أسرار أعمال ترميم مسجد أبوالحجاج.. واكتشاف جزء مفقود من معبد الأقصر 

مسجد ابوالحجاج الأقصري
مسجد ابوالحجاج الأقصري

كشف خبير الآثار منصور بريك عن أسرار  أعمال ترميم مسجد أبوالحجاج الأقصري واكتشاف الجزء المفقود من معبد الأقصر .

اقرأ أيضًا: عيون «إليزابيث تايلور» البنفسجية أجمل من «زبيدة ثروت»

وقال منصور بريك "أنه فى احدى ليالى  ايام  شهر يونيو  ٢٠٠٧م تلقيت  اتصالا  هاتفيا  بأنه يوجد  حريق  ضخم  فى مسجد  ابو الحجاج  الاقصري المشيد  فوق كنيسة تقع فى الركن الشمالى الشرقى  من  الفناء المكشوف الاول  من معبد  الأقصر وانتقلت  مسرعا  للمعبد  مع الزميل سلطان عيد مدير عام  معبد الاقصر  فى ذلك الوقت  لمتابعة  عملية الإطفاء  خوفا من انهيار المسجد  فوق البرج الشرقى  من الصرح الأول والذى كان تحت الترميم فى ذلك الوقت"...  وفى الصباح  توجهت الى المسجد  مع لجنة كبيرة  من محافظة الأقصر  واتضح ان النيران  اتت على كل شيء  داخل المسجد  وعلى السقف الخشبي  وكذلك على  المقام.

 

وانتهت  اللجنة  الى ان قبة  المقام  لابد من إزالتها  لانها اصبحت فى حالة خطرة. والجزء  الوحيد  فى المسجد  والذي كان مسجلا  كأثر  فى قطاع الاثار الإسلامية  هى المأذنة  الفاطمية  والمشيدة من الطوب اللبن  والتى تعتبر  من أهم  المعالم  الأثرية.  وكنت دائما  احلم  بان أكشف النقوش  الموجودة داخل  مسجد  ابو الحجاج وقلت   فى نفسي... رب ضارة  نافعة..  فربما ان هذا الحريق  سيكون  السبب  فى ان استطيع  اكتشاف  هذا الجزء  من معبد  الأقصر .وفى المساء  بعد الحريق بيومين  طلبنى  الدكتور سمير  فرج محافظ  الأقصر لاجتماع  فى مكتبه وكان فى هذا الاجتماع  مندوبين  من الأوقاف  ومن العائلة  الحجاجيه  وبعض الزملاء  من الاثار  الإسلامية وتم عرض  تقرير اللجنة  الهندسيه  التى قامت بمعاينة  المسجد .وهنا طلبت  من الحضور ان يسمحوا  لنا باظهار  النقوش والاعمدة  داخل المسجد  على ان يتولى المجلس الأعلى للاثار مسؤولية  ترميم المسجد ووافق  الحضور  خاصة  وكان من بينهم  الأستاذ  يوسف  ابوالحجاج رحمة الله عليه وكان يعمل مديرا للشؤون  القانونية معى  فى  آثار  الاقصر وهو من  العائلة  الحجاجية. و طلبت  من  الدكتور سمير  فرج  ان يرفع طلب للمجلس  الأعلى الاثار  بترميم المسجد وتمت الموافقة.

 

وكانت متابعة  أعمال الترميم التى ستتم  تمثل مشكلة كبيرة  لي  حيث ان جميع  المفتشون  فى البر الشرقي كانوا يعملون  اما فى مشروع طريق الكباش  او فى مشروع معبدالكرنك والباقي يعمل مع البعثات  فى المعابد ولا يوجد  العدد الكافى  لمتابعة  العمل وكنت  اتابع  العمل انا وسلطان  عيد  والذي كلف بعض الاثريين  بمتابعة الاعمال  واذكر منهم  يحي عبداللطيف  وأحمد  نظير  ومحمد ونان وهانم صديق  وغيرهم وكانت المشكلة الكبري بالنسبة لي هى عملية توثيق  المسجد  معماريا  وكذلك  اثريا خاصة نقل ورسم النقوش التى قد يتم الكشف عنها وكان  مركز البحوث الامريكى  يتولى  تنفيذ مشروع ترميم معبد خونسو  فى الكرنك  فطلبت  من مديره فى ذلك جيري سكوت Gerry Scott  ان يساعدنا  فى رفع المسجد  معماريا  وبطريقة علمية وقام  بالتعاقد  مع مكتب ..نيره هامبيكيان.. الهندسي  للقيام  بهذا العمل.ونيره مهندسه ممتازة اعرفها جيدآ  وتعمل مع البعثة الألمانية  فى معبد امنحوتب الثالث ولأول  مرة  يتم توثيق  جميع العناصر المعمارية  فى المسجد اما بالنسبة  للنقوش  والرسومات  على تيجان  الاعمدة والاعتاب  التى تربطها ببعضها  فقد طلبت  من كريستيان  لبلان  مدير البعثة الفرنسية  التى تعمل  فى معبد الرامسيوم  ان يساعدنا فى ذلك.

 

 وارسل فريق برئاسة فيليب  مارتينيز  لرسم  النقوش عند الكشف  عنها.. وبدأت  اعمال الترميم فى يوليو  ٢٠٠٧م واستمرت  لمدة عامين  وهنا لابد  ان اشكر  اللواء  على هلال  رئيس قطاع المشروعات فى المجلس الاعلى للاثار فى ذلك  الوقت  والذي  طلبت  منه ان ينبه  على الشركة  المنفذة  للترميم المسجد  ان تعطيني  الوقت الكافي  لتوثيق  العمل  وكذلك  القيام  ببعض اعمال التنقيب وقد كان وكان يتابع الاعمال تليفونيا .. وبدأنا  العمل فى إزالة  طبقات  الأسمنت  التى تغطى الحوائط وكانت المفاجأة  الرائعه لنا   ان اسفل طبقة الأسمنت  هناك  طبقة من الطين  تغطى الاعمدة  والاعتاب  التى فوقها( مرفق صورة ).

 

 وكشفت  الى الجنوب من المقام  عن عتب كبير  من الجرانيت  الاحمر طولة حوالى ٤ أمتار  يحمل اسم تحتمس الثالث كما كشفنا  بجوار مأذنة  عباس حلمى الثاني الذي حكم مصر فى الفترة من ( ١٨٩٢ الى ١٩١٤ م)  عن بئر  للمياه  ربما كان يمد  المسجد  بالمياه الى جانب العديد من المتل الحجرية والتى تحمل نقوش ورسومات مختلفة  تم رفعها  ونقلها  لمعبد الأقصر.. وكان العمل  فى مسجد ابوالحجاج  يمثل بالنسبة لي انجاز كبير حيث  استطعنا  ان نكشف نقوش واعمدة معبد الاقصر لاول مرة  منذ انشائها  رمسيس الثانى.

 

 واكتشفنا  فى جدار القبلة  ان المحراب القديم  قد تم نحته  فى أحد  اعمدة معبد الاقصر القديمة  اما الثانى مشيد بالطوب الاحمر  ( انظر الصورة) وبدأت  تظهر النقوش والرسومات  لنا وكانتةفى حالة  جيدة  ولا انسي هنا  ان أذكر  عبدالناصر جادالله  مدير الترميم  والذي كان مسؤولا  عن اعمال الترميم  فى  طريق الكباش  والذي قام بتشكيل  فريق من المرممين عملوا على  تنظيف وتقوية النقوش وبدأت  مع الاثري عبدالستار  بدري فى ترجمة  النقوش  والكتابات(مرفق  صورة ) اما النقوش على الاعتاب  فكانت مكتوبة  بال كريبتوجراف cryptography وهى  الكتابة  التصويرية  وقد ساعدنا فى ترجمتها  كريستيان  لبلان و منها مناظر للصرح الاول لمعبد الأقصر والمسلتين  اللتين  امامه وكذلك  التماثيل  التى كانت أمام  الصرح وكشفنا  مناظر رائعة  على الجدار الشرقى للفناء  المكشوف  من الداخل.. وقام فريق  نيره  بتوثيق  المسجد  لاول مرة  بطريقة علمية( انظر المخططات  المرفقة).

 

وبعد انتهاء  اعمال الترميم  تم الاتفاق  على ان يتم عمل فاصل من مشربيه  خشبية  تفصل بين  النقوش والرسومات  والمسجد  حفاظا  على  قدسية الصلاة  حيث يمكن  مشاهد الرسومات  والنقوش  عن طريق النظر  من خلال المشربية( انظر الصورة) اما جدار القبلة  والذى  فيه  المحرابين  فقد تمت تغطية  النقوش بنوع من الزجاج  الاخضر اللون  والمزود  بأضاءة  مناسبة تظهر النقوش فى غير أوقات  الصلاة  اما أثناء  الصلاة  فيتم  إطفاء  الإنارة  لتختفى النقوش خلف الزجاج.

 

كما ازلنا جميع المباني والحجرات  التى كانت مضافه  على المسجد  وحافظنا  على المقامات  الموجودة  بجوار مقام  ابوالحجاج  مثل مقام  الشيخ  المغربي. واستطاعت  الشركة ان ترميم قبة الضريح  وتحافظ عليها وتم دهان  حوائط  المسجد  كما كانت فى عهد عباس حلمى  الثاني ..ولا انسي يوم  إفتتاح  المسجد فى ٢٠٠٩م بعد انتهاء اعمال  الترميم  وكان موجود  عدد كبير من الصحفيين  وامين عام المجلس الأعلى للاثار  واللواء  على هلال  ومحافظ الأقصر  حيث قام الشيوخ  فى مسجد  ابوالحجاج  بغناء أناشيد  دينيه  خاصة بابوالحجاج بصوت على وحاول اللواء على ان يقول كلمه  ولكنهم لم يمكنوه من ذلك  وانفجر الجميع  بالضحك  وخرجنا بصعوبة من المسجد  والذي تم تسجيله  كأثر  اسلامى..واصبح الان من اهم المعالم  السياحية والاثربة  فى محافظة الأقصر. 

تلك  كانت حكاية ترميم مسجد  ابوالحجاج  والتى ينطبق عليها المثل ..رب ضارة  نافعة.