"عايزه اشوف ابني".. الطلب الأخير لقاتلة ملك قبل إعدامها

المتهمون
المتهمون

كتبت: حبيبة جمال 

الصمت يعم أرجاء قاعة محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، على المنصة يجلس ثلاثة قضاة تبدو على ملامحهم علامات الهيبة والصرامة، وفي قفص الاتهام تقف زمزم، فتاة في منتصف الثلاثينيات من العمر، بجوارها شقيقها وزوج والدتهما، تبدو نظراتهم تائهة حائرة، ينتظرون الحكم عليهم لما اقترفوه من جريمة بشعة، وأثناء تفكير كل منهم في تفاصيل الجريمة، قطع حبل أفكارهم صوت القاضي معلنًا الحكم؛ «حكمت المحكمة حضوريًا وبإجماع الآراء بإعدام المتهمين الثلاثة شنقًا»، هنا لم تتمالك زمزم أعصابها، شعرت بأن الدم يكاد ينفجر من عروقها خوفا ورعبًا.. ظلت تصرخ بأعلى صوتها؛»عايزه أشوف ابني..عايزه أخده في حضني قبل ما تعدموني..ده آخر طلب ليا في الدنيا.. سامحني يا ابني»، هذا كان هو المشهد الأخير في تلك الجريمة القاسية التي تسرد تفاصيل مقتل طفلة لا يتعدى عمرها الـ 15 عاما والسبب براءتها ونيتها الحسنة.. تلك القضية التي عاشت «أخبار الحوادث» تفاصيلها من البداية وحتى القصاص العادل.. وإلى التفاصيل. 

 

بداية الواقعة تعود إلى منتصف شهر أكتوبر من عام ٢٠٢٠م، عندما عثر عامل على جثة فتاة ملفوفة داخل سجادة وملقاة بجانب الطريق في محيط حي القطامية، على الفور تم إبلاغ الشرطة، وبالمعاينة الأولية تبين وجود آثار تعذيب في أنحاء متفرقة من جسمها وحروق بالقدمين بالإضافة لقص شعرها، تشكل فريق بحث لكشف لغز الواقعة، فكانت المهمة صعبة لعدم معرفة هوية الضحية، فتم نشر صورها على أمل أن يتعرف عليها أحد، حتى توصلت تحريات المباحث أن الجثة لطفلة تدعى ملك، تبلغ من العمر ١٥ عاما،بدأت تزداد المهمة سهولة بعد معرفة اسم المجني عليها، وبدأ فريق البحث يعمل على كشف القاتل وسبب الجريمة، وكانت المفاجأة الصادمة أن وراء ارتكاب الواقعة خالتها وأولادها الاثنين وزوج خالتها، ولكن قبل أن نعرف لماذا قتلوا هذا الملاك البريء بهذه الطريقة الوحشة.. نسأل اولا من تكون ملك؟!

 

ملك طارق، هو اسم بطلة قصتنا، كانت تعيش رفقة والدتها وشقيقيها، في بيت كبير بمنطقة بولاق الدكرور، انفصلت امها عن والدها منذ أن كان عمرها عاما، رفضت والدتها الزواج مرة أخرى وعاشت من أجل تربية أولادها فقط، كانت لهم بمثابة الأب والأم، تعمل ما بوسعها حتى تعوضهم غياب الأب، كانت تأمل لهم بمستقبل أفضل، ولظروف خارجة عن إرادتها سافرت الأم، تاركة الأبناء الثلاثة، وقتها كانت ملك تبلغ من العمر ثمانية أعوام، حتى قررت خالتها أن تأخذها لتعيش معها دون أن تخبر أحدًا بأنها معها، وظل شقيقاها يبحثان عنها في كل مكان، حتى عرفا أنها مع خالتهما، ونظرًا لأنها كانت تغير سكنها كل فترة، لم يتمكنا من العثور عليها وضمها لحضنهما مرة أخرى، وبدلًا من أن تراها خالتها وتعوضها حنان الأب والأم عذبتها حتى الموت.. تفاصيل مأساوية تدمي لها القلوب.

 

سلخانة تعذيب

عاشت ملك مع خالتها، ولكن بدلا من أن تعيش في بيت يمتلئ بالدفء والحنان، عاشت الطفلة وكأنها في سجن، كل يوم تتعرض للضرب والإهانة، تصبر نفسها بأنه سيأتي اليوم الذي ستعود فيه والدتها وتأخذها بين أحضانها، كل يوم تحلم بذلك الأمل، لكنها استيقظت على كابوس مفزع، عندما قررت ترك البيت بعدما عرفت أن خالتها تتاجر في المخدرات، هددتها الطفلة أنها ستبلغ عنها، لم تكن الملاك البريء تعلم أن كلامها وتهديدها سيكون سببًا في نصب محكمة لها، وستعاقب بأشد عقوبة على يد شياطين الإنس.

 

 تحول البيت لسلخانة تعذيب، تركوا ملك في شرفة البيت مقيدة السلاسل الحديدية، تواجه البرد وحدها قاصدين قتلها فيبدو الأمر وأن الوفاة طبيعية، بل كل يوم يتم تعذيبها وحرقها وصعقها بالكهرباء، أسبوع كامل والطفلة تتعرض لأبشع أنواع التعذيب على يد خالتها وأولادها، دون أن تردعهم توسلاتها وصراخها، كانت قلوبهم قاسية أقسى من الحجارة، فلم يتحمل جسدها النحيف أكثر من ذلك ولقيت الطفلة مصرعها، جلست الخالة وزوجها وأولادها يفكرون كيف يخفون معالم جريمتهم، وبكل قسوة وجحود لفوا الجثة في بطانية، وحملوها إلى منطقة فيصل وألقوا بها في طريق جبلي بالقطامية، وعادوا للبيت وكأنهم لم يقترفوا أي جرم، بدأوا يمارسون حياتهم الطبيعية بعدما ظنوا أنهم أفلتوا من العقاب، لكنهم استيقظوا من أحلامهم ورجال المباحث يدقون بابهم للقبض عليهم، وداخل قسم الشرطة لم يصمدوا طويلا واعترفوا بارتكابهم الواقعة والسبب أن ملك هددتهم أنها ستبلغ عنهم بسبب تجارتهم للمخدرات، فكان العقاب حبسها دون طعام أو شراب وتعذيبها بالحرق والكهرباء حتى الموت، فتم حبسهم، لكن بعد عدة أيام توفيت خالة الضحية داخل القسم نتيجة هبوط في الدورة الدموية، بينما انتقل باقي المتهمين للسجن ينتظرون مصيرهم وحصد ما فعلوه. 

 

رؤيا

كل هذا حدث ووالدة ملك لم تعرف أن ابنتها ماتت، وكانت تحلم باليوم الذي ستعود فيه وتأخذ طفلتها بين أحضانها، لكن عندما عادت كانت الصدمة أن ابنتها ماتت بأبشع طريقة وعلى يد من؟!، إنها شقيقتها، ليصبح الوجع اثنين، ولكن فاقت الأم من الصدمة وبدأت تبحث عن حق ابنتها، حتى جاء القصاص العادل الذي أثلج قلبها، عندما أصدرت المحكمة حكمًا بالإعدام شنقا، لتنهار المتهمة وتطلب رؤية ابنها قبل أن تقف على طبلية عشماوي. 

 

تواصلنا مع والدة ملك لتحكي لنا رد فعلها بعدما سمعت بالحكم، وبنبرة صوت اختلطت فيه علامات الرضا والحزن في الوقت ذاته، الرضا على القصاص العادل الذي يستحقه المتهمون، والحزن لأنها لم تنس يومًا ابنتها ضحية خالتها وأولادها، قالت: «بمجرد سماعي الحكم، سيطرت علي مشاعر الرضا، هي فرحة لكنها فرحة ممزوجة بالحزن، سعيدة أن حق ابنتي عاد، وفي نفس الوقت حزينة لأن ابنتي لم تعد موجودة بيننا، لكني سجدت لله أشكره أنه رد لي حق ابنتي التي قتلوها بلا ذنب، كنت على ثقة طول الوقت أن القضاء العادل سيقتص لي، وقد تطوع المحامي مصطفى مجدي لمتابعة القضية منذ البداية وحتى النطق بالحكم.

 

أضافت، في كل مرة كانت ملك تأتيني في الحلم وهي صامتة لا تتكلم، لكن تلك المرة كان الحلم مختلفا، قبل جلسة الحكم بيومين، شعرت بانقباضة في قلبي، فجأة بدون أي مقدمات تملكتني مشاعر الحزن، قمت اصلي الفجر ثم ذهبت للنوم، ووجدت ملك تزورني هي وأمي، أخبرتهما بحزني الشديد، فاقتربت مني والدتي وقرأت لي القرآن ثم أعطتني «توكة»وأخبرتني أن ملك هي التي اشترتها لي وكانت فرحانة وفي غاية السعادة وأبلغتني ألا اخلعها من رأسي، بعدها استيقظت من نومي وأنا سعيدة، وعندما فسر لي الناس هذه الرؤيا أخبروني أن هناك خبرًا سعيدًا سيأتي لي وبالفعل جاءت جلسة الحكم وتم الحكم عليهم بالإعدام ليرتاح قلبي».