على وقع ما تشهده أوكرانيا l أدب الحروب.. انتصار للقيم الإنسانية ودعوة للسلام

أدب الحروب
أدب الحروب

كتب: حسن حافظ

مع اشتداد قسوة الحروب والأزمات المصاحبة لاستخدام الأسلحة الفتاكة التى لا تبقى ولا تذر، تحول هاجس الحرب إلى واقع ملموس تخاف منه الشعوب، ولم يكن غريبا بعد أن عاش الإنسان أهوال الحروب الأوروبية التى توجت بالحرب العالمية الأولى ثم الثانية، أن يزدهر أدب الحروب، الذى يعبر عن رغبة إنسانية فى فضح جرائم الحرب، والتحذير منها، والبحث عن مخرج إنسانى من الوقوع فى أهوالها.

ومع الأزمات التى تنذر بحروب تخرج عن السيطرة كما هو حال الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، يزدهر الحديث عن أدب الحروب، لنكتشف أن المنجز الروائى فى مصر والعالمى حول هذا الموضوع يشكل عالما مترامى الأطراف من الروايات التى ترصد بشاعة الحروب وتنتصر للقيم الإنسانية وتدعو للسلام بعد رد العدوان، وتقدم الروايات فى كثير من الأحيان تشريحا لمجتمعات إنسانية فى لحظات تحول شديدة القسوة.

ويعد الروس من أشهر الأدباء كتابة فى أدب الحروب، ربما لأن روسيا مرت بالكثير من الحروب سواء فى عهد دولة القياصرة، أو فى الحقبة السوفيتية، فروسيا على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت طرفا فى أكثر الحروب وحشية وعنفا، سواء الحروب النابليونية فى بدايات القرن التاسع عشر، أو حرب القرم فى منتصف القرن ذاته، ثم أزمات نهاية النظام القيصرى، والحرب العالمية الأولى (1914-1918)، ثم الثورة البلشفية والحرب الأهلية، وصولا إلى الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وما بعدها من حروب الاتحاد السوفيتى وصولا لحروب أفغانستان فى الثمانينيات ثم حرب الشيشان فى التسعينيات، لذا ليس غريبا أن تخرج أشهر روايات الحرب من روسيا، وربما تكون رواية "الحرب والسلم" لأديب روسيا الكبير ليو تولستوى، واحدة من أشهر نماذج روايات الحروب، إذ ترصد أحوال المجتمع الروسى إبان حملات نابليون على روسيا فى العقود الأولى من القرن التاسع عشر، لتكون النموذج الأبرز لروايات الحروب.

وقدم الروائى الروسى ميخائيل شولوخوف، الحائز على جائزة نوبل فى الأدب، رائعة روائية فى (الدون الهادئ) والمكونة من أربعة مجلدات، وتدور حول التحولات العميقة التى ضربت المجتمع الروسى إبان الحرب العالمية الأولى، وما جرّته من هزائم لروسيا دفعت الأمور للانفجار فى شكل ثورة أسقطت النظام القيصرى وصعدت بالبلاشفة إلى قمة السلطة، والحرب الأهلية التى شهدتها روسيا بين البلاشفة ومعارضيهم، ولم يعمد شولوخوف إلى الترويج للشيوعية بل عمل على تشريح المجتمع السوفيتى، والانحياز للمعاناة الإنسانية.

أما قمة أدب الحرب العالمى فنراها فى رواية "الثلج الحار" (1969)، للروائى الروسى يورى بونداريف، الذى شارك فى الحرب العالمية الثانية، وقدم فى روايته تفاصيل غير منشورة عن أشهر معارك الحرب العالمية الثانية؛ معركة ستالينجراد، والتى شهدت أول هزيمة ألمانية حاسمة وعكست مسار الحرب فى أوروبا، لكن بكلفة باهظة بشريا فى الجانب الروسي، وقدم بوندرايف روايته فى إطار يمزج بين اليوميات والسرد الروائي، لكن الأهم أنه خلص من تيار التضخيم والأساطير الذى شاع فى أدب الحروب الروسى فى الفترة السوفيتية، ما أكسب عمله الفذ والاستثنائى مكانة خاصة فى الأدب العالمى.

وتركت الكاتبة الأمريكية مارجريت ميتشل أشهر رواية عن الحرب الأهلية الأمريكية، فى عملها الروائى الشهير "ذهب مع الريح" (1936)، بينما كتب الروائى الأمريكى ويليام فوكنر "حكاية خرافية" (1954)، وتدور فى فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى، ويقدم فيها نقدا عنيفا لجرائم الحرب ووحشيتها، وهى روايته الثانية عن الحرب العالمية الأولى إذ سبق أن كتب رواية "راتب جندي"، التى تعكس أثر الحرب المدمر فيمن يشارك فيها، ويعد إرنست همنجواي، أشهر أديب أمريكى كتب فى أدب الحرب، إذ شارك فى الحرب العالمية الأولى، وشكلت تجربته المادة التى استقى منها مادة روايته الشهيرة "وداعًا للسلاح" (1929)، كما كتب "لمن تقرع الأجراس" (1948)، التى خرجت من رحم تغطيته الصحفية للحرب الأهلية الإسبانية.

فى مصر التى شهدت الكثير من الحروب فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ازدهر أدب الحروب، بداية من هزيمة يونيو 1967، وبحسب دراسة حمدى حسين (الرؤية السياسية فى الرواية الواقعية فى مصر 1956-1975)، اختلفت زوايا تناول الحدث، فبينما استوقفت لحظة الهزيمة كاتبين هما: يوسف القعيد فى روايته (الحداد)، وإبراهيم عبدالمجيد فى روايته (فى الصيف السابع والستين)، والقعيد وعبدالمجيد من أبناء جيل يونيو فكان وقع الهزيمة عليهما قاسيا إذ اعتبرا نفسيهما - ضمن أبناء جيلهما - أبناء الثورة، نجد أن عملين آخرين قد اهتما بالبحث عن أسبابها وهما: (أخبار عزبة المنيسي) للقعيد، و(زينب والعرش) لفتحى غانم، أما الآثار التى خلفتها الهزيمة فقد استأثرت باهتمام كل من نجيب محفوظ فى روايته (الحب تحت المطر)، وحسن محسب فى روايته (العطش).

وتلخصت رؤية كتاب الرواية من معاصرى الهزيمة وآثارها فى أن هزيمة يونيو كشفت الشعور بالضياع واليتم والعجز عن تجاوزها للعجز عن تحديد أسبابها، ثم محاولة البعض منهم كما فعل إبراهيم عبدالمجيد، إلى التصريح بأن غياب الديمقراطية السبب الحقيقى للهزيمة الساحقة، بينما رصد نجيب محفوظ آثار الهزيمة وكيف أنها أجبرت كل مصرى على الانكفاء على ذاته وأصيب بضعف الانتماء وعدم المبالاة كأثر سلبى للهزيمة، أما الرواية التى تحكى عن تجربة حرب يونيو 67 القاسية، فتظهر بوضوح فيما كتبه الروائى فؤاد حجازي، الذى عاش تجربة أسر قاسية، فى رواية (الأسرى يقيمون المتاريس)، التى عكست حجم الغضب الشعبى من الهزيمة والرغبة فى الثأر واسترداد الأرض المسلوبة، وهى الروح التى تجلت فى انتصار أكتوبر 1973 العظيم.

ومع بطولات المجند المصرى العظيم الذى حقق معجزة عبور القناة وهزيمة العدو الإسرائيلى، جاءت الروايات لتخلد لحظات البطولة، إذ تعد (أكتوبر حبي) 1974 لإبراهيم الخطيب، أول رواية عن حرب أكتوبر، وفيها يرصد عبر شخصية الصول رجب، تطور المجتمع المصرى واستعداده لخوض غمار المعركة، كمارد شق الأرض ليصنع ملحمة وقف أمامها العالم كله، أما رواية (الرصاصة لا تزال فى جيبي) 1977، لإحسان عبدالقدوس، فتعد أشهر نماذج روايات انتصارات أكتوبر، بداية من عنوان الرواية الذى جاء معبرا عن روح مصر التى لم تنكسر بعد هزيمة يونيو بل ظلت محتفظة بالسلاح وتنتظر لحظة الانتقام فى انتصار أكتوبر المجيد، ولدينا رواية ترقى إلى أن تكون وثيقة حية، وهى رواية (دوى الصمت) للواء علاء مصطفى، الذى شارك فى الحرب فكانت الرواية أقرب ما تكون للرواية التسجيلية لكنها مع ذلك لم تفقد متعتها أو تماسكها الروائي.

وبينما فضل يوسف السباعى التركيز على بطولات المصريين فى حرب الاستنزاف عبر عمله الروائى (العمر لحظة) كمقدمة أساسية لانتصارات أكتوبر، كتب يوسف القعيد رواية (الحرب فى بر مصر) 1978، والتى تدور عن الحرب لكنها تتخذ من الحرب العظيمة موقفا فلسفيا عميقا، حول كيف يدفع شباب هذا الوطن وخصوصا الفقراء الدماء مقابل الدفاع عن أرض الوطن، فى حين يجمع المكاسب مجموعة من اللصوص والمنتفعين الذين يتاجرون بدماء الجنود الأطهار، كما ألف فؤاد قنديل رواية (موسم العنف الجميل) 1987، التى تركز على تجربة تعرض الجنود للحصار من قبل العدو وكيفية تحقيقهم النصر عبر استعراض معاناة وجهاد عناصر من كتيبة الجنود الأبطال، ورصدت رواية (نوبة رجوع) 1982، لمحمود الورداني، بسالة الجندى المصرى ومصيره بعد انتهاء الحرب.

لكن يعد الروائى الكبير جمال الغيطاني، أهم من كتب فى أدب الحروب، إذ ترجم عمله الصحفى كمحرر عسكرى خلال حرب أكتوبر، إلى منتج أدبى ينبض بالحياة، فقد كتب رواية (الرفاعى)، وقصته القصيرة (حكايات الغريب)، وهى روايات تعكس بطولة المصريين فى صورة بطل واحد يعبر عن الروح الوطنية.