في مهنة التمريض، وتعمل على خدمة المرضى بدون مقابل في قريتها (عزبة أبو حجر) إحدى قرى مركز طوخ التابع لمحافظة القليوبية شمال مصر، ولكونها الممرضة الوحيدة داخل القرية فتحظي بمكانة كبيرة لدى أهالي البلدة، إلا أنها صُدمت من رد فعل الأهالي، بعدما كانت الخادم الأمين لأهل القرية، أصبحت منبوذة،  بل توعدها البعض بتقديم شكوى في حقها لوزارة الصحة المصرية  وذلك بعد خروجها في اليوم العاشر من العزل المنزلي.

 

« أول ما نزلت الشارع، الناس كانت بتقولي يا كورونا إنتي هتجيبيلنا الوباء في البلد ، وبتعرض لأقبح الألفاظ » مرت إحسان بأزمة نفسية صعبة، بسبب التنمر الذي تعرضت له ، لم تتخيل بشاعة المشهد والنظرات التي ترمقها إذا مرت بأشخاص، والجميع يهرول من أمامها متجنباً إياها، فضلاً عن الشتائم والسباب .

لم ينصفها أحد من أبناء بلدتها وظنت أن رصيدها كبير عند أهل قريتها، التي كانت تسارع لإنقاذ من يطرق بابها في منتصف الليل، وتقدم النصح والإرشادات لهم ، إلا أن أهل القرية تعاملوا معها كأنها تحمل العار للبلدة.

 

وتقول: «محدش نصفني في القرية كلها إلا صاحب المكتبة اللي نزلته عشان أعمل بحث بنتي لنهاية السنة ، وأول ما واحدة شافتني واقفة في المكتبة صوتت وقالت لصاحب المكتبة دي الممرضه اللي كانت في مستشفى العزل ».

 

شعرت إحسان بالغصة في صدرها لم تسطع النطق وتسمرت في مكانها تكاد تفقد وعيها، ولكن سرعان ما بادر صاحب المكتبة بالرد على السيدة، وأخبرها أن خروجها من المستشفى هذا دليل كافي على سلامتها، فهم يخضعون لمسحات تؤكد سلامتهم حال خروجهم من مستشفيات العزل ، بل هي فرد أمن تماما للتعامل معها عن بقية الأفراد التي قد تكون مصابة ولا تعلم ، وقد أزال الرجل الماسك الجراحي «الكمامة» ومد يده للتعامل معها، تصف عبد الجواد المشهد «كأن روحي ردت فيا تاني».

 

تتستنفر عبد الجواد تصرفات أهل القرية التي تسببت لها في أزمة نفسية كبيرة، رغم تماسكها أمام أطفالها حتى لا تنهار، فتختلس بعض اللحظات لتنفرد بنفسها وتجهش في البكاء،  ولم ترى جدوى من التنفيس عن كل هذه الكبت بالبكاء فقررت أن تشارك ما حدث لها من تنمر وأذى عبر صفحتها الشخصية "فيس بوك " وسرعان ما تضامن فريقها الطبي لتقديم كافة الدعم النفسي لها.

اقرأ أيضاً:«‬شهادات‭ ‬الوهم» في معاهد‭ ‬التمريض الخاصة

 

كفر الدوار
لم يختلف الأمر كثيراً مع هبة محمد (اسم مستعار) 29 عاما، ممرضة بمستشفى كفر الدوار العام التابعة لمحافظة البحيرة شمال مصر، فور إنهاء مدتها لعلاج المصابين وخضوعها لعمل مسحة للتأكد من سلامتها، بادرت بتجهيز نفسها للرحيل تأخذ على عاتقها كم المشاحنات التي ستواجها بعد أن رفض أهلها وأهل زوجها استقبالها ، ولكنها فوجئت بصاحب «التاكسي»، يقف في منتصف الطريق طالباً منها مغادرة السيارة فوراً بعدما علم أنها ممرضة بمستشفى العزل، وبعد محاولات منها لطمأنته أنها خضعت للمسحات وظهرت النتيجة سلبية، كما أنها مصدر للأمان عن غيرها من الزبائن التي قد تكون حاملة للفيروس ، نجحت محاولاتها في طمأنة السائق، ولكنه بعد توصيلها طلب الأجرة مضاعفة.

 

منذ 6 سنوات تعمل هبة في مهنة التمريض، تجد في مهنتها كل سبل الحياة، فهي تقدس مهنتها وتعمل بضمير بشهادة زملائها، ورغم أنها أم لأربعة أطفال يكبرهم طفل ذو 11 عاما من أصحاب الهمم ، وتصغرهم رضيعة في عامها الأول، وكان بإمكانها تقديم ما يعفيها من المشاركة في مستشفيات العزل، كما أن مشرفة التمريض كانت على علم بظروفها الصحية وأعفتها من المشاركة إلا أنها أصرت على المشاركة بعد إلحاح منها استمر لثلاثة ساعات ، وظنت أنها ستكون فخر لأهلها وماحدث عكس ذلك.

 

 تعرضت للتنمر ليس فقط أهل بلدتها بل تعرضت لما هو أشد، فلم تتحمل التنمر الذي جاء من أهل زوجها  فتوعدتها أم زوجها بألا تقترب من المنزل "متجيش علي هنا، عشان مش هيحصلك طيب "، أخبرتهم  أنها ستتوجه لمنزل والدها وإذا بها تتلقى مكالمة هاتفية من شقيقتها الكبرى تخبرها آلا تأتي لمنزل والدها فهو مريض بالسرطان ومنهك من جلسات الكيماوي  وهم بغنى عن تعرضه لأي عدوى قد تحملها ، لم تدري أين تذهب.

 

«قررت أروح بيتي، واللي يحصل يحصل، لما اتهان من أهل جوزي أفضل ما اتهان من أهلي »، هكذا تصف هبة حالها.
تتساقط الدموع منها رغم عنها طوال الطريق، تمسك بهاتفها لتري صور أطفالها، تفكر كيف ستواجه أهل زوجها ولا تريد أن يراها أطفالها في هذا الموقف المهين كما تظن، ولكنها استجمعت ماتبقى من قواها لتخبر زوجها بحدة أنها في حماية الأمن الوطني، والمستشفى على علم بكافة التهديدات التي تلقيتها، وها هي في طريقها للمنزل.

 

وتكمل: «الناس مكنتش بتعدي من الشارع اللي فيه البيت، وكان عليا قسط شهري بدفعة رفض صاحبة ياخد مني الفلوس خوفا من العدوى، وعيالي لما كانوا بيروحوا مع عمتهم عند حد كانو بيطردوهم».

فور وصولها للمنزل صرخ كل من يراها مهرولا للابتعاد عنها، وحاولت أن تخبرهم أنها لا تحمل أي عدوى وأكدت المسحة ذلك، ولكنهم لم يتركوا لها الفرصة في الحديث، وتطاولوا عليها بأقبح الشتائم أمام أطفالها.. تتنهد وكأنها تحاول التماسك حتى لا تجهش في البكاء، وبعد لحظات من الصمت تعبر بصوت حزين «أنا كل اللي تاعبني اني اتهنت قدام عيالي، وكأني عاملة حاجة غلط بدل ما يفتخرو بيا ».

 

تلقت أم زوجها خبر إصابة شقيقتها بفيروس الكورونا، وقبل وفاتها بيوم أصرت على رؤية شقيقتها لعلها تكون رؤية الوداع وقد كان، ولكن لم يستطع أحد الاعتراض على مافعلته ، ولم يخشلا أولادها أن تنقل لهم العدوى من خلال شقيقة أمهم، وسرعان ما كشف الموقف عن أن ما حدث معها ليس إلا للتقليل من شأنها ، وإفتعالاً للمشاحنات .