ألف ليلة وليلة

ألف ليلة وليلة| ذكريات ليلى علوي مع «الأشكيف المخيف وست الملاح»

ليلى علوي
ليلى علوي

ريزان العرباوي

فى قديم الزمان وسالف العصر والآوان نسافر عبر الأحلام, إلى جزيرة لايسكنها إنسان, فيها عفريت من الجان, يمتلك خاتم سليمان, يغرم بأميرة من بنى الإنسان, يخطفها لأبعد مكان, فى جزيرة الأشجان وتحبس ست الملاح الأميرة صباح داخل القفص المسحور فى انتظار ظهور فارس يعبر البحور, وهكذا تستمر شهرزاد المرأة الذكية التى تمكنت أن تسافر بشهريار الى جميع دول العالم, فى جذب الملايين لحكايات مليئة بالخيال والخرافة والوحوش والكائنات الغريبة.. حكايات متخمة بالتفاصيل الغرائبية وبسحرها صدقها الجمهور وأحبها وتقبل أفكارها رغم مخالفتها للثوابت وابتعادها عن المنطق.. وفى السطور التالية نسترجع ذكريات “ألف ليلة وليلة” مع ليلى علوى وحكاية” الأشكيف المخيف وست الملاح”.

 

بعد أن تقبل الجمهور الحكايات المرئية لحواديت “ألف ليلة وليلة” التى بثها الراديو لأكثر من 20 عاما, وكان بمثابة بداية لاستخدام هذا التراث الشعبى الضخم فنيا, وجاء نجاح أول تجربة تلفزيونية, ليفتح آفاق صناع الدراما لاعادة التجربة, فاستمرت لعدة سنوات, إلا أن الأبرز والأكثر نجاحا منها, تلك التى قدمها الثنائى المخرج فهمى عبد الحميد والمؤلف طاهر أبوفاشا, ففى عام 1985 دمج فهمى عبد الحميد الفوازير مع حكايات ألف ليلة وليلة, لتقدمها شريهان خلال ثلاث مواسم, الموسم الأول تضمن حكاية واحدة طويلة من حكايات ألف ليلة وليلة تحت عنوان “عروس البحور”, ويأتى الموسم الأخير مع “حليمة وكريمة وفاطيمة”.

بعدها توالت المسلسلات التي تناولت حكايات ألف ليلة وليلة, والتي كانت أيضا من تأليف طاهر أبو فاشا وإخراج فهمي عبدالحميد, فقدما عام 1988 حكاية من بطولة رغدة ومدحت صالح تحت عنوان”بدر باسم وجوهرة بنت السمندل”.

 

وفى عام 1989 نصل إلى حكاية “الأشكيف المخيف” الذى شكل مصدر رعب للجيل المعاصر له بالرغم من تواضع وضعف امكانيات الجرافك والخدع البصرية وقتها, وجسدت ليلى علوى البطولة بمشاركة حسن يوسف وصلاح رشوان الذى قدم دور الأشكيف, وكان الإطار حكاية واحدة طويلة مليئة بالتفاصيل, أراد فهمى عبد الحميد أن يمتد الوصل بين مستمعى الرديو ومشاهدى التلفزيون, فقرر الاستمرار فى الاحتفاظ بعلامات ميزت العمل الإذاعي بحواديت “أبوفاشا” وصوت زوزو نبيل قيثارة الإذاعة المصرية والتى ارتبط بها مستمعى الراديو على مدار عدة أعوام, ليأتى سرد الحكايات بصوتها وتستهل بداية الحلقات فى كل مرة بمشاركة صوت عبد الرحيم الزرقانى “شهريار”, ولكن فى شكل رسوم متحركة, تيمنا بنجاحهما الإذاعي في تقديم الشخصيتين.

 

كما نجح سيد مكاوي ومحمد الموجي في افتتاح التتر بمقطع من موسيقى “كورساكوف” لتصبح جزءا من لحن بقية التتر تمهيدا لافتتاح الحلقات بها, فكان من ذكاء المخرج استمراره فى الاستعانة بالموسيقى الكلاسيكية التى اشتهرت بها وأصبحت جزءا لا يتجزأ عنها, تلك المقطوعة الساحرة القادرة على أن تسافر بالمشاهد إلى عالم الخيال والأساطير, فكانت دلالة لحنية لأى عمل يتناول قصص “ألف ليلة وليلة” هذا اللحن المعروف باسم القصيدة السيمفونية “شهرزاد” للمؤلف الروسى نيكولاى ريمسكي كورساكوف, ارتبطت تلك السيمفونية في الذهن العالمي بأجواء الشرق الأوسط في العصور الوسطى, واختار كورساكوف أصوات آلات النفخ النحاسية والوترية الغليظة بإيقاع سريع ليعبر عن صرامة الملك شهريار, لينساب بعدها صوت شهرزاد العذب على أوتار عزف فردي للكمان والهارب بإيقاع بطيء يتهادى على أوتار الآلتين. 

قصة المسلسل مقتبسة من الرواية الخيالية العربية والتي تحمل نفس الاسم, وفي هذه القصة يخطف الأشكيف “صلاح رشوان” الأميرة صباح ست الملاح “ليلى علوي” ويحتجزها داخل قفص ذهبى مسحور بمكان بعيد, وتبدأ الحلقات مع سرد ممتع بصوت زوزو نبيل “شهرزاد” واصفة الحكاية بقصة الشموخ والعزيمة ورفض الهزيمة, ملخص قصة الأمير زعفران مع ذلك الشيطان, فتأتى فى سياق قصة الملك لقمان الذى سار بذكره الركبان, ومع كل الملك والسلطان لم يكن على ما يرام, فلم ينجب سوى الأمير ريحان, وتدور الحلقات الأولى حول وصايا لقمان لابنه ريحان, وهو يقوم باعداده حتى يخلفة فى حكم البلاد من بعده, فيطلب منه أن يبحث عن شريكة حياته تاركا له حرية الاختيار, وأثناء الاحتفال بالمهرجان الذى يجتمع فيه ملوك الجزر الأربعة ويحكمهم الملك لقمان بالعدل والقسطاس, وأثناء خروج الأميرة “هانوم” ابنة أحد ملوك الجزر الأربعة, للصيد يهجم عليها وحش كبير, ويتمكن الملك ريحان من قتله وانقاذ الأميرة, لتبدأ قصتهما التى يعترض عليها الملك لقمان فى بداية الأمر, خوفا من اشتعال نار الحقد والغيرة بين حكام الجزر الأربعة, ليقع الملك الحكيم فى حيرة الاختيار, ويشور عليه الوزير أن يتزوج الأمير من الأميرات الأربعة, أبناء ملوك الجزر حتى يكون قد ساوى بينهم بالعدل دون تفضيل واحد على الآخرين, ويتزوج ريحان الأميرات وينجب ثلاث بنات وولد من الأميرة هانوم, وتعطيه العجوز البشارة بأنه سينجب زعفران الذى يقضى على الظلام ويقتل الأشكيف. مرت الأيام وكبر زعفران, وذات يوم دخل عليهم ثلاث عجائز ومعهم هدايهم العجيبة, وخلال الأحداث نتعرف على قصة الطاووس الميقاتى والديك الحارس والحصان الطيار الذى يركب عليه زعفران قبل أن يخبره العجوز على طريقة النزول, لتنتقل الأحداث إلى الأميرة صباح التى يخبرها الدرويش عن النبوءة المثيرة ويحدثها عن الفتى الذى يقضى على الأشكيف ويخلص العالم من الظلام.

 

وظلت ست الملاح ترفض الخطاب فى انتظار فارس الأحلام الى أن تقدم ذلك الأمير كروان صاحب بلاد المرجان, فيبهرهم بعطاياه وهداياه ولكن بدأ بداخلها شعور من جهة هذا الأمير حتى ظهر لها أبو اليسر الذى يظهر فى ساعة العسر, ليكشف لها الحجاب ويخبرها أن كروان مارد من الجان, فينكشف لها اليقين ويكشف سر قوته فى امتلاكه خاتم سليمان, وتحاول الإيقاع به, لكنها تفشل, فيتمكن من اختطافها فى الجزيرة البعيدة جزيرة الأشجان, ويحبسها داخل قفص مسحور من يقترب منه يموت فى الحال, وعندما خرج إخواتها للبحث عنها, وصلوا إلى ميمونة الجنية العجوز التى قدمت لهم الطاوس والديك والحصان وطلبت منهم الذهاب الى الملك ريحان لطلب الزواج من بناته, بعد أن غيرت شكلهم حتى تضلل عدوهم وتحولوا إلى عجائز, وبعد أن يأس الأمير زعفران من نزول الحصان واستمر فى الطيران لعدة ساعات, أتاه صوت يرشده للنزول, ليقابل ست الملاح التى حبست فى القفص المسحور وينقذها بعد أن قضى على الأشكيف, وأقيمت الأفراح والليالى الملاح, وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

كان لجمال ليلى علوي وشعبيتها الدور في فتح الأفق لها كي تحقق النجاح فضلا عن موهبتها المتميزة, لكنها لم تنجح في تقديم الاستعراضات, لتظل شريهان هى ملكة ذلك المجال دون منافس, وتبقى ألف ليلة وليلة الملعب المفضل للشاعر طاهر أبو الفاشا سواء فى الإذاعة أو التليفزيون وبالرغم من  براعته الكتابية التى خدمت كل من قدم العمل, إلا أنه يرى أن “شهرزاد” كانت محظوظة في الإذاعة أكثر من التلفزيون، وذلك لأنها كانت تبدأ بتقديم الراوي لها في البداية بكلمات شعرية تعطي للمستمع صورة لها قبل ظهورها, وهوغير موجود بالتلفزيون.

ويعتبر طاهر أبو فاشا, أشهر من حول كتاب “ألف ليلة وليلة” إلى عمل إذاعي, يذكره كل مستمعى الإذاعة في مصر وخارجها, فكان أحد المستلهمين الكبار للتراث الشعبى العربى, ولم يلتزم بالنص الأصلى, بل طوعه بإبداع لا نظير له, وقدم  القصص الشعبية, وأضاف إليها الكثير من حكاويه الخيالية التى اكتسبها من واقعه وحكايات جدته, لكنه حافظ على الهيكل والبناء الكلى لفكرة الكتاب والحكايات فى إطار تتوالد من خلاله القصص, واستطاع أن يطور لغتها التراثية دون المساس بها للغة تخاطب زمانه, وهى عبقرية لا يستطيع تقديمها غيره أبو فاشا.

 

شارك فى بطولة العمل ليلى علوى, حسن يوسف, زوزو نبيل, صلاح رشوان, أشرف سيف, محمد خيري, أشرف طلبة, فاروق نجيب, أحمد نبيل, نادر نور, أحلام الجريتلي وعلاء ولي الدين, والأغانى لعبد السلام أمين ألحان الموسيقار محمد الموجى، استعراضات محمود رضا وإعداد موسيقى معالى الحفناوى وإخراج الرسوم المتحركة شويكار خليفة.