محطات في حياة محمد عبد الوهاب قادته إلى لقب "موسيقار الأجيال"

محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب

محمد كمال

لم يأت لقب “موسيقار الأجيال” من فراغ أو من العدم فهو يعتبر من أدق الألقاب التي أطلقت خلال التاريخ المصري على واحد من أهم الموسيقيين في التاريخ – إن لم يكن هو الأهم –محمد عبد الوهاب تلك الأسطورة الموسيقية التي امتد تألق موهبته عبر أجيال وأزمنة مختلفة على مدار سبعة عقود شهدت خلالها عديد من التطور لتلك الموهبة وأيضا التطوير والتحديث الذي حدث للموسيقى على يده وبفضله.

 

إن مسيرة عبد الوهاب الطويلة ومعاصرته لعدة أجيال وقدرته ليس فقط على التواجد بل أيضا والتأثير في الأجيال الجديدة والتطور الموسيقي الذي أحدثه في كل مراحل مشواره الفني الذي بدأ في منتصف العشرينيات وصولا للمحطة الأخيرة في نهاية الثمانينيات.

 

بزغ اسم محمد عبد الوهاب مبكرا كمطرب وملحن صاعد بسرعة الصاروخ، وكانت بدايته مع الشاعر أحمد شوقي لها أثر كبير في انتشار اسم عبد الوهاب سريعا حتى أصبح في أعوام قليلة أحد نجوم الغناء في مصر في فترتي الثلاثينيات والأربعينيات ويعد من أوائل المطربين الذين اتجهوا لفكرة الأغنية القصيرة وهو رائد تلك النقلة الموسيقية بعد أن كان المسيطر على السوق وقتها الأغنيات الطويلة لمنيرة المهدية ثم أم كلثوم وسار على درب عبد الوهاب كلا من ليلى مراد ومحمد فوزي وفريد الأطرش.

 

نجاح عبد الوهاب الكبير في الموسيقى جعل مخرجي السينما يقومون باستقطابه وقدم في الثلاثينيات أفلاما من بطولته على غرار “الوردة البيضاء” و”دموع الحب” و”يحيا الحب” وفي الأربعينيات “يوم سعيد” و”رصاصة في القلب”، لم يكن النجاح الكبير الذي حققه عبد الوهاب خاص بالتمثيل فقط لكنه امتد إلى الموسيقى التصويرية وتلحين الأغنيات سواء في أفلامه أو في أفلام زملائه، ولم يكن وجود اسمه مجرد مؤلف للموسيقى بل في عدد كبير من الأفلام التي لم يكن بطلا فيها كان اسم محمد عبدالوهاب كمؤلف للموسيقى التصويرية فقط دون ان يكون بطلا مع ذلك يأتي اسمه ليكون متصدرا تتر المقدمة حتى قبل الأبطال الأصليين للفيلم مثل فيلمي “غزل البنات” و”الشموع السوداء”.

 

جاءت ثورة يوليو 1952 ليتوقع الكثيرون ان تكون بداية التراجع لعبد الوهاب بعد النجاح الكبير للجيل الجديد بقيادة عبد الحليم حافظ ورفقائه من الملحنين الموجي والطويل وبليغ ومنير مراد خاصة وأن هذا الجيل حمل مفردات موسيقية جديدة لكن موسيقار الأجيال لم يستسلم ولم يتراجع بل بمنتهى الاحترافية والتمكن واكب لغة العصر واندمج مع الأشكال الموسيقية الجديدة وأصبح منافسا عنيدا لهذا الجيل.

في بداية الستينيات كان الوضع مستقر بالنسبة لموسيقار الأجيال فهو مازال حاضرا ومشاركا بقوة في الحالة الموسيقية لكن عبد الوهاب بطبعه مغامر يعشق التحدي والتجديد، ووجد ضالته في ما سمي وقتها بلقاء السحاب الذي جمعه بكوكب الشرق أم كلثوم التي بدأت في ذلك الوقت في خفوت نجمها قليلا وسط منافستها الضارية مع الجيل الجديد وهنا كان التحدي الأهم في تاريخ عبد الوهاب كيف سيقوم بإعادة أم كلثوم إلى سابق عهدها وكان اللقاء الأول بينهما عام 1964 من خلال أغنية “أنت عمري” ثم في نفس العام “على باب مصر” ثم في 1965 “انت الحب”.

 

لم يكن لقاء السحاب مؤثرا في مسيرة أم كلثوم فقط بل هو أثبت بحق ان لقب موسيقار الأجيال لم يكن صدفة، فيمكن أن نقسم تاريخ أم كلثوم إلى مرحلتين قبل وبعد عبد الوهاب خاصة بعد النقلة الموسيقية الكبيرة التي أحدثتها مع أغانيها خاصة في المقدمات الموسيقية للأغنيات، فقد كان تأثير عبد الوهاب كبيرا حتى على مستوى الملحنين الذين تعاونوا مع أم كلثوم من قبل مثل رياض السنباطي الذي جاءت ألحانه بعد 1964 مختلفة تماما عما قدمه لأم كلثوم من قبل، ونفس الأمر وتأثير موسيقار الأجيال ينطبق على الشكل الموسيقي الخاص بتعاون الجيل الجديد (الموجي – الطويل – بليغ) مع أم كلثوم.

 

كان محمد عبد الوهاب من أكثر الموسيقيين الذين برعوا في تقديم الأغنيات الوطنية ذات الطابع الأوركسترالي الملحمي مثل “الجيل الصاعد” و”الوطن الأكبر” وأغنيات أخرى مثل “دعاء الشرق” و”عرش وشعب” وكانت آخر الأغنيات الوطنية له “عاشت بلادنا” التي غناها محمد ثروت في الاحتفال بذكرى انتصارات سيناء والتي ظلت لأعوام  طويلة الصياح والهتاف الرسمي لطلاب الكليات العسكرية.

 

موسيقار الأجيال من مواليد 13 مارس 1898 وتوفي في 4 مايو 1991 بدأ حياته الفنية عام 1917 كمطرب في فرقة فوزي الجزايرلي وبدأ العمل في الإذاعة عام 1934.