كنوز | «البرنس المفلس» أصبح سلطانًا ثم ملكًا لمصر

الأمير أحمد فؤاد مع زوجته الأولى «شويكار»
الأمير أحمد فؤاد مع زوجته الأولى «شويكار»

ولد الأمير أحمد فؤاد الأول ابن الخديو إسماعيل فى 26 مارس 1868، ورحل عن الدنيا ملكاً لمصر فى 28 أبريل 1936، وعندما نحيى ذكرى رحيله الـ 86 لابد أن نكشف لقراء «كنوز» حكايات مثيرة أحاطت بشخصيته كأمير، وهذه الحكايات يرويها لنا الكاتب الكبير مصطفى أمين الذى أطلق عليه لقب «البرنس المفلس»، وما كتبه صلاح عيسى فى كتاب «حكايات من دفتر الوطن»، وكتابات أخرى تناولت حادث نجاته من الموت من ثلاث رصاصات أطلقها عليه شقيق زوجته الأولى الأميرة «شيوكار»!.


المصريون يعرفون الكثيرعن ابنه الملك فاروق الأول ولا يعرفون الكثير عن والده الملك فؤاد، وباختصار هو ابن الأميرة فريال هانم الزوجة الثالثة للخديو إسماعيل الذى ألحقه للدراسة بالمدرسة الخاصة بقصر عابدين، ثم أرسله إلى مدرسة «توديكم» فى جنيف، وأثناء ذلك تم خلع الخديو إسماعيل ونفيه إلى إيطاليا، فذهب الأمير الصغير فؤاد مع والده ليتعلم فى قصر فلورينا الملكى، وقد أشار عليه ملك إيطاليا «البرتو الأول» أن يلحقه بالمدرسة الإعدادية الملكية بمدينة تورينو التى انتقل منها إلى المدرسة الحربية التى تخرج فيها وانضم إلى الجيش الإيطالى لمدة عامين، والتحق بعد ذلك بالبلاط الملكى الإيطالى، ثم عاد مع والده الخديو إسماعيل إلى الآستانة، وعينه السلطان عبد الحميد ياورًا له وانتدب لفترة ملحقًا حربيًا بالسفارة العثمانية فى النمسا، إلى أن استدعاه الخديو عباس الثانى إلى مصر ومنحه رتبة الفريق ثم عينه ياوراً له.


من يقرأ السجل السابق للأمير أحمد فؤاد سيقول على الفور إنه سجل مشرف لأمير ملكى، ولكن الحقيقة لم تكن مشرقة كما جاء فى السطور السابقة، خاصة فى ظل الصورة التى رسمها له صلاح عيسى فى «حكايات من دفتر الوطن» التى يقول فيها «فى عام 1895 كان الأمير أحمد فؤاد فى السابعة والعشرين من عمره، كان معروفاً فى العائلة المالكة بأنه شاب مفلس وسكير كثير الاقتراض، لا ترحب به أندية القمار، لأنه لا يسدد ديون اللعب، ولا يدفع أجرة الحنطور، وقال عنه الأديب يحيى حقى إنه كان بخيلاً وشرهاً للمال بدرجة مرعبة !.


كل هذا أكده الكاتب الكبير مصطفى أمين الذى كتب عنه تحت عنوان «البرنس المفلس» قائلا: «عندما تولى الأمير أحمد فؤاد عرش مصر كان مديناً لكلوب محمد على بثلاثمائة جنيه قيمة طعام وخمور، وكان مديناً للخياط الإيطالى «ديليه» بألف جنيه، ومديناً للبنك الأهلى، وبنك موصيرى، والبنك العثمانى، وبنك الكريدين ليونيو، وكان مديناً للجزار والبقال، ومديناً لطباخه السفرجى إدريس الذى أنعم عليه برتبة البكوية عندما تولى عرش مصر، وكان مديناً بآلاف الجنيهات لمدام مخلع باشا التى عينها وصيفة فى القصرعندما أصبح سلطاناً، وكان مديناً لكثير من أثرياء اليهود بمبالغ كبيرة !.


ويستطرد مصطفى أمين قائلا: «عندما ضاقت الدنيا فى عين الأمير المفلس بدأ البحث عن زوجة تكون فى غاية الثراء، وعثر على ضالته فى الأميرة «شويكار» التى ورثت ثروة كبيرة وعقارات وأطيانا، لم تكن جميلة لكنها كانت الصفقة المناسبة، وافقت الأميرة على الزواج وقبلت تأجيل سداد مهرها «10 آلاف جنيه» لحين ميسرة، ومن اليوم الأول بعد الزواج اكتشفت حقيقة البرنس المفلس الذى تزوجها من أجل اغتصاب ثروتها، وشهد قصر الزعفران فصولاً من مهزلة هذا الزواج، لم يكن البرنس ينفق عليها، بل كان يقتنص منها المال كل يوم ليقضى كل وقته فى لعب القمار وكان يسكر حتى الثمالة، ولم يكن مقامراً شريفاً إذ كان يسرق أوراق اللعب ويخفيها فى حذائه، وعاشت الأميرة شويكار نهارها وليلها فى عذاب، كانت ترى الويل على يدى حماتها التركية طويلة اللسان، وعندما تشكو سوء معاملة أمه كان يصرخ فيها طالباً المال، وإذا اعترضت، يكيل لها السباب والشتائم، وإذا ردت عليه يلتقط الكرباج المعلق على الجدار يضربها بلا رحمة، كما قالت فى شكواها لأسرتها، وشعرت الأميرة أنها «حبيسة فى جهنم»، كانت تهرب الخطابات لشقيقها الأمير سيف الدين وشقيقها الأمير وحيد التى كانت تصف فيها حياة الذل التى تعيشها مع هذا الزوج طالبة إنقاذها منه!.


وذات يوم وبينما كان الأمير أحمد فؤاد بعيداً عن القاهرة، دبت خناقة حامية بين الأميرة وحماتها، فتركت شويكار قصر الزعفران إلى بيت أهلها، وعاد البرنس ليكتشف هروبها، فذهب كالمجنون إلى سراى الجزيرة، وهناك حدثت مشاجرة كبيرة يروى تفاصيلها صلاح عيسى فى كتابه قائلا: «كانت الأميرة قد روت لشقيقها البرنس سيف الدين معاناتها مع زوجها المقامر السكير وحماتها سليطة اللسان، وتأزم الموقف عندما حضر الأمير أحمد فؤاد فتنحى البرنس سيف الدين جانباً فى صالون مجاور، وبنفس العجرفة التركية أخذ يصرخ أحمد فؤاد فى زوجته التى قالت له: «أنا لست جاريتك وسأعيش هنا وسط أخواتى ليحمونى منك»، جن جنونه وجذبها من يدها بعنف فأسرع شقيقها الأمير سيف الدين لإنقاذها بتوجيه لكمة قوية للبرنس أحمد فؤاد الذى رد له الصاع صاعين لأنه كان يتمتع ببنيان جسدى أقوى، وهرب الأمير سيف الدين من المكان، وأعاد البرنس أحمد فؤاد زوجته الأميرة شويكار إلى قصر الزعفران بالقوة، وفرض عليها أن تكتب له توكيلاً رسمياً لإدارة أملاكها، بعد أن هددها بالموت، ولم تنته المهزلة عند هذا الحد، إذ فى القصة حلقات مسلسلة أطلق خلالها الأمير سيف الدين ثلاث رصاصات على الأمير أحمد فؤاد فى كلوب محمد على، وتم إلقاء القبض عليه وتسليمه لقسم عابدين، وأحيل بعد ذلك للمحاكمة التى حكمت عليه بسبع سنوات سجنا، وعندما اعتلى فؤاد عرش السلطنة فى مصرعقب وفاة أخيه السلطان حسين كامل عام 1917 بأمر من سلطات الإحتلال البريطانى، لم تنته قصة الأمير سيف الدين بعد الحكم بالسجن عليه، وكانت هناك مؤامرة بإيداعه مصحة عقلية بلندن ووضعت ثروته الطائلة تحت وصاية لجنة من القصر الذى تربع الملك أحمد فؤاد على عرشه، وشرح تفاصيل تلك المؤامرة يطول وسوف نرويه لقراء «كنوز» فى موضوع مستقل.
جاء الإنجليز بالأمير أحمد فؤاد سلطاناً على مصر 1917، وعندما أعلنت بريطانيا تصريح 28 فبراير سنة 1922 باستقلال مصر، أصدر السلطان أمراً بتغيير لقبه إلى ملك، وأصبح يعرف بملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور، وسعى لدى بريطانيا لتعديل نظام وراثة الحكم لينحصر فى ذريته بدلاً من أكبر أبناء الأسرة، فكان له ما أراد وأخطرته بريطانيا فى 15 أبريل سنة 1922 بموافقتها على أن تكون وراثة العرش لفاروق ونسله من بعده، فأصدر الملك فؤاد أمراً ملكياً فى 13 أبريل سنة 1922 بنظام وراثة العرش، وأصبح اللقب الرسمى لفاروق «هو» حضرة صاحب السمو الملكى الأمير فاروق، كما لقب أيضا بلقب «أمير الصعيد»، ولن نستطرد كثيراً فى الطريقة التى حكم بها الملك فؤاد مصر، أو نتحدث عن إنجازاته فى فترة حكمه، إنما نود أن نشير إلى أنه أنجب من زوجته الأولى الأميرة شويكار الأمير إسماعيل الذى لم يعش طويلاً، والأميرة فوقية، وأنجب من زوجته الثانية «نازلى» الأمير فاروق وشقيقاته «فوزية وفايزة وفايقة وفتحية»، وقد توفى فى قصر القبة 28 أبريل 1936 ودفن بمسجد الرفاعى، وخلفه على العرش ابنه الملك فاروق الأول.


من «عدة مصادر» اقرأ أيضاً|كنوز الأميرة: المرأة أقدر من الرجل على الصيام!