حالة من التشرذم السياسي تشهدها العراق.. وخلافات الطوائف تعرقل اختيار الرئاسات

جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب العراقى
جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب العراقى

حالة من التشرذم السياسى تشهدها العراق أدت إلى فشل الطوائف المختلفة فى التوافق حول اختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، ودفعت البلاد إلى انسداد سياسى، وحتى يحدث انفراجة ولا تنخرط العراق فى حرب أهلية يجب على الجميع التفاوض وتقديم تنازلات وعدم التشبث بالرأى الأحادى.


فشلت جلسة البرلمان العراقى التى كان من المفترض أن تنعقد بداية الشهر الجارى للتصويت لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد إعلان كتل برلمانية ونواب مقاطعتها، وذلك لعدم توافر النصاب القانونى، الذى يستوجب حضور الثلثين من بين 329 عضوا ولم يحضر سوى 58 نائبا. يأتى ذلك بالتزامن مع إعلان المحكمة الإدارية الاتحادية، أعلى هيئة قضائية فى العراق، تعليق ترشيح هوشيار زيبارى، مرشح «الحزب الديمقراطى الكردستانى»، للاشتباه فى تورطه بتهم فساد. 


حتى نستطيع قراءة المشهد، هناك معسكران الأول هو «التحالف الثلاثى» ويشمل الكتلة الصدرية (شيعى) والحزب الديمقراطى الكردستانى(كردى) وتحالف السيادة (سنى)، والمعسكر الآخر هو الإطار التنسيقى (شيعى) والاتحاد الوطنى الكردستانى والمستقلون، والأزمة أن «التحالف الثلاثى» لم يتمكن من تشكيل أغلبية برلمانية قادرة على تسمية قيادات المناصب السيادية.

ونجح هذا التحالف فى انتخاب رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسى، ونائبيه (الأول حاكم الزاملى القيادى فى التيار الصدرى، والثانى شاخوان عبدالله من الحزب الديمقراطي الكردستاني) بالرغم من مقاطعة «الإطار التنسيقى» و«الاتحاد الوطنى الكردستانى». لكن خلافاً لعملية انتخاب رئيس مجلس النواب، فإن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب حضور ثلثى أعضاء البرلمان وهو ما تسبب فى تأجيل الجلسة.


ومنذ عام 2005، جرى العرف «على أن يذهب منصب رئيس الجمهورية إلى القوى الكردية، ومنصب رئيس الوزراء إلى الشيعة ومنصب رئيس مجلس النواب إلى السنة، كما جرى حينها اتفاق غير مكتوب بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، «الديمقراطي الكردستانى» و«الاتحاد الوطنى الكردستانى»، على أن يتولى الأول منصب رئاسة حكومة إقليم كردستان ويأخذ الثانى منصب رئيس الجمهورية، لكن مع برهم صالح، كان الاتفاق بين الحزبين قد تزعزع لسببين رئيسيين، أولهما تداعيات أزمة استفتاء إقليم كردستان عام2017 التى عمّقت خلافات الطرفين، وثانيهما بسبب موقف مسعود بارزانى الشخصى من برهم صالح ورفضه التجديد له.

لذلك، لم يتفق الطرفان عام 2018 على تقديم مرشح واحد للمنصب، بل قدَّم كلٌّ منهما مرشحه، وفاز برهم صالح بأغلبية أصوات أعضاء البرلمان على مرشح «الديمقراطى الكردستانى» فؤاد حسين.


وفشل التحالف الثلاثى فى اختيار رئيس الجمهورية لا يرجع فقط لعدم اكتمال النصاب ولكن لقرار المحكمة الإدارية العراقية تعليق ترشيح هوشيار زبيارى لاتهامه فى قضايا فساد خلال توليه منصب وزير المالية، وهو ما جعل مقتدى الصدر يطلب من الحزب الديمقراطى الكردستانى تغيير مرشحه حتى لا يضع نفسه فى موقف محرج لتوجهه فى محاربة الفساد فى العراق.


وعن أزمة تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، يرى مقتدى الصدر أنه ذات أغلبية تمكنه من تشكيل «حكومة أغلبية وطنية»، لتخطى تقليد التوافق الذى يعرقل غالبا آلية اتخاذ القرار، لكن هذا يعنى أنه يضع خارج حساباته قوى وازنة على الساحة السياسية، خصوصا «الإطار التنسيقى» الذي يضم تحالف الفتح الممثل لقوات الحشد الشعبي (المكوّن بغالبيته من فصائل مسلحة موالية لإيران) والذى حصل على 17 مقعدا في الانتخابات، وتحالف «دولة القانون» برئاسة رئيس الوزراء السابق نورى المالكى (33 مقعدا)، وأحزابا شيعية أخرى. ويؤكد «الإطار التنسيقى» بدوره أنه صاحب الأغلبية في مجلس النواب.


وفى محاولة من «الإطار التنسيقى» لتعطيل تشكيل الكتلة الصدرية لحكومة أغلبية قُدمت طعون إلى المحكمة الإدارية الأول طعن على نتائج الانتخابات وقد ردت المحكمة الطعن وصادقت على النتائج، والثانى طعن على الجلسة الأولى الخاصة باختيار محمد الحلبوسى رئيسا لمجلس النواب وقد حكمت المحكمة بدستورية الجلسة.


يرى مراقبون أن تشكيل الصدر لحكومة أغلبية ربما يدخله فى صراع مع طوائف «الإطار التنسيقي» المدعومة من إيران والتى ربما تستخدم السلاح فى تصعيد أمنى وذلك للتأثير على الموقف، لذا يبدو أن المرحلة المقبلة هى مرحلة اختبار لمدى قوة كل من «التحالف الثلاثى» و«الإطار التنسيقى».


وللخروج من حالة الانسداد هناك عدة سيناريوهات الأول هو أن ينجح «التحالف الثلاثى» بطرح مرشح جديد من الحزب الديمقراطى الكردستانى وأن توافق المحكمة الاتحادية على هذا الإجراء.

وهو ما حدث بالفعل عندما فتحت باب الترشح لمرة واحدة حيث قام ٥٩ بتقديم اوراق ترشحهم وابرز الجدد روبير احمد البرازنى وهو بديل هوشيار زيبارى وتنجح هذه الأطراف فى إقناع المستقلين وبعض القوى الصغيرة بالحضور إلى الجلسة البرلمانية وتوفير النصاب لاختيار رئيس الجمهورية ومن بعده تكليف مرشح الصدر لرئاسة الوزراء، والسيناريو الثانى هو أن تصل «الكتلة الصدرية» إلى توافق مع «الإطار التنسيقى» مقابل المشاركة فى الحكومة، وفى الوقت نفسه اتفاق الاتحاد الكردستانى والديمقراطى الكردستانى بما يسمح بتوفير نصاب الثلثين وحسم اختيار الرئيس.


ويرى سياسيون أن السيناريو الثانى هو الأكثر ترجيحا وذلك حتى لا تستمر حالة الانسداد السياسى ولتجنب التصعيد الأمنى.

اقرأ ايضا | «الديمقراطي الكردستاني»: زيباري مرشحنا الوحيد لرئاسة الجمهورية العراقية