من وراء النافذة

راندة وشيرين .. زلازل منتصف الليل

هالة العيسوى
هالة العيسوى

لم يكد ليل الثلاثاء أن ينتصف، وقد رتبت أفكار مقال اليوم، وشرعت فى كتابة أولى فقراته، حتى زلزلنى الخبر المفاجئ برحيل صديقتى الغالية راندة الزغبى زوجة أستاذى الراحل الدكتور إبراهيم البحراوى أستاذ الإسرائيليات، مؤسس صفحة كيف تفكر إسرائيل بالأخبار. بين شتات الفكر وشلالات الدموع، هجرت سطورى، ذاهلة، ومتأملة الحكمة الإلهية من إخفاء موعد نهاية الأجل، وكيف لهذه النفس المفعمة بالحياة،  المحبة لكل من حولها الملهمة، المشجعة، المساندة، أن تلقى ربها فجأة دون سابق إنذار .  تسليم: لكل أجل كتاب وكل نفس ذائقة الموت.


ولم يكد نهار الأربعاء أن يتجلى بعد سويعات قليلة حتى داهمنى الزلزال الثانى باستشهاد الإعلامية اللامعة شيرين أبو عاقلة أشهر المراسلين العرب فى الأراضى الفلسطينية المحتلة برصاصة آثمة من قوات الاحتلال الإسرائيلى؛ رصاصة مستهدفة واعية تعرف مرماها جيدًا فى الرأس ،تلك الرأس التى سجلت جرائم الاحتلال وفضحت وحشيته.


بين راندة وشيرين قواسم مشتركة قد لا تبدو للعين المجردة، اختارت كل منهما لنضالها من أجل القضية الفلسطينية طريقًا خاصًا، راندة مقسومة نصفين، نصف مصرى لوالدتها ونصف فلسطينى لوالدها، هى رئيس مكتب مصر فى المركز الدولى للمشروعات الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، تراها مقاتلة حتى النخاع لترتيب أفضل ما يمكن لصالح نمو الاقتصاد المصرى وتشجيع المشروعات الصغيرة، وتحقيق أكبر استفادة من الخبرات العالمية لدعم الخبرات المصرية وتدريبها وجذب الاستثمارات لها، فلسطين وقضيتها كانت المغناطيس إلى جذب سهم كيوبيد إلى قلب العاشقين راندة وإبراهيم ،منذ وفاته آلت على نفسها استكمال الرسالة التى بدأها الدكتور إبراهيم بنشر مؤلفاته التى لم تنشر من قبل واستكمال نشر باقى مجلدات ترجمة وثائق لجنة أجرانات، واستكمال إنشاء منتدى الدراسات الإسرائيلية ثم المركز المصرى للدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية الذى دعمته بكل كيانها بإهداء مكتبته الخاصة لتكون عونًا لباحثى المركز، وإهداء الأجهزة التقنية الحديثة عالية الجودة اللازمة لعقد الندوات وتسجيلها، وجمع التبرعات من رجال الأعمال المهتمين بتشجيع العمل البحثى لتمويل المركز، ورعاية شباب الباحثين وتلاميذ الراحل الغالى خاصة فى مجال الإسرائيليات.   


أما شيرين فهى صاحبة الرسائل التليفزيونية الجريئة والمهام المستحيلة بتغطية أحداث الأراضى الفلسطينية المحتلة، كانت وقت استشهادها تغطى، كعادتها، وترصد وتسجل اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلى لمخيم جنين فى الضفة الغربية ،رسائلها المتلفزة كانت عين اليقين التى تشهد العالم على جرائم الصهاينة ضد الفلسطينيين وتسجلها  للتاريخ ،لم يكن الصهاينة يحبون شيرين وكثيرًا ما هاجمتها آلتهم الإعلامية بالاسم، واتهمتها بالكذب والتضليل رغم أن الصور لا تكذب ،للأسف لم تقيها سترة الصحافة التى اعتادت هى وباقى المراسلين ارتداءها خاصة فى أماكن الحروب أو الأماكن الخطرة، لكى يعرَفوا فلا يؤذَوا، على العكس كانت تلك السترة، هى العلامة المميزة لها لتسهيل اصطيادها على يد القتلة.


الشهيدة شيرين، والزهرة الفواحة راندا أيقونتان فى العمل الإعلامى والأهلى .. أرقدا فى سلام فى مقعد صدق عند مليك مقتدر فقد أخلصتما العهد والثواب من رب العالمين والعزاء لكل محبيهما.