فرصة تستغلها الجماعات المتطرفة للمزايدة والتجارة بالدين

التشكيك فى ثوابت الدين «طعنة» فى جهود تجديد الخطاب الدينى | تحقيق

انحـــــــــراف|  التشكيك  فى ثوابت الدين «طعنة» فى جهود تجديد الخطاب الدينى
انحـــــــــراف| التشكيك فى ثوابت الدين «طعنة» فى جهود تجديد الخطاب الدينى

خبراء: كارثة تهدد المجتمع.. وفاعلها يشعل الفتن

وسيلة لخلق التطرف الفكرى والإلحاد.. ولابد من تدخل قانونى

المعجزات الإلهية يتوقف عندها العقل.. وإنكارها ضرب فى صميم الدين
مسئولية الإعلام انتقاء المصادر المتخصصة فى أى مجال.. ويجب سرد المعلومات بأدلة

 

موجة من التصريحات المتضاربة والأحكام العشوائية بل والفتاوى الدينية، أثارت الجدل فى الشارع المصرى خلال الآونة الأخيرة، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعى بحالة سخط وغضب بعدما أطل بعض من غير المتخصصين للحديث عن ثوابت دينية فى عدد من وسائل الإعلام والتشكيك فى معتقدات راسخة بإجماع من جمهور الفقهاء، وأصبحت فتاواهم تخدم تيارات التطرف الفكرى على كافة أشكاله، تزيد المتشكك ضلالا، وتزيد المتشدد غلظة وجمودا، وفى ظل الجهود التى تبذلها الدولة لتجديد الخطاب الدينى بحيث يصبح أكثر تأثيرًا وتواكبًا مع العصر ويصير مناهضًا للفتاوى العشوائية والتطرف، تطل علينا بعض الفتاوى المتشككة من ألسنة غير المتخصصين والدارسين وليسوا بأهل دين مما يؤدى إلى تعطيل جانب كبير من الجهود المبذولة.. ومن هنا حرصت «الأخبار» على الحديث عن تأثير الفتاوى العشوائية والتشكيك فى ثوابت الدين من قبل غير المتخصصين على تجديد الخطاب الدينى وتعطيل تأثيره المنشود وآثاره على المجتمع والسلوكيات. 

شدد الرئيس عبد الفتاح السيسى، على أهمية هيئات الإفتاء فى نشر الفهم الواقعى لصحيح الدين ولتنقية الخطاب الدينى من الأفكار المغلوطة خاصة فى عصر التكنولوجيا وانتشار الفتاوى من غير المختصين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأصبح البعض يصدر أحكامًا وفتاوى بدون دراسة بل وبدون وعى بتأثير نشر هذا الحديث على الملأ، وبذل الأزهر الشريف وعلماؤه جهودًا ضخمة فى عملية تجديد الخطاب الديني، فقد تم إنشاء «مرصد الأزهر العالمى لمكافحة التَّطرف» باثنتى عشرة لغة؛ ليكون عين الأزهر النَّاظرة على العالم.

وكذلك إنشاء «مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية» باللغة العربية وعدد من اللغات منها: الإنجليزية والفرنسية والألمانية؛ للقضاء على فوضى الفتاوى، والرد الواعى والفورى على الفتاوى الشَّاذة والمُتطرفة، و«مركز الأزهر للتَّرجمة»؛ ليكون معنيًّا بترجمة الكتب التى من شأنها توضيح صورة الإسلام الحقيقية بإحدى عشرة لغة، وإرسالها إلى سفارات الدول الأجنبية والمنظمات الدولية فى مصر وخارجها.


بالإضافة لكل ذلك قام الأزهر بإرسال قوافل سلام دولية وبعثات أزهرية، وتطوير المناهج التعليمية الأزهريةـ وإنشاء «أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ والمُفتين المصريين والوافدين»، بالإضافة إلى تأسيس «مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية».

وهناك مشروعات أخرى وجهود مبذولة فى سبيل التصدى للفتاوى العشوائية وتجديد الخطاب بشكل يتناسب مع العصر.
تعديلات قانونية
ورغم كل ذلك لا يزال البعض مصمما على إبداء آرائه فى الأمور الدينية دون دراسة ووعى بتأثير حديثه سواء كان على السوشيال ميديا أو أى وسيلة إعلامية، ولذلك وافقت لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب برئاسة الدكتور على جمعة، رئيس اللجنة، مبدئيًا على مشروع القانون المقدم من النائب طارق رضوان.

رئيس لجنة حقوق الإنسان، و60 نائبًا، بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 51 لسنة 2014، بشأن تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها..

وتنص المادة 2 على أنه لا يجوز لغير المعينين المتخصصين أو المرخص لهم من غير المعينين من خريجى الأزهر والعاملين به من الأئمة بالأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف والإفتاء المصرح لهم، ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها.

والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة، أو الإلكترونية، ويصدر بالتصريح قرار من مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف حسب الأحوال، ولا يجوز الترخيص لغيرهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها.

والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة، أو الإلكترونية، أما المادة 5 وفقا للمشروع فتنص على أن يعاقب بالسجن المشدد، مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد والأماكن العامة ودور المناسبات وما فى حكمها والتحدث فى الشأن الدينى بوسائل الإعلام بدون تصريح أو ترخيص، وذلك بعد تعديل المواد 1، 2، 5.


إثارة للفتنة
يعلق د. عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن حديث غير المتخصصين فى الدين يشكل خطرا كبيرا، فالأمر وصل للتشكيك فى العقائد الدينية وتكذيبها، وهو ما يعد إثارة للفتنة وتعطيل لمسارات تجديد الخطاب الديني.


ويشدد فى حديثه لـ «الأخبار» أنه على كل شخص التحدث فيما تخصص فيه، فعلى سبيل المثال لا يمكن لطبيب أن يفتى فى الأمور الهندسية وتشييد العقارات، وأخطرها التحدث بجهل ومحاولة إلقاء الغبار على العقائد والثوابت الدينية بهدف خلق إثارة وجدل، ومن يفعل ذلك يعد باعثا للفتن ويهدد الأمن الاجتماعى ويساعد على خلق التطرف الفكري، لذلك لابد من التدخل القانونى ومراجعة هذه الأقاويل الخاطئة.


ويتابع أن هناك قضايا تتصل بالوحى الإلهى لا يمكن التشكيك بها، مثل المعراج، فهى أمور ثبتت فى القرآن الكريم والسنة المطهرة، وتشمل حقائق مسلم بها والتشكيك فيها هو ضرب فى صميم الإسلام وإنكار لما أتى به الرسول، فكيف نقبل بهذه الأمور أن تحدث فى مجتمعنا والتى من شأنها خلق نوع من التشويش الفكرى للمفاهيم الدينية السليمة.


ويؤكد أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن للعقل حدودا فيما يتعلق بأمور الدين والوحى السماوي، وإذا تحدثنا عن المعجزة الإلهية يتوقف عندها العقل، فهى أمور خارقة للعادة، وإلا كنا لنشكك فى معجزات الأنبياء مثل عصا سيدنا موسى أو النبى عيسى عندما كان يحيى الموتى، فهنا تنسب القوة إلى الله وليس الرسول.


قنبلة موقوتة
يقول د. جمال فرويز، خبير الطب النفسي، أن الفتاوى والأحكام التى تصدر من قبل غير متخصصين فى الدين هى بمثابة «كارثة» حقيقية وقنبلة موقوتة فى وجه المجتمع، لأن تلك الفتاوى تؤدى إلى تشكك فى الدين خاصة لدى المراهقين والشباب فى سن صغير وضعاف الإيمان، فيبدأون فى البحث بشكل غير علمى أو عشوائى فى قضايا دينية مما يؤدى إلى حالة من الضياع والتشكك بل وقد يصل إلى الإلحاد.


ويضيف فرويز أن تأثير الأحكام الدينية التى تصدر عمن هم ليسوا بأهل التخصص أو دون دراسة لها ضرر كبير فى تعطيل تجديد الخطاب الدينى المستنير الذى تسعى فيه الدولة المصرية، بل هناك من يؤمنون بأفكار تشككية أو إلحادية ويريدون فرضها عنوة على الجميع بل ويكونون أكثر شراسة من متطرفى الدين، فمتطرفو الإلحاد أكثر خطورة ولا تحكمهم أى ضوابط، والبعض منهم غير مقتنع بالرسائل التى يبذل كل الجهد من أجل نشرها لكن يفعل ذلك حتى يصبح «تريند» ويكسب المال.

ويؤدى كل ذلك إلى ضياع المجتمع بأسره، لذلك يجب على الأهالى غرس الدين وثوابته بشكل قوى وعلمى قائم على المنطق والعقل وأن الدين هو الذى ينظم العلاقات الاجتماعية بشكل سليم وآمن بين البشر ويضع ضوابط وحدود لابد من الالتزام بها حتى تستقيم الحياة حتى يستطيعوا مع الوقت التصدى لأى أفكار متشددة على أى شاكلة.


مسئولية كبيرة
أما د. ليلى عبد المجيد، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، فتؤكد أنه بشكل عام لا يجوز حديث أى شخص غير متخصص فى مجال ليس بمجاله، وهذه مسئولية كبيرة تقع على عاتق العاملين فى الوسائل الإعلامية المختلفة وكذلك الجهات الإدارية التابعة لها فلابد من انتقاء المصادر المتخصصة، والتحقق من المسمى الوظيفى للمصدر قبل نشر أى معلومة، فعلى سبيل المثال لا يجوز استضافة أى شخص للحديث عن موضوع طبى وهو ليس بطبيب وكذلك فى شتى المجالات التى إذا تحدث فيها من ليس بأهلها قد تكون نتائج ذلك خطرة على المجتمع وإثارة فتنة وحالة جدل، لا سيما ما يتم تناوله على وسائل التواصل الاجتماعى دون رقابة.


وأضافت عميد كلية الإعلام الأسبق، أنه يجب عدم الانسياق إلى أى منشور مكتوب على أى وسيلة خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، وتفنيد الحقائق والبحث جيدًا قبل تداولها، وكذلك مسئولية كبيرة وتعود إلى الضمير والمهنية للإعلامى والصحفى بأن ينقل المعلومة على لسان متخصص، ولا يصح استشارة من هم غير المتخصصين فى أى مجال يتم الحديث عنه، ولذلك يوجد التحقيق الصحفى والتحقيق التلفزيونى والذى يسير خلف أدلة وبراهين واثباتات وهو أساس العمل الإعلامى الذى يعتمد على الوقائع للوصول للحقيقة.


بلبلة اجتماعية
من جانبها تقول د. عبلة البدري، أستاذ علم الاجتماع، إن التحدث فى عقائد الدين والتشكيك بها يخلق نوعا من البلبلة الاجتماعية، ويضرب ثوابت المجتمع، محذرة من فتاوى غير المتخصصين فى الدين حتى إذا كانوا على درجة ثقافية كبيرة.


وتتابع أنه فى حال مناقشة موضوع دينى عبر وسائل الإعلام، يجب الاعتماد على علماء الدين لتفسيره بشكل سليم مبنى على أسس دينية غير مغلوطة، حتى لا تتداخل المفاهيم الخاطئة مع السليمة مما يؤدى إلى تشتت فكري.


وتؤكد أستاذ علم الاجتماع، أنه يجب أن تقوم الجهات المختصة بتفعيل الميثاق الأخلاقى فى الإعلام بضرورة عدم التشكيك فى ثوابت الدين عبر وسائل الإعلام المختلفة لما لها من آثار سلبية على المجتمع، والاستعانة بالمتخصصين فى حال مناقشة الأمور الدينية، لتجنب نشر أفكار جديدة غير صحيحة تحدث بلبلة.


وتختتم أن تكذيب الثوابت الدينية يؤدى بالبعض إلى فكرة الإلحاد أو زيادة الفكر المتطرف، نظرا لوجود فئة فى المجتمع ليست على القدر الكافى من المستوى التعليمى والثقافي، ولا يمكن بأى شكل محاولة تغيير ثوابت المجتمع.

اقرأ ايضا| الأزهر يستقبل الفوج السادس والعشرين لبرلمان الشباب