بديل المواقد الكهربائية.. «البومردم» فرن الماضي يعود للاستخدام في ليبيا

البومردم
البومردم

خرجت الأفران الأرضية المدفونة أو ما يعرف في ليبيا باسم "البومردم"، من غياهب الذاكرة الشعبية إلى الاستخدام من جديد في الحياة اليومية، على الرغم من التدفق الهائل للمواقد الكهربائية الحديثة والتطور التكنولوجي في صناعتها، حتى تعددت أشكالها ومجالات استخدامها.

وتستخدم في صناعة الخبز اليدوي التقليدي الذي تكاد لا تخلو منه موائد الطعام الليبية، وتزدهر تجارته في الطرقات والمحال التجارية والأسواق الشعبية، وذلك حسب ما ذكرته صحيفة "اندبندنت عربية".

اقرأ ايضا:70 عاما على العرش.. الملكة إليزابيث ثالث أطول ملك يحكم في العالم

تبدأ الاستخدامات الأخرى للأفران الأرضية في الشواء وطهي الوجبات الخاصة في المزارع والرحلات للتلذذ بنكهتها المميزة، التي تعتمد على ضغط البخار لإنضاج ما يوضع في البومردم ليستوي على نار هادئة.

وبسبب زيادة الإقبال على صنع الفرن التقليدي المدفون في أغلب مناطق ليبيا، ازدهرت مصانع خاصة وصناع متخصصون في تجهيز "البومردم" الذي لا يستهلك مواد كثيرة أو باهظة الثمن.

ويقول إيهاب الوداوي، وهو حداد تخصص ضمن عمله في إعداد البومردم خلال السنوات الماضية، إن "صناعة الفرن المدفون، تبدأ بتجهيز حفرة بارتفاع متر ونصف المتر تقريباً على ارتفاع برميل الماء الحديدي العادي، ويفضل أن يتم الحفر في أرض طينية، لما للطين من خصائص معروفة في حفظ الحرارة".

وأضاف: "بعد تجهيز الحفرة يتم إنزال البرميل الحديدي فيها، ثم يفتح خرطوم الماء في جوانبه حتى لا تبقى فراغات هوائية فيها، ثم يتم ضغط الطين بالكامل في الفراغات الجانبية وتقفل الجوانب بأسمنت حراري خاص".

ويتابع، "تنتهي مرحلة إعداد الفرن بوضع الحجر الحراري الأحمر بشكل دائري على فتحة البرميل، قبل أن يجهز الغطاء الذي يقص من البرميل أيضاً، بتجهيز يد خاصة له، والحرص على توسعته قليلاً حتى يقفل بالضغط، لعدم السماح بتسريب الحرارة التي يعتمد على حفظها بالداخل خلال عملية الطهي في البومردم بشكل كامل".

ويقول ناصر الوداوي، شقيق إيهاب ومساعده في صناعة الفرن الأرضي المدفون، إن "البومردم يستخدم لطهي الطعام وأيضاً لتجهيز خبز التنور المشهور في ليبيا، مع اختلاف يسير في طريقتي الطهي".

وأوضح أن "تجهيز الوجبات في البومردم يعتمد على الطهي بالبخار، عن طريق إشعال نار في كمية مناسبة من الحطب حتى تتحول إلى جمر، قبل إقفال الغطاء عليه بالضغط وسد كل الفراغات في الغطاء بالطين ووضع جزء من الجمر عليه، لضمان نضوج متوازن للوجبة من الأعلى والأسفل".

ويشير ناصر إلى اختلاف بسيط في طريقة طهي خبز التنور، "ففي تجهيز الخبز يشعل الحطب حتى يتحول إلى جمر أيضاً، ثم يلصق العجين الذي يجهز على شكل أرغفة دائرية حجمها أكبر قليلاً من الخبز العادي، ثم تلصق على جانبي الفرن من دون إقفال الغطاء، مع إضافة الحطب بشكل مستمر حتى ينضج الخبز".

وتحولت صناعة خبز التنور، في سنوات العوز الأخيرة بليبيا، إلى مصدر رزق لكثير من العائلات الفقيرة، خصوصاً في شهر رمضان، حيث ينتشر باعة هذا النوع من الخبز على الطرقات وفي الأسواق بشكل واضح.

في مدينة بنغازي مثلاً، تحولت مخيمات المهجرين من مدينة تاورغاء إلى مركز معروف لبيع خبز التنور، حيث تخصصت عجائز المخيم في صنعه بطريقة شهية، جعلت سكان المدينة يصطفون في طوابير للحصول عليه، على الرغم من غلاء ثمنه مقارنة بالخبز العادي.

يستخدم أبوبكر الفزاني، صاحب إحدى المزارع، البومردم باستمرار لتجهيز الطعام والخبز، ويعدد الميزات الخاصة بطريقة الطهي في هذا الفرن التقليدي، حيث يقول إن "الطريقة التي يطهى بها الخبز والوجبات في الفرن المدفون تعطيها ميزات كثيرة من الناحية الصحية ومن جهة الطعم، حيث يصنع الخبز من دون إضافة محسنات أو منكهات، مع تميزه بنكهة الحطب والفحم الخاصة، والتي يفتقد إليها الخبز المجهز في الأفران الكهربائية".

وأشار الفزاني إلى أن "الطعام المجهز في الفرن التقليدي له مزايا خاصة غير الطعم الشهي، بسبب نضوجه على نار هادئة وبحرارة متوازنة فهو في العادة يجهز من اللحم والخضروات فقط، من دون استخدام الزيوت الصناعية بأضرارها المعروفة".

ويُعد "المكمور" وجبة مشوية في البومردم من لحم الدجاج أو الضأن، أشهر الوجبات الليبية التي تعتمد على الطهي في الفرن المدفون.

وتجهز الوجبة بوضع اللحم في خلطة خاصة من البهارات مكونة من الثوم والزعتر والفلفل الأسود والملح والكزبراء، وقليل من الخل أو الليم، ويترك اللحم في هذه الخلطة لساعة كاملة، ويضاف إليه بعد ذلك بعض الخضروات مثل شرائح البطاطس والطماطم والفلفل الأخضر، ثم توضع في الفرن وتضغط بشكل كامل يمنع تسرب الحرارة لساعة ونصف تقريباً، حتى ينضج اللحم بشكل يجعله طرياً بشكل ملحوظ، يميزه عن اللحم المجهز في الأفران الكهربائية.