أنا المصرى

يوسف شاهين .. الأستاذ الذي صنع المجد

يوسف شاهين
يوسف شاهين

كتب: محمد كمال

يمتلئ التاريخ المصري بالأساطير في كافة المجالات .. عظماء تركوا بصمات كبيرة وإسهامات مهمة خلدت أسمائهم بحروف من ذهب.. في ملحقنا الرمضاني هذا العام نلقي الضوء على الأساطير الذين ارتبط مجدهم وتألقهم بأزمنة مختلفة وعصور متباينة حيث لم يكن هذا التألق مرتبط بفترة أو حقبة محددة.

 

امتلكت مصر على مدار تاريخها السينمائي مجموعة من المخرجين المميزين الذين أحدثوا نقلات نوعية للسينما بداية من كون مصر من أولى دول العالم التي ظهرت فيها السينما وصولا إلى الأجيال الجديدة، ومن بين تلك القائمة الطويلة يتواجد صاحب التجربة الأطول من حيث عدد سنوات العمل والتي بدأت عام 1950 وانتهت في 2007 اي أنها امتدت لـ 6 عقود تقريبا، تجربته فريدة من نوعها كونه مخرج نجد التباين الشديد في أدواته وأطروحاته في كل مرحلة زمنية، فلم يكن متخصصا أو معروفا بطريقة معينة او اسلوب محدد، قدم جميع أشكال الدراما دون أن يحصر نفسه في إطار أو قالب، أثر في السينما وتأثر بها، عبر من خلالها عن تفاصيل التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي شهدتها مصر منذ الخمسينيات، قدم نقدا لاذعا للسياسة، عشقه للسينما ومراحله الطويلة معها نقلها خلال تجربة ذاتية في ثلاثة أفلام احتوت على مثلث عشقه (السينما – اسكندرية – مصر).. إنه المخرج البطل.. يوسف شاهين.

 

بدأت رحلة شاهين مع السينما في سن مبكرة عام 1950، ولم يكن وقتها أتم عامه الـ 24 ليقدم أول أفلامه الذي حمل اسم «بابا أمين» الذي كان تجربة جديدة تحمل غرائبية شديدة لم تكن السينما المصرية معتادة عليها وقتها في تجربة اختصرت الكثير لدى المخرج الشاب ليتحول من بعده إلى مبدع له ثقل، ويحمل ثقة كبار النجوم فمن بعده وخلال فترة الخمسينيات تألق شاهين مع السينما التجارية بمفهومها وقتها حيث قدم العديد من الأفلام لنجوم الصف الأول مثل فاتن حمامة وعمر الشريف ويحيي شاهين وفريد الأطرش وشادية ويوسف وهبي.

 

في نهاية الخمسينيات وتحديدا عام 1958 قدم شاهين فيلمين أحدثا نقلة مهمة في مشواره الأول عندما اخترق الثورة الجزائرية بفيلم «جميلة» الذي قدم خلاله رحلة كفاح المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد وكان الفيلم وقتها عكس السائد تماما، أما الفيلم الثاني فقد كان «باب الحديد» الذي أزال الستار به قليلا عن شكل ومفهوم السينما الذي يريد أن يطرحها شاهين وان اهتمامه الأكبر هو المواطن البسيط المهمش وكيفية تحويله إلى بطل على الشاشة رغم أن الحياة تسحقه.

 

في منتصف الستينيات وتحديدا عام 1965 تأتي النقلة المهمة في سينما يوسف شاهين فخلال تلك الفترة وصولا إلى نهاية الثمانينيات كانت الفترة الأهم لشاهين حيث التعبير عن الواقع الاجتماعي والمشهد السياسي باستخدام السينما الرمزية التي انتقد خلالها كل شئ في مصر خاصة بعد هزيمة يونيو 67 واستمر في هذا النهج مع الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات ثم حالة الركود التي بدأها بفيلم يبدو من اسمه أنه بداية مرحلة لشاهين نفسه كمخرج «فجر يوم جديد» وامتدت تلك التجربة حتى منتصف الثمانينيات من خلال مجموعة الأفلام الأقوى في مشواره وهم بالترتيب «الاختيار»، «اليوم السادس»، «العصفور»، «حدوتة مصرية»، «الوداع يا بونابرت» و«عودة الابن الضال».

في تلك الفترة سارت تجربة شاهين الذاتية مع السينما بالتوازي مع مشروعه الأساسي، فلم يحدث بينهما تضارب فخلال سرده لتجربته الذاتية عكس المشهد المصري أيضا خلال ثلاثة أفلام «اسكندرية ليه»، «اسكندرية كمان وكمان» التي اختتمها باسكندرية نيويورك عام 2004، وفي عام 1963 قدم شاهين أهم فيلم تاريخي في السينما المصرية وهو «الناصر» صحيح أن الفيلم كان من المفترض أن يتولى إخراجه عز الدين ذوالفقار لكن ظروف مرضه حالت دون تكملة المشروع الذي رشح له شاهين ليكمل مسيرته.

 

مع بداية التسعينيات عاد شاهين لمغازلة الجمهور مرة أخرى لكن لم يكن بمفهوم السينما التجارية في تلك الفترة بل بشكل مختلف يمزج فيه بين الرمزية التاريخية والمباشرة الصريحة ذلك التحول الذي أراد به شاهين مواكبة العصر لكن أيضا بشروطه الخاصة فحافظ على هذا التوازن ولم ينزلق في منحنى السائد وظل متمسكا بشكل مختلف يحقق له التوازن الجماهيري ويشبع رغبته السينمائية حول المنتج الذي يقدمه وذلك من خلال أفلام «المهاجر»، «المصير» و «الآخر» حتى وصلت رحلة النهاية لعام 2007 مع فيلم «هي فوضى» الذي اشترك في إخراجه مع تلميذه خالد يوسف.