مشروع قانون لإعادة التوازن بين المالك والمستأجر فى قضايا الإيجار القديم

جار البحث عن حل يرضى المالك والمستأجر
جار البحث عن حل يرضى المالك والمستأجر

«الإيجار القديم».. ملف شائك ظل لعقود طويلة كالشوكة فى حلق كل من المالك والمستأجر، فتوالت الحكومات المصرية الواحدة تلو الأخرى دون أن تستطيع فتح حوار جاد بين الطرفين تنهى به هذه الأزمة أو حتى تصل لحل متوازن.. وخلال الآونة وبعدما أثار الرئيس عبد الفتاح السيسى أهمية قضية الإيجار القديم، عاد الأمل من جديد لأصحاب العقارات القديمة، تلتها أيضا تحركات مكثفة من الحكومة حتى صدق مجلس الوزراء على مشروع تعديلات قانون الإيجارات القديمة الخاص بالأماكن المؤجرة للأغراض غير السكنية، وعقبها تم فتح الحوار مع كافة الأطراف لمحاولة التوصل لحل متوازن فى الوحدات المؤجرة للأغراض السكنية.. وما بين مطالب المالك فى مشروعية استفادته من أملاكه، وبين مستأجر متمسك بحقه الأصيل، تفتح الأخبار هذا الملف لرصد ارآء كافة الأطراف لعلنا نصل لرؤية متوازنة. 

رئيس اتحاد المستأجرين:  نطالب بمعاملتنا بروح القانون.. ولجان تحديد القيمة القانونية هى الحل

 

الملاك: نحن أصحاب عمارات «على الورق» وحان وقت تحقيق عدالة التعاقد

النواب: طرد المستأجرين شائعات.. وتحرير العلاقة التعاقدية سيتم تدريجياً

ترتبط قضية الإيجار القديم» بملايين الأسر المصرية، فوفقا لآخر إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن مصر بها نحو 3 ملايين وحدة سكنية خاضعة لنظام الإيجار القديم، منها نحو 2.5 مليون وحدة لأغراض سكنية، ونحو نصف مليون للأغراض غير السكنية.

ومن إجمالى هذه الوحدات فهناك مليون وحدة غير مشغولة بواقع 867 ألف وحدة سكنية، وحوالى 400 ألف وحدة غير سكنية، وتقع أغلب هذه الوحدات فى مدن مصر القديمة، التى تعدت سعر الوحدة بها الآن ملايين الجنيهات، لكن لاتزال إيجاراتها عشرات الجنيهات.


تحرك سريع
كانت تحركات الحكومة المصرية فيما يخص الوحدات ذات الأغراض غير السكنية سريعا، فقد وافق مجلس الوزراء مؤخرا على مشروع تعديلات قانون الإيجارات القديمة الخاص بإيجار الأماكن للأغراض غير السكنية، ثم تم تحويل القانون إلى مجلس النواب للمناقشة.


وينص مشروع القانون على أن أحكامه تسرى على الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغـيـر غـرض السكني، وأن يـكـون إخلاء الأماكن المؤجرة خـلال مدة لا تتجـاوز خمس سنوات، وأن تكون القيمة الإيجارية القانونية خمسة أمثال القيمة القانونية السارية، وتزداد سنويا وبصفة دورية.

وأنه يلتزم المستأجر بإخلاء المكان المؤجر أو المالك فى اليـوم التالـى لانتهاء المدة المبينة، وفى حالة امتناع المستأجر عن ذلك يكون للمالك أو المؤجر أن يطلب من قاضى الأمور الوقتية بطرد الممتنع عن الإخلاء، دون الإخلال بـالحق فى التعويض إن كان له مقتضى.


أما عن الوحدات السكنية فقد أعلنت الحكومة رؤيتها عن ملف الإيجار القديم ونيتها لحل هذه المشكلة التاريخية المعقدة، كما أن اللجنة الحكومية البرلمانية المشكلة أعلنت حرصها على الخروج بتشريع يراعى فيه البعد الاجتماعى للمستأجرين.


ووسط تخوف المواطنين من عملية الطرد أو الإخلاء أكد رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى أن هناك فئات كثيرة فى الإيجارات القديمة غير قادرة، ولذلك ستتم معالجة القضية بحكمة ونقاش مجتمعى مع وضع ثوابت، كما أوضح أنه لابد من وجود فترة انتقالية كافية مع عمل برامج للفئات غير القادرة كبديل مؤمن للحصول على السكن البديل، وأنه إذا تم بدء التحرك فسيتم إنشاء صندوق لدعم هذا المشروع، ويتحمل جزءا من تكلفة الايجار الحقيقي، أو وحدة بديلة وآليات كثيرة أخرى.


مالك ومستأجر
على الجانب الآخر تواصلت الأخبار مع طرفى القضية لمعرفة آرائهم، فى البداية قابلنا عبد الوهاب مرسي، 55 عاما، قاطن فى شقة ايجار قديم فقال «الإيجار القديم كان هو ملاذ الأسر محدودة الدخل قديما، لكن الآن وبعدما اقتربت من المعاش يريدون أن يرفعوا القيمة الإيجارية، فكيف ذلك والآن لدى 3 من الأبناء ومرتب بالكاد يفى الإيجار واحتياجات المنزل، أعلم أنه من حق المالك أن يستفيد من املاكه، لكن لاذنب لنا فنحن أجرنا هذه الوحدات بموجب القانون، وإذا كان سيتم تعديله الآن فأطالب القيادة السياسية بأن تنظر لنا بروح القانون لأننا لن نستطيع دفع أى مبالغ إضافية».


ووافقته الرأى «عزة رمضان» ربة منزل قائلة «معاش جوزى ميخلنيش أعرف أدفع زيادة ولو مدفعتش هل هيطردونى من بيتى انا وبناتى« وأضافت «بلاش نيجى على الغلبان، ممكن يشوفوا مين مستواه مرتاح ومعاه شقق تانية ويطبقوا عليه القانون».


أما ناصر عبد الصبور، صاحب عقار سكنى قديم فيقول: «احنا أصحاب ملك على الورق أن عندى عمارة 6 أدوار ومش بحصل منها فى الشهر أكتر من ألف جنيه، يعنى أقل حتى من مرتب موظف غلبان، القانون دا هيرجع لينا حقوقنا والشقق اللى بقالها أكتر من 50 سنة متأجرة، بس طبعا المستأجرين دول عشرة عمر وأخواتنا لكن نتمنى نوصل لحل وسط ولا ضرر ولا ضرار».. من جانبه طالب رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، مصطفى عبد الرحمن، أن تكون أقل قيمة إيجارية فى الإيجار القديم للغرض السكنى 500 جنيه على أن تتدرج وفقا لموقع الوحدة السكنية، وأن تكون هناك مدة كحد أقصى 3 سنوات لتحديد القيمة السوقية الإيجارية كى يصل الإيجار للقيمة السوقية لكن دون طرد أو اخلاء للسكان.


استرجاع حق
توصلت الأخبار مع عدد من الخبراء للتعرف على أبعاد هذه القضية فأكد الدكتور أحمد البحيري، المستشار القانونى لجمعية المضارين من الإيجار القديم، أن مشروع  القانون الذى أعلنته الحكومة جاء  لحل أزمة ملاك الإيجار القديم بعد معاناة استمرت سنوات.

وأخير صرخات الملاك وصلت للمسئولين .. وأشار إلى أن القانون بمثابة استرجاع الحق للملاك وأن تحقيق جزء من مطالبهم ان تضمن لهم رفع قيمة الايجار لتكون حد ادنى 500 جنيه.

ويختلف تحديد الايجار من مكان الى اخر حسب الموقع السكني، موضحا أن الوحدات التجارية يتم تحرير أسعار الإيجار خلال عام، لأنه يبيع بسعر اليوم، لافتا إلى أن هناك وحدات يتم تأجيرها بـ 10 جنيهات والوحدات المجاورة لها بـ 50 ألف جنيه.


وأكد البحيرى أن مشروع القانون الذى قدمته الحكومة يفرق بين الوحدات التجارية المؤجرة للأشخاص الاعتبارية و الأخرى المؤجرة لأشخاص طبيعيين، و ان قانون الايجار القديم الذى وافقت عليه الحكومة ، وتم احالته لمجلس النواب، شمل تعديل الوحدات المؤجرة الى شخصيات اعتبارية وتشمل المقرات الحكومية ومقرات الأحزاب والذى يسمح بفترة انتقالية مدتها خمس سنوات مع زيادة قيمة الايجار تصل الى خمسة أضعاف وزيادة فى نسبة الايجار المدفوع سنويا بنسبة 15%.


كما نص التعدديل على حق المالك فى الإخلاء الفورى للوحدة المستأجرة بشخصية اعتبارية، اذا رفض المستأجر أى من البنود السابقة وفق حكم من المحكمة.


أما المهندس عمرو حجازي نائب رئيس جمعية المضارين من قانون الإيجار، فأوضح إن متوسط الحد الأقصى للإيجارات القديمة تبلغ نحو 70 جنيها، بالنسبة لـ «للخلو» وهو المقابل المادى الذى كان يتم دفعه للحصول على شقة إيجار قديم هو أمر تم وضعه على أنه جريمة نصب.


واشار إلى ان التقدم بمشروع قانون من جانب جمعية حقوق المضارين من قانون الإيجار القديم تقضى بوجود فترة انتقالية لمدة 3 سنوات للوحدات السكنية وسنة واحدة للوحدات الاعتبارية وهى فترة كافية لحل تلك الأزمة..

وأضاف أن قضية الإيجار القديم لا تتوقف عند القيمة الإيجارية، بل إن النقطة المحورية هى أننا نحتاج إلى إرادة المالك على أملاكه المؤجرة للغير، ويجب ألا يغفل أحد هذه النقطة، لافتًا إلى أن التجريد من الحق فى الملكية الخاصة ومنعك من أن تتحكم فى أملاكك هى مشكلة يجب حلها.

وهى أيضا مسألة غير دستورية ومنافية للدستور، موضحا أن الحكومة لن تقبل أن يشرد أى مالك مواطنا فى الشارع لذلك سيتم فحص المستأجر المتعسر فى دفع الايجار للمالك ويوغر صندوق الضريبة العقارية نسبة من الايجار لضمان حق المالك .


جدل كبير
على جانب آخر تواصلنا مع المحامى شريف الجعار، رئيس اتحاد مستأجرى مصر، فأكد أنه بالنسبة لمشروع قانون الأشخاص الاعتبارية فهو تصرف صحيح من قبل الحكومة لإن الشخص الاعتبارى ليس له وارث مما يهدر حق المالك لأجل غير مسمى، والدولة هنا أعادت الحق لأصحابة، أما الوحدات المؤجرة للغرض السكنى فأوضح أنه بها جدل كبير وتطبيق مبدأ تحديد مدة لخروج المستأجر سيؤدى لأضرار عدة.


وتساءل الجعار أنه كيف أحدد له مدة لأنهى فيها سكنه، وقد قضت له المحكمة الدستورية العليا من قبل المدة القانونية لسكنه وهى أن تمتد إلى الجيل الأول فقط  للمستأجر؟، أى أنها ليست توارث بل امتداد معلوم انتهاؤه إما بوفاة المستحقين أو بتركهم للوحدة، وبالطبع فإن الأحكام الدستوية ملزمة لكافة جهات الدولة والأشخاص.


وأشار إلى أن المالك استفاد مقابل هذه الوحدات منذ عقود أولا حينما أعفته الدولة من الضرائب العقارية ثم قدمت له دعم لأنها وحدات إيجار وليست تمليك، وحصل أيضا على قروض ميسرة للترميم، وحصل على خلو من المستأجر، وأخيرا حصل على إيجار أن يشكل رقما حقيقيا عند تحرير العقد، أى أنه لم يتم ظلمه.


على جانب آخر أكد الجعار أنه بالطبع هناك إيجارات متدنية، وهو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى لكن هناك من فسر حديثه بالخطأ، فهو أكد أن للمستأجر حق المكوث وفقا لحكم الدستورية حينما قال «من حقك تقعدى فيها»، وفى نفس الوقت أكد أن الإيجار متدنى حينما قال لها «لكن ال10 جنيه وال20 جنيه مينفعش»، وأكد أنه لن يستطيع توازن كامل بل نسبي.


لجان تحديد
وأكد الجعار أن رفع الأجرة يحتاج لاستفاضة وبحث شديد لتحديد القيمة القانونية للإيجار، فإن القيمة السوقية لاتصلح فى هذه الحالة، وهذا لابد أن يتم من خلال لجان تحديد أجرة وهى صادر لها حكم بدستوريتها، وتحدد هذه اللجان  آخر قيمة قانونية لربط الأجرة، وتضع آلية للزيادة، ثم تقسم  المناطق لشرائح لأنه لن تكون الأجرة فى الزمالك مثل بولاق مثلا.


وأشار إلى أن هناك حلا لابد أن تعيد الدولة التفكير فيه وهو حق أصيل للدولة المصرية هو «رفع الإعفاء الضريبي» وهو ما يوفر للدولة 10 مليارات جنيه سنويا، فتعود الدولة لجمع الضرائب من هذه العقارات والتى يطالب بدفعها المالك طالما سيتم زيادة الأجرة على الوحدات، خاصة وأنه انتفع كثيرا مقابل هذه الوحدات منذ بداية البناء من دعم وغيره.


وأنهى حديثه قائلا « لو جيت على المستأجر هينام فى الشارع لكن لو جيت على المالك مش هينام فى الشارع».


نقطة الخلاف
أما  المحامى محمد أسامة مستشار المستأجرين، أكد أن نقط الخلاف الأبدية بين المالك والمستأجر هى «القيمة الإيجارية» لذلك طرحت الدولة النقاشات المجتمعية حتى يتم التوصل إلى حالة من التوافق ترضى الطرفين .


وأوضح قائلا: «هذه القيمة الإيجارية للوحدات ذات الايجار القديم كان لها قيمة فى السوق فى وقت تحرير العقد بين المال والمستأجر، بل كانت تصل إلى ثلثى مرتب المستأجر هذا بجانب الخلوا أيضا، لكن اليوم وفى ظل هذه الظرف فالمستأجر لن يدفع القيمة السوقية لأنها لا تصلح واقعيا، فكيف لمواطن كان يدفع «10 أو 100 جنيه» أن يدفع الآن «ألف أو ألفين جنيه» فهو أمر غير منطقى تماما، خاصة أن معظم المستأجرين الآن فى سن المعاش». 


وأضاف أن احترام أحكام المحكمة الدستورية هو ما أكد عليه كافة الجهات سواء النواب أو غيرهم ، وما يعنى المواطن هنا أن القانون قديما كان يسمح بتأجير الوحدة حتى الجيل الرابع، ثم  تم اقتصاره على الجيل الأول من الزوج أو الزوجة او الأولاد أو الوالدين إذا ثبت إقامته مع المستأجر الأصلى عاما كاملا وهذا بحكم المحكمة الدستورية، والآن يمن بالطبع تعديل القانون  لكن لا يمكن تعديل حكم محكمة دستورية، وبالتالى فإن  تحديد مدة لإنهاء العقد لا يصلح.


وأشار أسامة أن الحل هو رفع القيمة الإيجارية بنسب محددة وواقعية وبالتدريج على الوحدات بشكل لا يظلم المستأجر أو المالك لكن دون تحديد مدة لتركه لسكنه.


مبدأ التدريج
أكد رئيس لجنة الإدارة المحلية، وعضو اللجنة الوطنية لتعديل قانون الإيجار القديم أحمد السجينى، أنه تم الاتفاق على أن المالك لابد أن يحصل على حقوقه فى الشخصيات الاعتبارية لغير السكنى، وأن يكون هناك تحرير للقيمة الإيجارية والعلاقة التعاقدية بعد عدد من السنوات، أما فى حالة السكنى؛ فهى مسألة تحتاج إلى رشد كبير.


وأضاف فى تصريحاته قائلا « نحن نريد إعطاء المالك حقه، ولكن فى الوقت ذاته لا يمكن أن يحدث ذلك بإجراءات خشنة أو عنيفة أو غير قانونية لكى يتم إخلاء الوحدات على سبيل المثال».


وأشار إلى أنه لابد من ترسيخ أهمية مبدأ التدريج فى تحرير العلاقة الإيجارية وليس التعاقدية بين المالك والمستأجر، وهناك فارق كبير بين الاثنين، فالأولى لا تتضمن وقوع أى ضرر على طرفى تلك العلاقة وإنما التوازن يستهدف تحقيق المصلحة المشتركة.

اقرأ ايضا | جمعية المضارين من الإيجار القديم: يوجد 3 ملايين وحدة سكنية بالقانون القديم