كنوز | عفوك أيتها الأرض

ميخائيل نعيمة
ميخائيل نعيمة

كان عليّ أن أنزع نعليّ، ولكنّنى خشيت على رجليّ من أنياب الصقيع، فعفوك أيّتها الأرض.. عفوك يا منبع الخير والطهر والقداسة.


أنتِ أكرم الأمّهات، ونحن أعقّ البنين، وأيّ الجود جودك؟ وأى الشحّ شحّنا؟ 


جودك جود القلب نقّته المحبّة وصوّنه الإيمان، وشحّنا شح العقل يحتلّه البغض، ويحميه الشكّ، ويقوده الخوف، ويحدوه الحذر، ولولا وجودك لما كان لنا وجود، ولولا شحّنا لكنّا ملائكة . 


تجودين عفو الخاطر وبكلّ ما لديك لكلّ ما عليك ومَن عليك، ولا نجود إلّا مكرهين، وإلّا بمقدار، وإلّا بحساب.


ويا ليت ما نجود به كان من خلقنا ومن صنع أيدينا، ولكنّه منك، ونحن إذ نمسكه عن المحتاجين إليه من بنيك إنّما نمسكه عنك، وذلك منتهَى البخل ونكران الجميل.


أمّاه، يا أقدس الأمّهات، ويا أخصب العذارى، ويا أحنّ الحاضنات، ويا مرضع النسر، والبعوضة، والأسد، والبنفسجة، والطود، والحصاة، والبحر والساقية، والنحلة، والثعبان، والخنفساء، والإنسان، هو ذا رضيع ما سَكِرَ بَعدُ بشىء سكره اليوم بجمالك وجودك ومحبّتك. 


فهو من أمّ رأسه حتى أخمصيه تسبحة لحنانك، وأنشودة لسخائك، وقربان لما على سطحك وما فى أحشائك من خلائق كلّها عجيب مثلما هو عجيب، وكلّها شريك له فى لحمك ودمك، وفى أنفاسك وأقداسك.


ها هنا على هذا البساط الأبيض يا أمّاه، على صدرك الرحب وفى نور هذه الشمس الحنون والسماء السمحاء وتحت أنظار هذه الجبال الحالمة بأقداس الحياة التى لا تموت أحسّ روحى وجسدى يتعانقان ويتآخيان مع كلّ ما عليك وفى أحشائك الخصبة وأجوائك الفسيحة من أرواح وأجساد.


ها هنا أريد أن أرفع صوتى صارخاً فى إخوانى الناس: 


هلمّوا يا ذوى الوجوه السود والحمر والصفر والسّمر والبيض. هلمّوا أيّها الرازحون تحت أوقار ما فى قلوبهم من حسد وحقد وضغينة. 


هلمّوا أيّها الغارقون فى رغوة المطامع والمشكلات. 


هلمّوا أيّها المحوّلون دسم الأرض سُمّاً، وجودها شحّاً، ومحبتها بغضاً. 


هلمّوا وانثروا على هذا البساط الأبيض كل ما فى قلوبكم من سود الضغائن والأحقاد والسموم والمطامع والمشكلات، لعلّكم إذ تبصرون سوادها تتنكّرون لها، ومن أنفسكم ومِن الأرض أمّكم تخجلون. 


ثم لعلّكم تتعلّمون من الأرض عن السكينة المبدعة والسخاء بغير مَنّ والمحبّة بغير حد وقيد كيف تكون، ولعلّكم إذ ذاك إلى رشدكم تثوبون.


>>>


الثلج من أكبر نعم السماء على الأرض.. فهو يستر عورات الأرض بستار فائق البياض. 


>>>


لن تبصر وجه ربك.. ولن تسمع صوته إلا إذا أفرغت عينيك من بشاعة هذا العالم وأذنيك عن ضجيجه.


من كتاب « النور والظلمة »

إقرأ أيضاً|نقيب الأشراف: رحمة الله للبشرية بأن بعث رسول يخرجهم من الظلمات إلى النور 

 

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي