قضية ورأى

الإرهاب وجريمة سيناء: الخطر المزمن

سالم الكتبى
سالم الكتبى

بقلم : د. سالم الكتبى

تثبت عناصر الإرهاب بين الفينة والأخرى أنها تمثل التحدى المزمن للدول فى منطقتنا والعالم، وآخر تلك البراهين هو الجريمة الإرهابية الآثمة التى راح ضحيتها 11 جندياً مصرياً إثر تصديهم لهجوم شنته عناصر إرهابية على إحدى محطات رفع المياه فى محافظة شمال سيناء.
ورغم أن هذا الهجوم الإجرامى قد وقع عقب فترة من الهدوء الذى شهدته هذه المنطقة الحدودية خلال العامين الماضيين بعد نجاح القوات المسلحة المصرية فى استئصال بؤر الإرهاب فى شمال سيناء، حيث كانت عناصر تنظيم «داعش» الإرهابى تتمركز.


هذا الهجوم الإرهابى الآثم لا ينفصل عن أنشطة إجرامية أخرى تشهدها مناطق متفرقة من الشرق الأوسط والقارة الافريقية، حيث تركز تنظيمات الإرهاب أنشطتها فى الآونة الأخيرة، وتمثل تحدياً قديماً / جديداً يضاف للتحديات التنموية الهائلة التى تواجه الدولة المصرية، التى تعد أحد أكبر الاقتصادات الإقليمية المتأثرة بتداعيات الأزمة الأوكرانية.
ورغم الثقة فى قدرة مصر على التصدى للتهديد الإرهابي، فإن الحقيقة أن أكثر ما يقلق فى الهجوم الإرهابى الأخير فى سيناء هو أنه يعكس إصرار الجماعات الإرهابية على محاولة تشتيت انتباه الدولة وإشغالها بمثل هذه الهجمات اليائسة التى تعكس عدم قدرة عناصر الإرهاب على مواصلة الهجمات ضد الجيش المصرى وتحوله إلى سيناريو إجرامى آخر يتمثل فى محاولة استهداف منشآت البنى التحتية فى تعبير عن فكر يائس يسعى لإحداث البلبلة ومحاولة إثبات الوجود بأى طريقة من الطرق.
هذا الاعتداء الإرهابى الجبان يؤكد أيضاً أن الإرهاب بكل أطيافه لن ينتهى  فكراً وممارسة ـ بالسهولة التى يتخيلها البعض، والسبب لا يكمن فى قوته ولا تجذره او انتشاره، بل يكمن فى دينامية هذه الأيديولوجية السرطانية الذى تتسم بالعمل وفق دورات عمل زمانية ومكانية تراوح بين مد وجزر، حيث يناور ويختبئ لكنه يتحين الفرصة للعودة مجدداً كلما لاحت له الفرصة ليس من تهاون أمنى ولا تراجع فى أولوية مواجهته ضمن أجندة عمل المؤسسات العسكرية، ولكن بحكم توالى الأجيال التى ينتقل إليها هذا الفكر المريض عبر قنوات وأدوات مختلفة، ناهيك عن وجود بذور لهذا الفكر تعيش وسط المجتمعات فى إطار ما يسمى بالخلايا النائمة، التى تقوم بدور ناقل الفكر وغرسه لدى الأجيال الجديدة، بصورة أكثر شراسة وعنفاً وميلاً لسفك الدماء.
تنظيمات الإرهاب وعناصره تتبنى استراتيجيات وتكتيكات متغيرة، وتعد السيطرة على أنشطتها واستعادة الهدوء فى شمال ووسط سيناء طيلة العامين الماضيين، دليلاً قوياً على نجاح وفاعلية جهود مواجهة هذه التنظيمات، ولكن قدر مصر وشعبها أن تبقى فى رباط إلى يوم القيامة، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأن تظل على خط المواجهة الأمامى مع كل ما يهدد الأمن والاستقرار فى منطقتنا والعالم، وأن يواجه أبناء جيشها الباسل هذه المخططات التدميرية بكل شجاعة وتضحية فى سبيل حماية مقدرات الشعب المصرى والحفاظ على مكتسباته.
ولا شك أن مهمة التصدى لخطر الإرهاب المزمن سواء فى سيناء أو فى ليبيا أو غيرهما، وكذلك تنظيمات الإرهاب الممنهج فى اليمن ولبنان والعراق وسوريا والأراضى الفلسطينية، تحتاج إلى تكاتف جميع دول المنطقة وتعاونها، لأن هذا الخطر لا يفرق بين دولة وأخرى أو شعب وآخر، بل يطال الجميع، كما أن مهمة التصدى له تفوق قدرة أى دولة على العمل بمفردها مهما بلغت إمكانياتها وقدراتها وقوتها الشاملة، لأن الأمر لا يرتبط بالقوة فقط بل يرتبط بجوانب أخرى حيوية مثل التعاون المعلوماتى وتبادل الخبرات وتوحد جهود المحاصرة والمواجهة كى تحقق الأهداف المرجوة منها.


وإذا كان العالم قد انشغل فى العامين الأخيرين بأزمة تفشى وباء «كورونا» ومن بعد الحرب الروسية فى أوكرانيا، بكل ما تداعياتها لاسيما على الصعيدين الاقتصادى والسياسي، فإن من الضرورى ألا يتسبب ذلك فى تراجع أولوية مكافحة الإرهاب ضمن أجندة التعاون الدولي، فالخطر الإرهابى لم ينته سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو غيرها، وانحسار التركيز الإقليمى والدولى على الإرهاب سيكون خطأ كبيراً وخسارة فادحة تضاف إلى الخسائر الكبيرة التى تكبدتها البشرية، ولا تزال، خلال العامين الأخيرين لأسباب مختلفة.
جريمة مقتل الجنود المصريين فى سيناء مؤخراً هى جرس إنذار ينبه الجميع فى منطقتنا والعالم إلى استمرار هذا التهديد والخطر المزمن، ومصر التى تخوض الحرب ضد الإرهاب لا تقف بمفردها، فدولة الإمارات التى تعد أكثر العرب الداعمين لأمن واستقرار الدولة المصرية، تقف بقوة داعمة لأمن الشقيقة الكبرى مصر انطلاقاً من قناعة متجذرة رسخها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتمضى عليها قيادتنا الرشيدة، بأن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ، وأن أمن مصر وبقية الدولة العربية من أمن الإمارات واستقرارها .