علاء عبد الهادى: كثير من الأدب

العدد 1500حكاية لابد أن تحكى
العدد 1500حكاية لابد أن تحكى

قبل قرابة 29 عاما، وتحديداً يوم الأحد الموافق 18 يوليو 1993، صدر عن مؤسسة أخبار اليوم الصحفية العريقة، العدد الأول من «أخبار الأدب»، برئاسة تحرير الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى ومثّل صدورها حدثاً ثقافياً من العيار الثقيل.

وعلامة فارقة فى تاريخ الصحافة العربية ومن اليوم الأول لصدورها وحتى يومنا هذا استطاعت أخبارالأدب أن تشق طريقها وسط دروب وعرة، على الصعيدين المصرى والعربى، وتحولت بالفعل الى أيقونة عربية، ومنصة يبحث عنها كل من يتلمس الطريق فى دنيا الإبداع، بنفس القدر الذى يسعى إليها كل مبدع استوى عوده.

وعنده ما يقدمه لقرائه ومتابعيه، وأصبح نشر قصيدة أو قصة قصيرة، أو نقد رواية، هو بالفعل شهادة ميلاد لصاحب العمل، لانضباط وصرامة معايير النشر فى أخبار الأدب، وخلال الرحلة، قدمت أخبار الأدب للحياة الثقافية، وما زالت، أسماء جديدة، ومهدت لها الطريق خلال رحلة النجاح، وخاضت معارك ثقافية وفكرية من العيار الثقيل، لم تساوم خلالها أسرة الإصدار على ثوابتها أو قيمها، أو ما تعتقد أنه صواب لصالح حرية الفكر والإبداع.

وخاضت أسرة التحرير فى كل عدد من أعدادها معركة فكرية وثقافية، انحازت خلالها على طول الخط مع الضمير الجمعى للمثقفين والتنويريين المصريين، باستثناء فترات استثنائية قليلة أسقطها أبناء أخبار الأدب من أرشيفهم، بنفس المنطق الذى يتعامل به الغالبية العظمى من المصريين مع العام الذى حاولت فيه الجماعة المحظورة سرقة مصر والعبث فى هويتها. 

تزينت الصفحة الثالثة من أول عدد بإهداء بخط يد أديب نوبل نجيب محفوظ قال فيه : «لا أغالى إذا قلت إنّ صدور هذه المجلة حدث ثقافى هام نستقبل به العام الجديد، ومرجع تفاؤلى إلى جديّة الدار التى تصدرها وتميّزها بالابتكار وإلى رئيس تحريرها الذى يُعدّ بحق فى طليعة أدباء الأجيال الصاعدة التى أثبتت جدارتها بكل قوة وثبات».


وأضاف: «وقد قيل عن اختفاء مجلة الرسالة أنها ستترك فراغًا لن يُسد، وصدق القول، ولكنى كبير الأمل فى أن يملأ ذلك الفراغ بالمجلة الجديدة -يقصد أخبار الأدب- التى آمل أن تكون ميدانًا فسيحًا لالتقاء الأصالة بالمعاصرة، وفتحًا شاملًا للإبداع والنقد والقضايا الفكرية». واختتم الإهداء بجملة :«كونوا شعلة لنهضة جديدة والله معكم».


وحدث ما فاق توقعات أكثر المتفائلين، ونفدت مئات الآلاف من نسخ «أخبار الأدب» التى تم طبعها وطرحها فى الأسواق المصرية والعربية، ومنذ عددها الأول تحولت الصحيفة الوليدة إلى تجربة، سعت مؤسسات أخرى مصرية وعربية إلى استلهامها.


 اليوم عزيزى القارىء، ستجد بين يدك العدد الذى يحمل رقم 1500، ومابين العدد الذى يحمل الرقم واحد وهذا العدد، قصة لابد أن تحكى، ونقاط لابد أن توضع فوق الحروف، وعهد لابد أن يتجدد بيننا وبين القارىء.


إذا كان يحسب للراحل جمال الغيطانى تأسيس الجريدة، والخروج بها بنجاح من حيز الفكرة إلى حيز التطبيق، ومن الحيز المصرى إلى الحيز العربى الأكثر رحابة، إلى الحد الذى أصبح الأدباء يتهادون بأعدادها فى المغرب العربى، إلا أنه يحسب له أيضا أنه قام بعقلية الجواهرجى، وروح وفكر الأديب بانتقاء والتقاط عدد من الأسماء الشابة، واستقطبها للعمل فى الصحيفة الوليدة، وقام بتربيتها ورعايتها صحفيا وفكريا وثقافيا.

ومع الأيام أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من التجربة، ومع تقاعد الراحل الغيطانى أصبح التلاميذ أساتذة وأصبحوا رموزا فى الحياة الثقافية المصرية بل والعربية، ومن المؤثرين الفاعلين فيها، وحملوا الأمانة من بعده. 


هل انتهت رسالة أخبار الأدب؟ أو تجاوز الزمن دورها ورسالتها؟
قد يرد قائل وله الحق : هذا سؤال لايجب فى الأصل أن يطرح، لأنه ما بقى الإبداع، ستبقى رسالة «أخبار الأدب» وغيرها من المجلات الثقافية قائمة، بل وضرورية، ولكن الأمانة تحتم علىّ أن أقول إن الرسالة قائمة وما تغير هو شكل الرسالة فقط، وطريقة إيصالها فما بين العدد الأول والعدد 1500 تغيرت صورة الإعلام تغيرا جذريا، وتضاعفت التحديات، أمام الصحافة الورقية، ومنها أخبار الأدب، حيث تغير شكل النخب، وتغيرت الذائقة، وأصبحت الأجيال الجديدة لا تتعامل مع الورق بكل صوره وأشكاله، وتكتفى بلمسة الشاشة السحرية للتليفون المحمول.

لكى تكون الإجابة أكثر دقة علينا بداية أن نتذكر لماذا صدرت أصلا أخبار الأدب؟
حدد الأديب الكبير جمال الغيطانى فى افتتاحة العدد الثانى هدف وفلسفة عمل أخبار الأدب، وقال إنها صدرت فى واقع - على حد وصفه - لا يشهد نهضة ثقافية أو حركة فكرية، وهناك قوى التعصب والإنغلاق المعادية لقيمة الثقافة والفن والأدب... صدرت أخبار الأدب لصد ما يمكن اعتباره حربا حقيقة تقودها تلك القوى ليس فى مصر بل فى العالم العربى كله.


وكأنه يقرأ المستقبل، وفى إطار استعراضه لمبررات إصدار أخبار الأدب كمطبوعة ثقافية تخاطب عموم الطبقة المثقفة التنويرية، سلط الضوء بكل جسارة على خطر حقيقى يتمثل فى محاولات حثيثة لإضعاف الذاكرة الوطنية، بل وإلغاء فكرة الوطن نفسها، وهو ماوصل الى ذروته بعد ذلك بما فعلته جماعة الإخوان !


وأنا هنا أتساءل هل تغيرت ملامح الخريطة التى أثارت مخاوف الغيطانى، وهل انتهت معاركنا مع القوى الظلامية، الانغلاقية، وهل كف المتربصون عن استهداف فكرة الوطن، أو محاولات إضعاف، بل والتشويه المتعمد والممنهج للذاكرة الوطنية؟!


عندما صدرت أخبار الأدب كان العالم العربى يعانى من حالة انقسام حادة فى أعقاب حرب الخليج التى سببت شرخا وجرحا فى الجسد العربى، وفى نفس الوقت كان هناك ما يمكن وصفه بتراجع للثقافة العربية فى مواجهة زحف فرانكفونى فى بلاد شمال أفريقيا، والآن الوضع أكثر سوءاً، وربما أكثر انغلاقاً والجسد العربى مثخن بالجراح، ينزف ويعانى، وتضاعفت الحاجة لمطبوعات ثقافية، تنير الطريق، قد لا أكون حالما إذا قلت أنه لا شئ يجمع أشتات العرب سوى مائدة الفكر والثقافة والإبداع. 


صدرت أخبار الأدب لتبقى، ولتستمر رسالتها، جيلا وراء جيل، ولكى تبقى صوتا ومنبرا لكل فكر تنويرى، لا تساوم ولا تقايض.

باسم أسرة التحرير، نجدد العهد على أن تبقى أخبار الأدب صوت كل مثقف ومبدع فى عالمنا العربى، وعينه ونافذته على الأدب العالمى من المشرق الى المغرب، وقبل هذا وذاك رأس حربة فى معركة التنوير التى لا تنتهى.

اقرأ ايضا | علاء عبد الهادي: كثير من الادب