خواطر الإمام الشعراوي| إشراقات الصيام وعطايا الرحمن

خواطر الامام الشعراوي|  إشراقات الصيام
خواطر الامام الشعراوي| إشراقات الصيام

«وما دمت قد ذقت حلاوة ما أعطاك الحق من إشراقات صفائية فى الصيام فأنت ستتجه إلى شكره سبحانه».

يقول الحق فى الآية 186 من سورة البقرة:» وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».. وما دمت قد ذقت حلاوة ما أعطاك الحق من إشراقات صفائية فى الصيام، فأنت ستتجه إلى شكره سبحانه، وهذا يناسب أن يرد عليك الحق فيقول: «إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ».

ونلحظ أن (إذا) جاءت، ولم تأتِ (إن)، فالحق يؤكد لك أنك بعدما ترى هذه الحلاوة ستشكر الله؛ لأنه سبحانه يقول فى الحديث القدسى: (ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء.

ويقول الرب: وعزتى لأنصرنك ولو بعد حين).. فما دام سبحانه سيجب الدعوة، وأنت قد تكون من العامة لا إمامة لك، وكذلك لست مظلوماً، إذن تبقى دعوة الصائم , وعندما تقرأ فى كتاب الله كلمة (سأل)، ستجد أن مادة السؤال بالنسبة للقرآن وردت وفى جوابها (قل) , «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ»، «البقرة: 219».وقوله: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو»، «البقرة: 219».

وقوله: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ»، «البقرة: 215».. وكل «يَسْأَلُونَكَ» يأتى فى جوابها «قُلْ» إلا آية واحدة جاءت فيها (فقل) بالفاء، وهى قول الحق: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً»، «طه: 105».


انظر إلى الدقة الأدائية: الأولى (قل)، وهذه (فقل)، فكأن «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر»، يؤكد أن السؤال قد وقع بالفعل، ولكن قوله: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال»، فالسؤال هذا ستتعرض له، فكأن الله أجاب عن أسئلة وقعت بالفعل؛ فقال: (قل)، والسؤال الذى سيأتى من بعد ذلك جاء وجاءت إجابته بـ (فقل)، أى أعطاه جواباً مسبقاً، إذن ففيه فرق بين جواب عن سؤال حدث، وبين جواب عن سؤال سوف يحدث، ليدلك على أن أحداً لن يفاجئ الله بسؤال، «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً».


لكن نحن الآن أمام آية جاء فيها سؤال وكانت الإجابة مباشرة: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى», فلم يقل: فقل: إنى قريب؛ لأن قوله: (قل) هو عملية تطيل القرب، ويريد الله أن يجعل القرب فى الجواب عن السؤال بدون وساطة «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ». لقد جعل الله الجواب منه لعباده مباشرة.

وإن كان الذى سيبلغ الجواب هو رسوله-صلى الله عليه وسلم-، وهذه لها قصة: لقد سألوا رسول الله: أقريب ربك فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ لأن عادة البعيد أن يُنادى، أما القريب فيناجى، ولكى يبين لهم القرب، حذف كلمة (قل)، فجاء قول الحق: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ»، وما فائدة ذلك القرب؟ إن الحق يقول: «أُجِيبُ دَعْوَةَ الداعِ إِذَا دَعَانِ»، ولكن ما الشروط اللازمة لذلك؟.. لقد قال الحق: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى» ونعرف أن فيه فرقًا بين (عبيد) و(عباد)، صحيح أن مفرد كل منهما (عبد)، لكن هناك (عبيد) و(عباد).

وكل من فى الأرض عبيد الله، ولكن ليس كل من فى الأرض عباداً لله، لماذا؟ لأن العبيد هم الذين يُقهرون فى الوجود كغيرهم بأشياء، وهناك من يختارون التمرد على الحق، لقد أخذوا اختيارهم تمرداً، لكن العباد هم الذين اختاروا الانقياد لله فى كل الأمور، إنهم منقادون مع الجميع فى أن واحدًا لا يتحكم متى يُولد، ولا متى يموت.

ولا كيف يُوجد، لكن العباد يمتازون بأن الأمر الذى جعل الله لهم فيه اختياراً قالوا: صحيح يا رب أنت جعلت لنا الاختيار، وقد اخترنا منهجك، ولم نترك هوانا ليحكم فينا، أنت قلت سبحانك: (افعل كذا) و(لا تفعل كذا).

ونحن قبلنا التكليف منك يا رب. ولا يقول لك ربك: (افعل) إلا إذا كنت صالحاً للفعل ولعدم الفعل. ولا يقول لك: (لا تفعل) إلا إذا كنت صالحاً لهذه ولهذه , إذن فكلمة (افعل) و(لا تفعل) تدخل فى الأمور الاختيارية، والحق قد قال: (افعل) و(لا تفعل)، ثم ترك أشياء لا يقول لك فيها (افعل) و(لا تفعل)، فتكون حراً فى أن تفعلها أو لا تفعلها، اسمها (منطقة الاختيار المباح)، فهناك اختيار قُيِّدَ بالتكليف بافعل ولا تفعل.

واختيار بقى لك أن تفعله أو لا تفعله ولا يترتب عليه ضرر؛ فالذى أخذ الاختيار وقال: يا رب أنت وهبتنى الاختيار، ولكننى تركت لك يا واهب الاختيار أن توجِّه هذا الاختيار كما تحب، أنا سأتنازل عن اختيارى، وما تقول لى: (افعل) سأفعله، والذى تقول لى: (لا تفعله) لن أفعله.

اقرأ ايضا

على أي توقيت يُفطر المسافر بالطائرة؟.. «الإفتاء» تجيب