علاقات القاهرة تدعم قدرتها على خلق شراكة متزنة مع أوروبا

مصر حجر الزاوية فى علاقات الدول الكبرى مع أفريقيا

الرئيس عبدالفتاح السيسى يلقى كلمته فى المؤتمـــــــــر الصحفـى
الرئيس عبدالفتاح السيسى يلقى كلمته فى المؤتمـــــــــر الصحفـى

أحمد جمال

مكانة كبيرة حظيت بها مصر من خلال المشاركة الفاعلة للرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال القمة السادسة للمشاركة بين الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى التى عُقدت فى العاصمة البلجيكية بروكسل، وكذلك الحضور المصرى فى كافة الفعاليات التى عقدتها قوى إقليمية كبرى مع الاتحاد الأفريقى وهدفت لتعزيز التعاون المشترك فى مجالات مختلفة، وهو ما أكد أن القاهرة تمثل حجر الزاوية فى العلاقات بين القارة السمراء والدول الكبرى.

واجتمع قادة وكبار مسئولى حكومات أكثر مِن 50 دولة أعضاء فى الاتحادَيْن الأوروبى والأفريقى، فى قمّة أوروبية أفريقية بالعاصمة البلجيكية ابروكسلب، الخميس والجمعة الماضيين، لتجديد وتعميق الشراكة بين الاتحادين وإطلاق حزمة استثمار أفريقية أوروبية طموحة وبحث التحديات العالمية الراهنة. وتعقد القمة الأفريقية-الأوروبية السادسة هذا العام تحت عنوان: أفريقيا وأوروبا.. قارتان برؤيةٍ مشتركةٍ حتى 2030.

وشاركت مصر من قبل فى القمة الروسية الأفريقية خلال العام 2019 وكذلك القمة الصينية الأفريقية الاستثنائية المصغرة التى عُقدت بعد أشهر قليلة من انتشار فيروس كورونا على نطاق عالمى واسع فى العام 2020، إلى جانب أن كثيرا من قضايا القارة الأفريقية أضحت حاضرة فى الفعاليات واللقاءات الرسمية المصرية مع أطراف مختلفة، الأمر الذى كان مثار حديث مهم للرئيس السيسى عن حق أفريقيا فى التنمية، خلال انعقاد قمة اايجبسب قبل ساعات من سفره إلى بروكسل.

تمتلك مصر كافة المقومات التى تجعلها بوابة أوروبا نحو تعزيز حضورها الاقتصادى والتنموى فى أفريقيا، وكذلك فإنها لديها من العلاقات المتوازنة مع أطراف دولية عديدة ما يجعلها قادرة على أن تخلق شراكة متوازنة بين القارة السمراء وأوروبا، كما أن زيادة وتيرة التنسيق بين مصر وغالبية بلدان القارة الأفريقية وفق أسس الاحترام المتبادل يمهد للعب أدوار أكبر على المستوى التنموى والاقتصادى والأمنى أيضًا فى ظل الجهود المصرية لمكافحة الإرهاب الذى يسعى للتمدد فى بلدان أفريقية تتسم بحالة من الرخاوة الأمنية.

استطاعت مصر أن تبنى علاقاتها الإقليمية مع الدول الكبرى وفق مبادئ تبادل المنافع وهو أمر تسعى القارة الأفريقية للاستفادة منه فى علاقاتها المستقبلية مع أوروبا، وأن تجاوز أسس التعاون القائم على الاستعمار الغربى فى السابق للدول الأفريقية يجعل هناك تعويلا على الاستفادة من الخبرات المصرية فى هذا المجال، وكذلك توظيف النجاحات الاقتصادية التى حققتها الدولة المصرية تحديداً على مستوى تحقيق فائض من الغاز والكهرباء لنسج علاقات متوازنة مع أوروبا التى لديها مصالح عديدة فى أفريقيا وتنظر إليها باعتبارها كنزا استراتيجيا لها.

قال محمد الدابولى، الباحث فى الشأن الأفريقى: إن العلاقات بين مصر والعديد من الدول الأوروبية تولى اهتماماً بمسألة مكافحة الإرهاب فى أفريقيا وأن توطيد أطر الشراكة مع فرنسا التى تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبى تطرقت لإجراءات مكافحة الإرهاب فى دول الساحل والصحراء وذلك خلال عامى 2017 و2018، وهناك ثقة أوروبية فى أن مصر تستطيع أن تتعامل مع كثير من المشكلات التى تجابهها أفريقيا لعوامل التاريخ والجغرافيا والقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وأضاف أن مصر تشكل حجر الزاوية فى العلاقات الأفريقية العالمية كما وصفها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر- فى فلسفة الثورة- ببوابة أفريقيا الشمالية وعليها تتحمل القاهرة مسئوليتها السياسية والتاريخية إزاء قارتها، فخلال فترة الحرب الباردة كان لمصر دور فعال فى محاربة الاستعمار الجديد من خلال تجنيب أفريقيا سياسات الأحلاف الدولية، وفى الألفية الأخيرة وجدت القوى الكبرى فى أفريقيا ضالتها الاقتصادية باعتبارها سوقا كبيرة متنوعة بالبشر كما أنها مصدر هام للموارد الاقتصادية.

وأوضح أن الصين كانت أولى القوى الكبرى إدراكا لحجم القاهرة فى أفريقيا من خلال إنشاء شراكة أفريقية صينية محورها القاهرة التى احتضنت أولى المؤتمرات التأسيسية لتلك الشراكة وعلى ذات الدرب سارت روسيا مستغلة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى وعقدت القمة الروسية الأفريقية فى سوتشى ٢٠١٩.

وأكد السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، أن الحضور المصرى الفاعل فى القمة الأفريقية الأوروبية يعد أمراً طبيعياً لأن المنطقــة الأورومتوسطـية تعد إحدى دوائر التحرك المصرى، وكذلك الوضع بالنسبة القارة الأفريقية والمنطقة العربية، كما أن مصر لديها دور محورى فى كافة التحديات المطروحة على الساحة الأفريقية والتى جرى التطرق إليها فى القمة الأخيرة، وعلى رأسها ملف مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وكذلك الاضطرابات السياسية فى القارة وانعكاساتها على أوروبا مثلما الحال بالنسبة لما يجرى فى ليبيا والسودان والصومال وأثيوبيا ودول الساحل والقرن الأفريقى.

وعلى المستوى الاقتصادى، بحسب السفير صلاح حليمة، فإن خطوات التنمية المستدامة سواء المرتبطة بالأمم المتحدة وفق خطة 2030، أو على مستوى الاتحاد الأفريقى وفق خطة 2063 تلعب مصر بهما أدوارا مهمة وتعد ركيزة أساسية تخدم تحقيق مؤشرات إيجابية فى كلتا الخطتين.

وشدد على أن هناك رؤية مصرية أوروبية مشتركة بشأن مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية وأن هناك دعم مصر لأن تكون أولوية الجهود الأوروبية المقدمة لأفريقيا ترتبط بالصحة والتعليم ومواجهة جائحة كورونا عبر توفير التكنولوجيا المرتبطة بتوفير اللقاحات وتوفيرها لدول القارة السمراء، إلى جانب قضايا المناخ التى تأخذ اهتماماً مصرياً فاعلاً فى تلك الفترة تزامناً مع الاستعداد لاستقبال النسخة الـ٢٧ من قمة الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ، كما أنها تترأس االكوميساب بعد غياب ٢٠ عامًا، مما يتيح لها تحقيق مكاسب للقارة عمومًا بشكل أكثر ديناميكية.

وقال الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال مشاركته فى القمة، إن مصر استثمرت فى مجال تكنولوجيا تصنيع اللقاحات ودعم الدول الأفريقية لتوفير اللقاحات لمواطنيها، مؤكدًا أن مصر تعمل على إرساء شراكة مع المجتمع الدولى بمجال الرعاية الصحية، مضيفا: اأن الجائحة فاجأت العالم بأكمله والتحرك لها لم يكن سريعًا بالشكل المطلوبب.

وحول مساهمة مصر فى تحسين الوضع الوبائى فى القارة السمراء، أكد الرئيس سعى مصر إلى توفير التكنولوجيا المطلوبة لتصنيع اللقاحات فى أفريقيا؛ لتمكين دول القارة السمراء من تجاوز الأزمات الصحية، موضحا: اأن مصر استثمرت فى تكنولوجيا تصنيع اللقاحات ودعم الدول بالقارة السمراءب، وأعرب تقديره لاختيار مصر ضمن دول أفريقيا للحصول على تكنولوجيا صناعة اللقاحات.

وأكدت الدكتورة جيهان عبدالسلام، أستاذة الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، أن القمة تعد فرصةً فريدةً لإرساء أسس تجديد وتعميق الشراكة بين الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى مع أعلى مشاركة سياسية من قادة ورؤساء الحكومات من الجانبين، والقائمة على الثقة والفَهم الواضح للمصالح المشتركة، وتسعى إلى العمل مِن أجل توحيد الرّؤى بين القارة الأفريقية والقارة الأوروبية بوصفها الشّريك الأهمّ فى مختلف القضايا التنموية والاقتصادية، حيث ناقشت القمة الأوروبية-الأفريقية عددًا من الملفات؛ على رأسها: تمويل النمو، والنظم الصحية وإنتاج اللقاحات فى أعقاب جائحة كورونا، وكذلك الزراعة والتنمية المستدامة، والتعليم والثقافة والتدريب المهنى والهجرة والتنقل، ودعم القطاع الخاص والتكامل الاقتصادى، والسلام والأمن والحكم، انتهاءً بتغيُّر المناخ. 

وأوضحت أن مصر تقوم بدور الجسر بين القارتين فى القمة الأفريقية الأوروبية، بفضل التحركات الدولية والإقليمية للرئيس عبد الفتاح السيسى، خاصة أن مصر أول من احتضنت هذه القمة فى عام 2000 وقامت بتوفـــير آليــات التعــاون الأوروبـى الأفــريقى، وتوطــــــيد وتعمـــيق العـــلاقــــات الأفــريقــــية الأوروبية، كما بذلت جهودا كبرى فى ملفات التنمية فى أفريقيا، كما سبق أن أولت مصر اهتماما كبيرا بقضايا القارة منذ اللحظة الأولى لتولى الرئيس السيسى رئاسة الاتحاد الأفريقى عام 2019، حيث حملت مصر قضايا القارة ووضعتها على قائمة الاهتمام الإقليمى والدولى.

وأشارت إلى أن مصر دائما ما تلعب دوراً مؤثراً فى نقل رؤية وقضايا القارة الأفريقية ووضعها أمام القادة الأوروبيين، وأن ذلك كان حاضراً فى القمة الأخيرة التى جاءت فى توقيت شديد الأهمية حيث تواجه فيه القارة الأفريقية العديد من التحديات التنموية والاقتصادية والصحية، وأن مصر طالبت ببلورة رؤية مشتركة لدعم وتمويل القارة الأفريقية خلال فترة الجائحة، مع تسهيل النفاذ والتوزيع العادل لمختلف التقنيات المرتبطة بالجائحة، خاصةً ما يتعلق بإنتاج اللقاحات، كما أنها توافقت مع الصين على توطين صناعة الأمصال من أجل دعم قدراتها الصحية ومساندة القارة الأفريقية.

وأكدت أن مصر تولى اهتماماً بقضايا المناخ وتأثيراته السلبية التى تتضرر منها القارة الأفريقية وتدفع اقتصاداتها أكثر مما تدفعه الدول الصناعية المتقدمة التى هى المسئول الأول عن تلوث المناخ والانبعاثات الحرارية، بينما تدفع أفريقيا هذه التكلفة.