«جزيرة غمام».. الإبداع في خدمة الرسالة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

وسط الزحام تتابع تفاصيل كل ما حولك وفجأة يستوقفك ما يلفت نظرك ويجذب انتباهك وتشعر معه بأنك تسير معه فى الفراغ فتتوحد مشاعرك معه وتذوب داخله هذه هى الحالة التى انتابتنى على مدار ليالى رمضان مع كتيبة من المبدعين  ينصبون لوجدانك كمينًا تذهب إليه لتسلم نفسك طواعية بمجرد أن ينطلق صوت على الحجار من أعماق التراث ليعلن..» حط الغمام على الجزيرة.. غير هواها وطباعها.. إلى آخر هذه الكلمات التى أعادت الارتباط الوثيق بين تتر المسلسلات ومضمونها فتتأكد أن الشّاعر إبراهيم عبد الفتاح لم يبدأ كتابة حروف أنشودته إلا بعد تفحص كل أركان الجزيرة وناسها وهمومها ،،وأنه اقتحم سراديب عقل المؤلف عبد الرحيم كمال وشاهد معه شخوصه فى لحم ودم ..فكانت النتيجة تترًا رائعًا أعاد إلى الاذهان تترات الأعمال الخالدة التى لا تخطؤها الأذان يحلق بك للماضى فيمهد لك دخول جزيرة غمام وحسنا كان الحرص على أن يكون ملحن أغنية التتر هو نفسه واضع الموسيقى التصويرية المتميز شادى مؤنس فجاء اللحن من نفس نسيج الموسيقى التصويرية .  

أول ما يلفت انتباهك فى رحلتك داخل»جزيرة غمام»هو منشؤها المتمكن من أدواته المبدع عبد الرحيم كمال .. الذى يثبت عاما بعد عام بأنه من فصيلة كبار مؤلفى الدراما العربية .. قادر على اختراق عقلك عن طريق قلبك فينفذ إليك بأفكاره بعدما ينجح فى توظيف الإبداع والحبكة الدرامية لايصال رسالته دون أن تشعر بأنه قد وجهك أو فرض عليك شيئا أنه المتصوف الذى رطب على قلوبنا خلال ليالى الشهر الكريم .. وإذا كانت معظم أعمال عبد الرحيم كمال لا تخلو من هذه اللمسات الصوفية فلم يغب عن أبطال مسلسلاته هالة المزج بين الواقع والخيال كما بدّى فى مسلسلات «الرحايا»و»الخواجة عبد القادر»إلا أنه هذه المرة قد تجلى ظهورها مع عرفات ورفاقه في»جزيرة غمام» فنجح فى رسم ملامح شخوصه بحرفية وقدرة مدهشة على تطويع خياله لخدمة الواقع فصنع واقعا من حكاية بين الحقيقة والأسطورة  ..

إن زوبعة عبد الرحيم كمال لم تكن فقط كزوبعة الرياح والأمطار والغمامة التى تفتك بالجميع والتى جسدها بتميز بالغ المخرج حسين المنباوى فى «جزيرة غمام» بل كانت الزوبعة التى اقتحمت وجداننا وعقولنا لتدفعنا إلى التركيز والاستمتاع وإيقاظ العقل لما يحمله المسلسل من رسائل عديدة برمزية بسيطة تصل للجميع بين التحذير من انقسام الوطن أو خطورة المتاجرة بالدِّين أو استسلام الانسان أمام ضعف رغباته حتى يصبح عبدا للشيطان وغيرها الكثير من الرسائل التى يتلقاها ويهضمها كل متلقى طبقا لرصيده الشخصى.

الخلاصة أن عبد الرحيم كمال يستحق التهنئة على تأكيده على مكانة المؤلف وإعادتنا لزمن تباع فيه المسلسلات باسم كاتبه قبل نجوم التمثيل والإخراج .

إقرأ أيضاً | حوار | طارق لطفى: وقعت فى غرام «اللهجة الصعيدية»

المخرج حسين المنباوى .. اختيار رائع للممثلين كالمدير الفنى القادر على استخراج أفضل ما فى لاعبيه وتوظيفهم خارج الصندوق ،،اهتمام بكل الشخصيات كأبطال مهما كانت مساحة الدور .. كما تميزت فى اختيار باقى فريق العمل فرسمت عناصرالتصوير والاضاءة والديكور والموسيقى والمونتاج لوحة متناغمة ظهر كل شيء فيها جميل  حتى الفقر .

طارق لطفى .. «خالدون» الذى استعاذ منه المشاهدون ..تصنيفك دون العالمية ظلم لمعايير تقييم الممثل أصبحت شيطان تمثيل وساحرًا يتجول بين أصعب الشخصيات وكأنك لم تبذل جهدًا ،،مع كل عام يظن من يشاهدك أنك بلغت سقف الإبداع لتفاجئه بأنه مازال هناك ما هو أعلى ارتفاعا .
أحمد أمين .. أعتقد أنك أكبر الفائزين بين أهالى جزيرة غمام تسللت بسهولة إلى وجدان المشاهدين متجاوزا صدمة الاستغراب بمجازفة اختيارك فى هذه الشخصية البعيدة تماما عن الطابع الكوميدى لمعظم أدوارك السابقة باستثناء «ما وراء الطبيعة» أداء سلسل وهضم لكل تفاصيل الشخصية منحتك الألفة والمحبة والتعاطف وبنظرة بسيطة على تنقلات وتحولات مسيرتك لن أتعجب مستقبلا إذا تحولت إلى نجم استعراضى يقدم الفوازير بتمكن.  

مى عز الدين .. تاريخك الفنى سيصنف مستقبلا بما قبل «جزيرة غمام» وما بعدها بعدما نجحتى مع شخصية مركبة حائرة دائماً بين فطرتها الخيرة وتربيتها الشريرة لتنقلى حالة الحيرة إلى المشاهد فظل دائماً بين التعاطف معك كـ«نواره والكراهية للعايقة».  

رياض الخولى.. درس فى القبض على تلابيب الشخصية بكل جوارحها حتى أصبحت أحتاج لجهد ذهنى لأتذكر أنك ممثل بدرجة قدير اسمه رياض الخولى وليس «العجمى كبير الجزيرة .

فتحى عبد الوهاب.. الشيخ محارب شخصية مركبة تحمل الكثير من المتناقضات والتحولات فكان لابد لها من الملبوس بجن التمثيل فتحى عبد الوهاب الذى لا يمكن معه أن نعثر على الخط الفاصل بين الحقيقة والتمثيل .

وفاء عامر.. «هلاله»ظهور قليل المساحة كبير التأثير .. حقًا ليس هناك دور كبير وآخر صغير بل هناك ممثلة كبيرة وممثلة صغيرة وقد كنت كبيرة إلى حد السيطرة على الشاشة فى أوقات ظهورك ولو بدون حوار.

محمود البزاوى..  كنت ومازلت سيناريست جيدًا ولكنك تتقدم كممثل لتخترق الصفوف الأولى مع كل عمل يضيف خبرة إلى الممثل داخلك .

عايدة فهمى .. «مليحة»وجود مدهش خطف الأضواء وعكس خبرات مسرحية فلا يمكن أن نتخيل من يجسد «مليحة»غيرك فكم كنت «مليحة»الأداء .  

وأخيرا وجبت الإشادة بالفنانين عبد العزيز مخيون .. لبنى ونس .. محمد جمعة .. ضياء عبد الخالق.. وميار الغيطى .. وشكرا لكل فريق المسلسل على هذه المتعة ودفء شعاع الضوء الدرامى الذى يبدد ظلام العقول «وقت ما تعمى البصاير ، ما حيلتنا غير البصيرة».