عاجل

الغرب يراها فرصة للتفرقة بين الحليفين

حقيقة فتنة «القطب الشمالى» بين روسيا والصين

الصين وقعت اتفاقيـة أولية مع روسيا 2016 لبناء ميناء بالـقرب مــــــــــن أرخانجيلسك
الصين وقعت اتفاقيـة أولية مع روسيا 2016 لبناء ميناء بالـقرب مــــــــــن أرخانجيلسك

دينا توفيق

لم يفلح تحذير واشنطن ولا تهديدها لبكين بشأن علاقتها مع موسكو.. لا تزال المحاولات الأمريكية قائمة للوقيعة والتفرقة بين الدب الروسى والتنين الأصفر؛ بعد أن عارض الأخير العقوبات الاقتصادية على روسيا وامتنع عن إدانتها، لأنه تم استفزازها من خلال توسع الناتو باتجاه الشرق تحت توجيه الولايات المتحدة، ما جعل خطواته، تتعارض مع الغرب؛ الذى كلما استشعر التقارب بين بكين وموسكو، سعى إلى تمرير رسائل خفية وضربات تحذيرية لإبعادهما، عزل روسيا الهدف الأول ومن ناحية أخرى تقويض الاقتصاد الصينى، والآن يكثف الغرب جهوده لدق إسفين جديد بين روسيا والصين بتعليق مجلس القطب الشمالى أعماله؛ ما يضع بكين فى خيار وعليها الحسم.

منذ بدء العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا، يزعم العديد من المحللين والساسة الغربيين وخاصة فى واشنطن أن الصين تتخذ موقفًا امؤيدًا لروسياب. ويُنظر إلى رفض بكين إدانة غزو موسكو، أو تسميته غزوًا كدليل على ميل الصين إلى جانب واحد. إن الدعم الدبلوماسى الصينى لروسيا أمر متوقع، بالنظر إلى شراكة ابلا حدودب بين الرئيس اشى جين بينجب وافلاديمير بوتينب المتفق عليها أثناء دورة أولمبياد بكين الشتوية فى 4 فبراير الماضى. يرى الرئيس الصينى أن بوتين شريك استراتيجى مهم فى وقت تواجه فيه الصين ضغوطًا متزايدة من الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن يدرك الصينيون أن دعم جهود بوتين الحربية لن تعزز مصالح الصين فحسب، بل سيعرضها إلى تكاليف اقتصادية؛ لذا تسير بكين على خط رفيع من خلال تقديم الدعم الدبلوماسى لروسيا لكنها لم تصل إلى تزويد موسكو بالأسلحة والمساعدات.

 

وخلال مارس الماضى، أصدرت جميع الدول الأعضاء فى مجلس القطب الشمالى باستثناء روسيا -التى تترأسه حاليًا- بيانًا مشتركًا، أعلنوا فيه عزمهم على تعليق المشاركة مؤقتًا فى جميع اجتماعات المجلس وهيئاته الفرعية، نظرًا لاستمرار الحرب فى أوكرانيا. وأصدرت كندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة، البيان ونشرته وزارة الخارجية الأمريكية، أكدت فيه أنها اتلاحظ العوائق الخطيرة التى تعترض التعاون الدولى بسبب تصرفات روسياب، ورغم أن الصين ليست دولة من دول القطب الشمالى، ولكن كانت مراقبًا فى المجلس منذ عام 2013، نظرًا للطموحات المتزايدة فى المنطقة. ويلقى الصراع المستمر فى أوكرانيا بظلاله على تطلعات الصين فى القطب الشمالى، فقد تجد تقيدًا فى متابعة مصالحها. وربما لا تزال بكين ترغب فى الحصول على كلا الاتجاهين، أى مواصلة تعاونها مع روسيا دون إفساد العلاقات مع دول القطب الشمالى الأخرى. تدرك بكين أنها لا تستطيع وضع كل بيضها فى السلة الروسية، ويمكن للغرب استكشاف ذلك باعتباره فرصة لإبعاد الصين عن روسيا. لكن الحد من اعتماد الصين على روسيا لتعزيز مصالحها فى القطب الشمالى يتطلب إبقاء الصين فى اللعبة فى المقام الأول.

 

القطب الشمالى ذو أهمية متزايدة بالنسبة للصين؛ حيث حددت استراتيجية طموحة من خلال مبادرة طريق الحرير القطبى والكتاب الأبيض عام 2018، وفقًا لوكالة رويترز. لكن روسيا، كما أشار خبير العلاقات الصينية الروسية فى المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية ابوبو لوب، هى التى تحتفظ برأى حاسم حول مدى إمكانية تحقيق أهداف بكين فى القطب الشمالي، وروسيا لا تنظر بلطف إلى تلك التطلعات. تحظى منطقة القطب الشمالى الروسية بحصة الأسد من الاستثمارات الصينية، لا سيما فى البنية التحتية المتعلقة بالملاحة ومشاريع استخراج الموارد؛ حيث نجحت مؤسسة البترول الوطنية الصينية اCNPCب وصندوق طريق الحرير المملوك للدولة، بالشراكة مع شركة انوفاتيكب الروسية وشركة اتوتالب الفرنسية، فى تطوير مشروع للغاز الطبيعى المسال فى شبه جزيرة يامال، الذى بدأ الإنتاج عام 2017، بجانب مشروع القطب الشمالى للغاز الطبيعى المسال 2، قيد التنفيذ والذى كان من المقرر إطلاقه عام 2023، قبل أن تقرر كل من فرنسا واليابان تجميد استثماراتهما فيه.

 

وتمتلك الصين فيه حصة إجمالية تبلغ 20% بمشاركة مع انوفاتيكب واتوتالب واتحاد يضم ميتسوى والمؤسسة الوطنية للنفط والغاز اليابانية، دخل هذا المشروع أيضًا فى شراكة مع شركة سامسونج للصناعات الثقيلة الكورية الجنوبية لبناء أسطولها من الناقلات، ولكن مع انضمام سيول إلى نظام العقوبات، قد لا يتم تسليم ناقلاتها فى الوقت المحدد. فى حين أن أحواض بناء السفن وشركات الطاقة الصينية قد تميل إلى استغلال هذه الفرصة، فإن خطر فرض عقوبات ثانوية يلوح فى الأفق خاصة مع إصدار واشنطن تحذيرًا صارمًا فى 8 مارس للشركات الصينية ضد الاستمرار فى تزويد روسيا بالتكنولوجيا المتقدمة، وفقًا لصحيفة انيويورك تايمزب الأمريكية. وتم نقل تحذير واشنطن بشكل لا لبس فيه على أعلى مستوى عندما أخبر الرئيس الأمريكى اجو بايدنب نظيره الصينى اجين بينجب خلال اجتماع افتراضى فى 18 مارس أنه ستكون هناك عواقب إذا حاولت الصين مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات.

 

فيما وقعت شركة الصين الوطنية للهندسة الكيميائية وشركة Neftegazholding الروسية عقدًا عام 2019 بقيمة 5 مليارات دولار للاستثمار فى حقل نفط Payakha، على مدى أربع سنوات ومن المتوقع إطلاقه عام 2023. كما ركزت الاستثمارات الصينية فى القطب الشمالى الروسى على البنية التحتية للموانئ على طول طريق بحر الشمال. وقعت الصين اتفاقية أولية مع روسيا عام 2016 لبناء ميناء بالقرب من أرخانجيلسك على البحر الأبيض شمال غرب روسيا، والذى لا يزال فى مرحلة التخطيط ومن المتوقع أن تستخدمه الشركة الصينية للشحن البحرى المحدودة كقاعدة لوجستية، بالإضافة إلى خط سكة حديد ابيلكومورب، الذى لم يمض قدما بعد.

 

وعلى الرغم من التعاون فى مشروع القطب الشمالى، تنظر موسكو إلى الوجود الصينى المتزايد فى القطب الشمالى بعين الريبة؛ مع وجود أراضٍ شاسعة وخط ساحلى يزيد طوله عن 20 ألف ميل فى الدائرة القطبية الشمالية، فإن لروسيا مصلحة قوية فى منع القوى الخارجية من التأثير على شئون المنطقة، وبالتالى يرى مطالبة الصين بوضع دولة بالقرب من القطب الشمالى والدعوة إلى أن يكون للدول غير القطبية الشمالية دور أكبر على أنها دفعة غير مرحب بها لتدويل المنطقة.

 

وعلى مدار العقد الماضى، بينما كانت تسعى إلى تحقيق مصالحها فى القطب الشمالى من خلال الدبلوماسية متعددة الاتجاهات، تمكنت بكين بشكل عام من البقاء بعيدًا عن التنافس الجيوسياسى بين روسيا ودول القطب الشمالى الغربية، وخاصة دول الناتو. حتى قبل وقت قصير من اندلاع الحرب فى أوكرانيا، كان الخبراء الصينيون يعربون عن تفاؤل حذر بشأن استمرار مشاركة الصين مع القطب الشمالى. لكن الحرب والتحركات الأخيرة التى اتخذها مجلس القطب الشمالى ألقت بظلالها على آفاق تطلعات الصين فى القطب الشمالى، على الأقل على المدى القصير.

قد ترى الصين خروج شركات النفط الغربية مثل شل وإكسيون موبيل من روسيا على أنه خلق فرص لعقد صفقات جيدة مع موسكو. وترك المنسق الأمريكى لمنطقة القطب الشمالى اجيمس ديهارتب سؤالاً مفتوحًا حول كيفية استجابة دول القطب الشمالى الغربية للواقع الجديد وكيف يمكنهم الاستفادة منه لإبعاد الصين عن روسيا. لا يمر طريق الحرير القطبى عبر روسيا فقط، إنها محاولة من قبل بكين للاستثمار عبر القطب الشمالى وأوروبا كأسواق مستهدفة. 

 

لاتزال الصين تقيم تداعيات الحرب فى أوكرانيا على مصالحها فى القطب الشمالى، ربما تسعى بكين جاهدة للسير على خط رفيع بين روسيا ودول القطب الشمالى الأخرى. تدرك بكين أن روسيا لا تريد أن يكون للصين دور متزايد فى القطب الشمالى وأن شراكتهما فى المنطقة كانت وستظل على الأرجح زواج مصلحة. لذلك، قد ترى الصين نهجًا أكثر حذرًا تجاه تعاونها مع روسيا فى القطب بما يخدم مصالحها على أفضل وجه بينما تتنقل بحالة من عدم يقين كبيرة فى المنطقة.