بعد هجوم الخضيرة.. هل تخشى إسرائيل من «داعش»؟!

هجوم الخضيرة
هجوم الخضيرة

عمرو فاروق

مازالت القضية الفلسطينية تمثل الأداة الحاسمة في كسب التعاطف والتأييد الشعبي والسياسي والديني من قبل حركات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية المسلحة، ابتداءً من الإخوان الإرهابيين، مرورًا بتنظيم «القاعدة»، انتهاءً بتنظيم «داعش» الذي نفذ خلال الأيام الماضية هجومًا انغماسيًا مزدوجًا في مدينة الخضيرة، فضلاً عن عملية دهس وطعن في مدينة بئر السبع.

 

التخدير العاطفي وتزييف الوعى الديني سمة أساسية في دعاة الإسلام الحركي، في إطار خداع تكتيكي يمكنهم من تمرير أهدافهم سواء طويلة أو قصيرة المدى، ومن ثم كانت القضية الفلسطينية، حاضرة بقوة على مائدة الخليفة الداعشي المسردب أو مجهول الهوية، أبو الحسن الهاشمي، في الإعلان عن وجوده من خلال ارتداء عباءة البطولة الوهمية، والانتصار الكاذب، لكسب تأييد أتباعه وداوئرهم وفروعهم التنظيمية سواء الذين أبدوا ولاءهم أو مَن ترددوا في بيعتهم.

 

عمليات داعش الأخيرة  تجاه الدولة الإسرائيلية، ذات وجهين أحدهما يحقق أهدافًا ومكاسب عدة للكيان الداعشي في ظل خسائره الفادحة الحالية، وآخر يحقق مصالح المحرض والممول الرئيسي لتلك العمليات التي تعمل على إرباك الدائرة السياسية الإسرائيلية، ربما يعتبر البعض أن ثمة تحولات في خريطة الأهداف المرحلية لتنظيم «داعش» في ظل انحساره في كل من سوريا والعراق، دفعه لتبنى استراتيجية «العدو البعيد»، التي تستهدف المصالح الغربية والصهيوأمريكية، والتخلي ظاهريًا عن استراتيجية «العدو القريب»، التي تعمل على النيل من الأنظمة العربية الحاكمة، في محاولة لإعادة هيمنته على المشهد الجهادي الراديكالي.

 

من جملة المكاسب التي رغب تنظيم «داعش» الحصول عليها من تحركاته الأخيرة ضد الدولة الصهيونية، غسل سمعته من الاتهامات الموجهة إليه بتقاعسه عن إطلاق رصاصة واحدة تنال من الكيان المحتل، ومحاولة تقديم نفسه على أنه المدافع الأول عن القضية الفلسطينية، أملاً في إيجاد حاضنة فكرية وتنظيمية تمنحه إعادة تموضعه على الساحة الجهادية، عقب سقوط دولته المزعومة وتجفيف منابع التجنيد والاستقطاب للعناصر الجديدة، وخسارته للجغرافية السياسية التي كان يتمركز بها في عمق المنطقة العربية.

 

لم يكن الكيان الصهيوني هدفًا رئيسيًا في متن الخطاب الأيديولوجي والإعلامي لتنظيم «داعش»، رغم محاولة توظيف أبو بكر البغدادي وأبو إبراهيم القرشي للقضية الفلسطينية في إصداراتهما، لا سيما في حال الاضطرابات والانشقاقات الداخلية، والتلويح باستهداف الدولة الإسرائيلية، لكنها في النهاية لم تكن سوى بروباجندة إعلامية في ظل تأكيد مرجعيات التنظيم كثيرًا على أن «تحرير القدس»، ليس من «أولويات الجهاد المقدس»، فضلاً عن توجيه «داعش» اعتذارًا إلى «تل أبيب» في هجومه على الجولان عام 2017،وفقًا لتصريحات وزير الدفاع الأسبق، موشيه يعلون، التي نقلها موقع القناة العاشرة الإسرائيلية.

 

ثمة أدلة متعددة على تمدد وتشابك العلاقة بين داعش والكيان الصهيوني، منها معالجة مقاتلي التنظيم بالمستشفيات العسكرية الإسرائيلية بالجولان، وقيامها بشراء النفط من قياداته عبر شبكة من الوسطاء، وكذلك بيعها السلاح الإسرائيلي إلى التنظيم، بجانب مفاوضات تسليم أكثر من 200 داعشي من عرب 48 .

 

ربما برهن على قوة تلك العلاقة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشيه يعالون، في يناير 2016،قائلاً: «إسرائيل ليست مُهدَدة من قبل تنظيم داعش، وإذا خيرنا بين وجود إيران وداعش في سوريا، سنختار بالطبع داعش، عدونا الأكبر هو النظام الإيراني الذي أعلن الحرب علينا، وسعى لفتح جبهة إرهابية ضدنا في هضبة الجولان، الهيمنة الإيرانية في سوريا ستشكل تحديًا كبيرًا لإسرائيل».

 

لاشك في أن التحالف العربي الإسرائيلي الجديد من شأنه أن يؤرق ويزعج مضاجع النظام الصفوي الملالي، الذي لم يتلق رصاصة واحدة كذلك من الجماعات الأصولية المسلحة، ويرتبط معها بعلاقات وثيقة تاريخية رغم اختلاف الأيديولوجية الفكرية والعقائدية، تبلورت في إيوائه لقيادات تنظيم «القاعدة»، ودعمه المستمر لأنشطة جماعة الإخوان الإرهابية، وقدرته في استمالة عناصر تنظيم «داعش» وتمويلهم وتسليحهم بالداخل العراقي.

 

ليس مستبعدًا أن العمليات الأخيرة التي حدثت في عمق الكيان الصهيوني، جاءت بتخطيط مسبق من الحرس الثوري الإيراني، ردًا على التحالفات الجيوسياسية في قلب المنطقة العربية والشرق الأوسط، بما يهدد مصالحه المباشرة، فضلاً عن وقوف تل أبيب عقبة أمام المباحثات والتفاهمات الدائرة بين الإدارة الأمريكية وطهران في فيينا حول إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 .

 

يمثل حاليًا الملف النووي الإيراني، أزمة حقيقية بين واشنطن وتل أبيب،في ظل تأكيد الحكومة الإسرائيلية على أن الاتفاق سيمنح طهران المزيد من النفوذ داخل الشرق الأوسط، ويهدد أمن الدولة الصهيوينة ومصالحها، وفقًا لما نشرته صيحفة «وول ستريت جورنال»، الأمريكية، في تقرير لها، نقلت فيه عن مسؤول إسرائيلي بارز التلويح باللجوء إلى الخيار العسكري؛ بغية ما وصفه بـ»كبح جماح» طهران في المجال النووي.

اعتماد إيران على تنظيم «داعش» في الكثير من معاركها داخل الشرق الأوسط، ليس بالجديد، فالكثير من التقارير الأمنية الأمريكية تحدثت عن تعاون خفي بين الحرس الثوري والمليشيات الداعشية، لعل ما يشير إلى ذلك ما صرح به مسؤول في وزارة الدفاع العراقية، موضحاً: «فيلق القدس الإيراني ومليشيات حزب الله بالتنسيق والتعاون مع ميليشيات الحشد الشعبي نقلوا المئات من مسلحي داعش من الأراضي السورية إلى العراق، وقاموا بتزويدهم بالأسلحة والذخائر ضمن مخطط إيراني لإعادة الحياة للتنظيم الإرهابي».

 

فالنهاية نحن أمام تنظيم داعشي تكفيري مسلح، ينضوى تحت لوائه مجموعات من المرتزقة، لا تحركهم العقيدة ولا تحدد مساراتهم القضايا الدينية مثلما يزعمون، بل تتحكم مآربهم الخاصة في علاقتهم بالأطراف الداعمة والممولة التي يدورون في فلكها .