"زهرة" تسعى لإثبات زواجها ونسب ابنتيها

مأساة زوجة| تسعى لإثبات زواجها ونسب ابنتيها

المحامية عبير صبحى
المحامية عبير صبحى

محادثة عبر الفيس بوك، أوقعتها في حب شاب من دولة أخرى، قادتها تلك المحادثة لترك بلدتها وأسرتها بالجزائر لتتزوج من هذا الشاب، وعندما أتت إليه، اصطدمت بصخرة الواقع الأليم؛ اكتشفت أن الزواج سيكون عرفيا، أخطأت عندما وافقت على تلك الزيجة، وكانت النتيجة هي إنجاب طفلتين لا يحملان أي أوراق رسمية تثبت وجودهما على قيد الحياة، أما هي فقد أصبحت في الشارع بلا مأوى، تحارب وحدها من أجل إثبات زواجها ونسب طفلتيها.. تفاصيل أكثر عن تلك المأساة التي بدأت عبر الفيس بوك وانتهت داخل المحكمة نسردها لكم في السطور التالية. 


زهرة، هو اسم بطلة قصتنا، وهي اسم على مسمى، امرأة شابة تبلغ من العمر ٣١ عاما، تعيش مع أسرتها بدولة الجزائر، هي أكبر أشقائها، مثلها مثل أي فتاة تحلم بأن ترتدي الفستان الأبيض وتزف لفتى أحلامها وتعيش حياة سعيدة، تحقق حلم زهرة وتزوجت من شاب من بلدتها ولكن الزيجة لم تستمر طويلا وانفصلت عنه وهي في العشرينيات من عمرها، وعادت لتعيش مع أسرتها مرة أخرى.


ذات يوم، كانت زهرة تتصفح صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" حتى تعرفت على فتاة من محافظة الدقهلية، أرسلت إليها طلب صداقة، وظل الاثنان يتبادلان الحديث سويا، يوما عن يوم صداقتهما تشتد رغم أن كل واحدة منهما في دولة أخرى، حتى تطور الأمر وتعرفت على الأسرة أيضا، ثم بعد فترة طلبت تلك الفتاة المصرية يد زهرة لشقيقها خالد بعدما أخبرتها ظروفه، وأنه تزوج قبل ذلك ولكنه انفصل عن زوجته، وافقت زهرة بعدما طلبت التعرف عليه، وظلت هي وهو يتحدثان عبر الفيس بوك لأيام وشهور، وقتها أدركت زهرة أنه هو الشخص الذي سيعوضها عن كل ما مرت به، أحست فيه الطيبة والحب، وبعدما تأكدت من أنه الشخص الذي تريد استكمال حياتها معه، أخبرت أسرتها، والتي كانت ترفض في البداية تلك الزيجة بسبب سفرها وبعدها عن أسرتها، ولكن مع إلحاح زهرة رضخت الأسرة للأمر الواقع ووافقت، وقررت زهرة السفر لمصر لإتمام الزواج من خالد. 


زواج عرفي
قبل ست سنوات من الآن، استيقظت زهرة من نومها، وكأن الدنيا سوف تفتح لها ذراعيها لتستقبل حياتها الجديدة بكل حب وتفاؤل، تركت بلدتها وأسرتها، وأثناء وجودها داخل الطائرة، حلمت بالمستقبل الذي ينتظرها، طار قلبها من الفرحة وغمرتها السعادة، ظنت أن الدنيا فتحت لها أبواب السعادة، لم تكن تلك المسكينة تعرف ماذا ينتظرها، في المطار وجدت خالد في استقبالها، أخذها وذهب بها لقريته في محافظة الدقهلية، رحبت أسرته بها، بكل الفرح والسعادة سألت زهرة ماذا سيكون الزفاف، فاصطدمت بالواقع الأليم؛ وهو أن توثيق زواجهما سيتكلف أموالًا طائلة وهم غير مقتدرين في الوقت الحالي، واصبح الحل هو الزواج العرفي مؤقتا، كانت نتيجة هذا القرار هو إنجاب طفلتين لا يحملان أي أوراق رسمية تثبت وجودهما على قيد الحياة، وزوجة صار مصيرها الشارع الآن، بعدما طردها زوجها، وأخذ منها ورقة الزواج العرفي، تركها بملابسها التي ترتديها فقط، ظلت تجوب الشوارع هائمة على وجهها، تنظر في وجوه المارة، تسأل نفسها من منهم حكايته مثل حكايتها، قادتها قدميها لتأتي إلينا في جريدة "أخبار الحوادث" لتقص المأساة التي تعيشها، لعلنا نساعدها في حلها، هي تعلم جيدا أنه مكتوب عليها أن تذهب الى المحكمة لإثبات زواجها ونسب طفلتيها. 


بدلا من التوثيق

جلست زهرة تروي بالدموع قصتها، فقالت: "الحكاية بدأت عبر الفيس بوك، كنت أعرف شقيقته وكنا نتحدث يوميا، حتى تعرفت على أسرتها وكذلك اسرتي تعرفت عليهم، وبعد فترة وجدتها تطلب يدي لشقيقها خالد، فظروفنا متشابهة إلى حد ما، فهو مطلق وأنا أيضا منفصلة عن زوجي، بدأت أتحدث معه، ووقتها أخبرني أنه يعمل في إحدى الشركات، شعرت تجاهه بالحب والانجذاب، واتفقنا أن أسافر اليه في مصر ونتزوج، بالفعل ودعتني أسرتي واستقبلني في المطار وجئت معه لمحافظة الدقهلية، كان من المفترض أن نختار أثاث بيتنا الجديد، واختار شبكتي ولكني لم أجد هذا، بعدها أخبروني أن توثيق زواجنا يحتاج لأموال كثيرة وهم غير مقتدرين ماديا وفي نفس الوقت لا يجوز أن أجلس معهم دون زواج، فأقنعوني أن يتم الزواج عرفيا حتى تتحسن ظروفه المادية، وافقت على ذلك، وعشت معه في بيت أسرته". 


صمتت زهرة قليلا وكأن شريط من الذكريات يمر أمام عينيها، ثم استكملت بنبرة صوت حزينة، ودموع بللت نقابها الذي ترتديه قائلة: "مرت الأيام الأولى في سعادة وحب، لكن تحطمت كل أحلامي عندما وجدته بلا عمل وكان يضحك علي، لم أعش في شقة مستقلة بنفسي بل كنت أعيش مع شقيقاته الأربعة في بيت واحد، كنت أخدمهم وأفعل كل شيء، كل يوم أطلب منه توثيق العقد وهو يماطل في ذلك، حتى علمت أنني أحمل بين أحشائي جنينا، اتذكر وقتها أنه بعد إخباره بحملي، لم يفرح ولم يغضب، اعتقدت أنه سوف يوثق زواجنا ولكن لا حياة لمن تنادي، وأنجبت طفلتي الأولى إيناس وهي حاليا تبلغ من العمر خمس سنوات، وبعدها أنجبت "نفس" وهي تبلغ من العمر عامان، خمس سنوات وأنا أعيش معه في عذاب وتهديد، ألوم نفسي على ما فعلته بها.

 

وتواصل زهرة، كلامها قائلة، عندما يأست من حياتي معه، قررت أن أذهب لتحرير محضر ضده لإثبات زواجي، ولكن عندما علم هو وأسرته ما أريد فعله، هددني وأخذ طفلتي من حضني حتى "نفس" التي مازالت رضيعة، ثم أخذني في سيارة خاصة وجاء بي للقاهرة بعدما أخذ كل الأوراق التي معي وقال لي نصا: "ادخلي السفارة واطلبي منهم أنك تريدين السفر لبلدتك ولا تخبريهم بشيء عني، قولي لهم أنك كنتي تخدمين في البيوت"، ثم تركني وعاد لقريته، وقفت حائرة لا أعرف كيف أتصرف، جلست بالقرب من السفارة وأنا ارتعش من البرد والخوف، هل أقول أنني كنت أعمل شغالة في البيوت؟، الموت بردًا وجوعًا أرحم عندي من أن أقول هذا الكلام، حتى تعرفت على المحامية عبير صبحي، كأن الله أرسلها لي لتنقذني مما أنا فيه، عرفتها بما حدث معي وقررت الوقوف بجانبي، لدرجة أنها أخذتني أعيش معها داخل بيتها". 


من كلامها ونبرة صوتها، اعتقدنا أنه ليس هناك مجالا لسؤالنا عن مشاعرها أو بماذا تحس الآن، نعلم جيدا أنها في حالة يرثى لها، مهما قالت وعبرت فلن نجد كلمات أو تعبيرات توضح مدى الحزن وخيبة الأمل التي هي فيها، ومدى انكسار قلبها الذي ينزف دمًا بسبب بعدها عن طفلتيها، اختتمت زهرة حديثها قائلة: "أسرتي علمت بما أنا فيه الآن، دخلت والدتي المستشفى حزنا علي،  كل ما أريده هو أخذ حقي بالقانون، اشتقت لحضن طفلتي، ما أطلبه الآن هو إثبات زواجي ونسب أطفالي لي كأم حتى أستطيع أن أعيش معهم في هدوء". 


شهامة محامية

القدر وحده هو الذي لعب لعبته، ووضع المحامية عبير صبحى المحامية بالاستئناف العالى ومجلس الدولة في طريق زهرة، لتكون هي شعاع الأمل الذي جاء ليأخذها من الظلام ويعيد لها الأمل في الحياة، في يوم بدا طبيعيا في حياة المحامية عبير، أثناء ذهابها في الصباح للمحكمة لمباشرة عملها، لفت نظرها فتاة ترتدي النقاب تجلس بالقرب من سفارتها، ترتعش من البرد، تبكي بحرقة، لم تتردد وذهبت إليها لتعرف ماذا حدث لها؟، فأخبرتها زهرة بتفاصيل خمس سنوات عاشتها في حزن، وبكل شهامة طلبت عبير من زهرة أن تصطحبها لمنزلها لتعيش معها حتى تتمكن من حل قضيتها، بعدما شعرت بصدق كلامها، وفي نفس الوقت هي امرأة شابة لا يصح أن تجلس بالشارع وحدها، خافت عبير عليها من البرد، أخذتها واشترت لها هاتف جديد حتى تستطيع التواصل مع أسرتها بالخارج، ووعدتها أنها لن تترك قضيتها إلا بعدما ترد لها حقها وتعيد لها طفلتيها. 


الزوج يرد

ولأننا لا ننحاز لطرف ضد الآخر، فكان واجبا علينا التواصل مع الزوج لنسمع الطرف الآخر، في البداية رفض التعليق، وقال باقتضاب: «هي تقول ما تريده، فأنا طلقتها ولن أردها إلى عصمتي مرة أخرى»، فسألته عن نسب الطفلتين للأم فهذا حقها، أن يتم إضافة اسم الأم في الأوراق رسمية؟!، فرد قائلا: «هذا شيء لا يخصها فهي قضيتي أنا».  

الزوج يقر بالزواج أمام النيابة

في اليوم الثاني أخذت المحامية عبير صبحي، زهرة واتجها سويا لمديرية أمن الدقهلية، وهناك حررا محضرا بالواقعة وتفاصيلها، وكان هناك تعاون كبير جدا من ضباط المديرية. 


التقينا بالمحامية عبير صبحي، لمعرفة الخطوة القادمة في القضية، فقالت: "نحن حررنا محضرا بالواقعة، من أجل إثبات الزواج ثم إثبات نسب الطفلتين لها كأم، وبالنسبة للأب فهو يواجه عدة قضايا منها كسر إقامة زوجته بعدم تجديد الإقامة لها كزوج وتشريد زوجة، وبعدما نكسب قضية إثبات النسب سوف نرفع قضية حضانة لها لضم الطفلتين"، سألناها، هل تم استدعاء الزوج لأخذ أقواله في النيابة، فقالت: "نعم تم استدعائه ولم ينكر القصة واعترف أنه تزوجها عرفيا لعدم مقدرته المادية، وتم إخلاء سبيله، لكنه لم يتواصل معنا حتى الآن، ومازالت القضية قيد التحقيقات ونحن على ثقة بالقضاء المصري ولا نريد سوى حق تلك المسكينة التي تحارب هنا وحدها بلا أب أو أم". 

اقرأ ايضا | هل تقطيع ورقة الزواج العرفي يُعد «طلاقا»؟