أحمد أبو دياب: كل ما حولنا يهمس بحكاية

أحمد أبو دياب: كل ما حولنا يهمس بحكاية
أحمد أبو دياب: كل ما حولنا يهمس بحكاية

عائشة المراغى
على بُعد كيلو متر – تقريبًا – من الجبل؛ وُلِد الكاتب الشاب أحمد أبو دياب عام 1994، فى قرية نقاده التابعة لمحافظة قنا إداريًا والأقرب لمحافظة الأقصر جغرافيًا، وهى حسب وصفه «بلد منسى، غير ممهد لأى شىء، ولا حتى السير».

نشأ أبو دياب وسط هذه البيئة الوعِرة فى كنف أسرة متوسطة بحسابات المادة والمجتمع، سافر والده للعمل خارج مصر كأغلب عائلات الصعيد آنذاك، وأفنت والدته نفسها فى أعمال المنزل، فتولى جده وجدته تربيته هو وأخوته الستة، وصارا له الأب والأم وذوى التأثير الأكبر فى تكوين شخصيته، لذلك لم يتحمل وفاة جده وهو فى المرحلة الثانوية، انهار نفسيًا وجسديًا، وبعدما كان من الأوائل على مدار سنوات دراسته ويطمح للالتحاق بكلية الطب، آلت به الظروف إلى ضياع سنة من عمره فى الفراغ وتخلُّفه عن دخول الامتحانات.

أندية الأدب أصبحت مفسدة إلا قليلًا وتحولت إلى مكان للتنازع على أمور وهمية.
أتطلع إلى أن يتم رفع سقف الحد الأدنى لمرتب منحة التفرغ لتتناسب مع معطيات الواقع المخيفة والظروف غير الملائمة.

أعتز بقريتى لكنها للأسف بلا روح والحداثة لم تمر منها يومًا.

التحق في العام التالي بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وهو ما فتح أمامه عالمًا مختلفًا فى الاطلاع والقراءة، ولأنه ينتمى إلى الصعيد الذى لازالت تسيطر عليه ثقافة العشيرة حتى الآن، وكل عائلة فيه تسلح نفسها بأفرادها ويكمن عتادها فى عدد من ينتمون إليها من أصحاب المناصب وخريجى الكليات العُليا تنسيقًا كالأطباء والمهندسين أو هيبة كالضباط والمستشارين؛ أراد بعد كبوته الدراسية أن يحفر لنفسه اسمًا ومكانة متفردة، متبعًا شغفه وموهبته هذه المرة.

تنقل أحمد أبو دياب بين مختلف الفنون الأدبية من شعر وقصة ومسرح وغيرها، وأصبحت «اللُغة» هى أداته للاطلاع والإبداع والعمل، سواء العربية أو الإنجليزية، إذ يعمل معلمًا للإنجليزية ومعدًا للبرامج فى إذاعة الصين الدولية، بالإضافة إلى إسهاماته فى الترجمة والتدقيق اللغوى وصنع المحتوى.

ومن منجزاته المنشورة حتى الآن مجموعتان قصصيتان صدرتا عام 2019 هما «التقاط الغياب» عن دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة فى دولة الإمارات العربية المتحدة.

وصدرت طبعتها الثانية فى معرض الكتاب الأخير، و«أفواه مفتوحة لا تبتسم» عن دار الكنزى للنشر، بالإضافة إلى مشاركته فى كتاب جماعى يضم نصوصًا مسرحية لكتّاب شباب من جنوب مصر بعنوان «خرّاط البنات» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2017. وله تحت الطبع عدد من المجموعات القصصية والمسرحيات من بينها «أكبر من الظل»، «رأس أوبرا وينفرى»، «انقلاب السلاحف على ظهرها»، «ثاقب النايات»، «خطوات على الغيم» وغيرها.

حصد أبو دياب عددًا من الجوائز المصرية والعربية، منها جائزة أحمد سخسوخ للتأليف المسرحى فئة نص المونودراما عام2020، المركز الثانى فى مهرجان أيام القاهرة الدولى للمونودراما بدورته الثالثة 2020، جائزة الشارقة للإبداع العربى (الإصدار الأول) فى مجال القصة القصيرة بالدورة الثانية والعشرين 2018/2019، جائزة إقليم جنوب الصعيد الثقافى من الهيئة العامة لقصور الثقافة 2017/2018 فى مجال القصة القصيرة، كما اختارته مؤسسة روبرت بوش الألمانية ضمن أفضل خمسة كتّاب قصة قصيرة على مستوى محافظات جنوب الصعيد 2018، إلى جانب فوزه بعدة مسابقات فى الشعر والقصة القصيرة على مستوى الجمهورية أثناء فترة دراسته الجامعية.

ومؤخرًا؛ حصل على منحة التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة فى مجال الآداب (فرع الرواية) لعام 2021/ 2022، ومنها يبدأ حوارنا معه حول مشاريعه الآنية والقادمة، وما سبقها من خطوات أوصلته إليها.


أهنئك لحصولك على منحة التفرغ؛ أخبرنى عن مدى إفادتها لك. 
منحة التفرغ فرصة جيدة لمواصلة المشوار الإبداعى دون قلق أو تذمر من أمور تطارد الكاتب، وأولها الالتزامات المادية، لذا أتطلع إلى أن يتم رفع سقف الحد الأدنى لمرتب المنحة، لتتناسب مع معطيات الواقع المخيفة والظروف غير الملائمة. 


إلى أى مدى عانيت من ذلك الواقع وظروفه غير الملائمة؟
البيئة المحيطة التى نشأتُ فيها فقيرة على كل المستويات، فرغم أننى فى مدينة إلا أن البلدة تتسم بالبدائية؛ ليس بها صرف صحى أو سكة حديد، ولا تحوى بقالة أو سينما أو ناديًا أو مكانًا يصلح للخروج، ولذلك كان اللجوء للكتب محاولة لخلق عالم خاص.


لا يعنى ذلك أننى لا أعتز ببلدى، على العكس، لكنها للأسف بلا روح، الحداثة لم تمر منها يومًا. ولعل الجملة الأكثر تعبيرًا عن ذلك هى ما قاله الشاعر عبيد عباس ذات مرة ونحن على المقهى بأن «الحياة فى الصعيد قُبح، والقُبح هو ما يدفع الناس إلى البحث عن الجمال».

هذا حقيقى تمامًا، فالإنسان إن وجد الجمال لن يحاول البحث عنه أو استدعاءه، وأنا بحثتُ عنه فى الكتابة.


هل يعنى ذلك أنك قد تهجر الصعيد يومًا وتستقر خارجه؟
لا أنكر أننى أفكر كثيرًا فى ذلك، رغم أننى تأقلمتُ على الحياة هنا دون أن أكتسب قسوتها، إلا أن الخصوصية منتهكة بشكل كبير، خاصة وأن الكثيرين يعرفوننى فى محيطى، وأنا انطوائى بعض الشىء رغم ما أبدو عليه خلاف ذلك، تقدير الناس يسعدنى بلا شك، لكنه أحيانًا يكون مزعجًا وضاغطًا، فأنا أريد أن أتلاشى وأتمزق.


فى هذه البيئة القاسية، كيف عرفت طريقك إلى القراءة والأدب؟
القراءة بدأت معى منذ سن مبكرة، حين دخلتُ المكتبة لأول مرة فى الصف الرابع الابتدائى. قرأتُ حينها قصص الجيب والمغامرون الخمسة، فأعجبنى الأمر وأدمنته.

اعتدتُ الذهاب للمكتبة فى حصة «الألعاب»، وحين أجدها مزدحمة أستعير الكتاب وأجلس به فى «الحوش» لقراءته، وكلما أقرأ يزداد نهمى. لم يكن يكفينى كتاب واحد فى اليوم.

وأمينة المكتبة كانت تعاملنى بودّ وتتساهل معى فى استعارة كتابين يوميًا، وأحيانًا ثلاثة؛ بين الحصص وفى «الفسحة».

وفى المرحلة الإعدادية تفاعلتُ بشكل أكبر مع المكتبة وبدأتُ أصطدم بكتب من الأدب العالمى المترجم للناشئة مثل «قصة مدينتين» و«العاصفة» و «نساء صغيرات» وإصدارات المكتبة الخضراء وعالم المعرفة، ثم إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار. 


ومتى خططتُ كتاباتك الأولى؟
خلال فترة المراهقة،حين مررتُ بتجربة حب مشتعلة. كنت أكتب ما أحسَّه فى هيئة شعر، دون أن أعرف شيئًا عن العروض أو الموسيقى الشعرية وغيرها.

انتقلت مع تلك الشخبطات للمرحلة الثانوية، ثم بدأتُ أذهب للقاهرة وأتردد على سوق الأزبكية، وفى نفس التوقيت صِرتُ أقرأ فى المكتبة العامة بشارعى.

كنت أقرأ للإمتاع، والكتابة مجرد بوح بما فى داخلى وتعبير عن الحالة الشعورية التى أعيشها.
بعد فترة من التعثر دراسيًا وحياتيًا التحقتُ بالجامعة، وانضممتُ لنادى الأدب فيها، بلجنة الشعر، بدأ شغفى بالقراءة يعود مرة أخرى، وبدأتُ أعرف الطريق الاحترافى إلى حد ما؛ أحضر فعاليات وأستمع للأصوات المختلفة وأتعرف على الناس، حتى نجحتُ فى فرض نفسى كشاب يتلمس طريقه. 


ألم تعرض كتاباتك للقراءة أو النشر فى تلك المرحلة؟
بلى. شاَركتُ فى مسابقة «إبداع 4»، تقدمتُ لاختبارات التأهل على مستوى الجامعة بقصيدة نثر، رغم أننى لم أكن أحبها أبدًا، لكن رأيى تغير تمامًا عندما سمعتُ الأستاذ فتحى عبد السميع فى إحدى ندواته.

وأخذتُ أقرأ بشكل مكثف عن عماد أبو صالح ومحمد الماغوط وغيرهم، حتى بدأتُ بنفسى وكتبتُ نصوصًا كتجربة، وأثناء انعقاد الاختبارات أشار علىّ صديق أن أكتب قصة قصيرة لأقضى أسبوعًا إضافيًا فى الإسكندرية خلال المسابقة، لأن تحكيم كل فرع يتم فى أسبوع مختلف، فكتبتُ قصتى الأولى. كان الأمر مجرد لهو، لكنى فوجئتُ بأننى لم أجتز مسابقة الشعر، بل حصلتُ على المركز الثانى فى القصة القصيرة وتأهلتُ لـ «إبداع 4»، حزنتُ جدًا لأننى لم أكن منتميًا للقصة إطلاقًا. 


فى «إبداع» لفت نظرهم لغتى وأشادت بها لجنة التحكيم، لكنى لم أفز وأنا ممتن لذلك، لأن الفوز كان سيجعلنى أتوقف وأعود لاستكمال تجربتى الشعرية، إلا أن الإشادة باللغة مع الإشارة إلى عيوب النص جعلنى أتحدى نفسى للتغلب على تلك المشكلات.

كتبتُ قصة ثانية، وثالثة نُشرت فى جريدة الأهرام عام 2016، وكانت تلك انطلاقة وحدثًا كبيرًا. بدأتُ أتوسع وأشعر بانجذاب نحو السرد بشكل أكبر، ووجدتُ أننى أذهب رويدًا إلى القصة فتركتُ نفسى، وصِرت أقدِّم نفس المضمون فى القصة بشكل أفضل من الشعر.


هل يمكن أن تعود للشعر مجددًا؟
ربما فى يوم ما، لا أعلم.الشعر هو المحرك لكل ما نكتب على اختلاف الأشكال والمشارب، لا أسمّى نفسى شاعرًا، ولكن أزعم أننى أعرف ما الشعر وما الشاعرية وأعدّ نفسى متذوقًا جيدًا للشعر بكل صنوفه، وما كتبته كان محض محاولات بسيطة لا تُذكر، ثم قفزت من طائرة الشعر وحلقت فى فضاء السرد، القصة حملتنى لحيث أريد، ولازلت أحلق.


الآن أنا مخلص لما يهيمن علىّ وأصدِّقه، ربما بعدما أنهى تحليقى وألامس الأرض بعد حين؛ عقب إكمال مشاريع معينة فى السرد، وقتها قد أعود وأنتسب ثانية كطالب فى فصل الشعر.


كيف بدأت مسيرتك مع النشر الاحترافى؟
حين انتهيتُ من كتابة مجموعتى القصصية الأولى «أفواه مفتوحة لا تبتسم» تقدمتُ بها إلى جائزة الشارقة، فحصلتُ على تنويه، تبعتُها بأخرى «التقاط الغياب» ففازت بجائزةالشارقة للإبداع العربى عام 2018.

وطُبعت فى الإمارات. التنويه ومن بعده الفوز بالجائزة فى العام اللاحق كانا بمثابة إشارة وعلامة مضيئة على الطريق ونتيجة لذلك تلقيتُ عروضًا لنشر المجموعة الأولى من عدة دور نشر قبل أن أنشرها فى دار الكنزى. اقتران اسمى بجائزة دولية عريقة مثل جائزة الشارقة، إضافة كبيرة، وخطوة مهمة فى تقديمى لقراء الوطن العربى والعالم، فالآن أنا أفخر بعدد غير قليل من القراء والأصدقاء من بلدان عربية من المحيط إلى الخليج كما يُقال، وبلدان أفريقية وأجنبية فيها من ينطق العربية.

وقصصى تم ترجمة بعضها للغة الإنجليزية فى مشاريع لطلاب دبلومات ترجمة متخصصة، وبعض منها تم تدريسها فى جامعات مصرية وعربية، وتم الاستعانة بها فى مشاريع تخرج لطلاب كليات أدبية عربية، ويتم تضمينها فى رسائل بحثية للماجستير والدكتوراه.


لكن النشر الأول لك لم يكن فى القصة القصيرة. أليس كذلك؟
بالفعل. درستُ مسرح فى الجامعة على مدار أربع سنوات، إبداعًا ونقدًا، وكان لدىّ قدرًا من المحبة تجاهه، فالتحقتُ بورشة مع مؤسسة «س» واستمررتُ للنهاية بمفردى بعد انسحاب بقية الأفراد، كتبتُ مسرحية نُشرت ضمن كتاب مجمع بعنوان «خراط البنات» صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

 


من واقع تجربتك مع نوادى الأدب فى محافظتك. ما تقييمك لها؟
ليس فى محافظتى فقط، لكن على مستوى الجمهورية عمومًا، فمن خلال رصدى لسنوات عديدة ومتابعتى المتأنية لمحافظات مختلفة وأجيال متعددة؛ رسخ لدىّ أن أندية الأدب أصبحت الآن مفسدة إلا قليلًا، وتحولت إلى مكان للتنازع على أمور وهمية كرئاسة أندية الأدب الفرعية والمركزية والترشح لمؤتمرات وزارة الثقافة، وكلها أمور أرى أنها معرقِلة فى مسيرة المبدع وتنقص من تجربته وتضر به، إذا ما انشغل بها عن القراءة والكتابة والتأمل والمعايشة.


وللأسف تحول النصح والتوجيه والدور الإرشادى الذى هو منوط به كل من الكبار وأصحاب التجارب الأسبق؛ إلى وصاية وكهنوت وتقسيمات وفرق وأحزاب، فعندما تدخل إلى نادى الأدب، عليك أن تتخير فريقك أولًا! لذا أطالب بإلغاء الفعاليات والندوات والمحاضرات لأنها دون جدوى وهدر للمال العام، وتوجيه كامل الطاقات إلى النشر وإعادة طبع الكتب المهمة بأسعار تناسب الظروف الراهنة، وذلك لإنزال القارئ والكاتب على حد سواء من مقصلة النشر الخاص.


فى الكثير من قصصك تبدو الأحداث بعيدة عن واقعك وكأنما ترتكز بشكل أكبر على القراءة والخيال، رغم أن معظم الأدباء يخشون الكتابة عما لا يعرفون. ألا تنتابك تلك المخاوف؟


أنا أخاف مما أعرفه أكثر، أنأى عنه فى الأغلب وأتردد فى كتابته، ربما ما لا أعرفه أكتشفه وأنا أكتبه بشكل جديد، فيكون ذلك أقرب لنفسى وأكثر تصديقًا وتجردًا.الواقع هو مرجع الخيال الأول مهما شطحنا نحن الكتاب، هو أشد خيالًا وأكثر تعقيدًا، فلولا أن رأينا القمر واقعًا، لما تخيل الإنسان الذهاب إليه يومًا ليكتشفه، والكاتب عليه أن ينصت جيدًا، لأن كل ما حولنا يهمس بحكاية.


الأطفال تيمة متواجدة دائمًا فى قصصك. هل لذلك علاقة بطفولتك أو بمشاعر تعود لتلك الفترة؟
الطفل الذى بداخلى لا ينفك يثأر منى وأنا بحسرة أستدرك الباقى منه، وتمنيتُ لو ظللتُ طفلًا على الدوام. لم تكن طفولتى ممتعة، فقد فاتنى الكثير والكثير، وإن قُدر لى يومًا ما أن أكتب عنى بشكل موسع، فسأتعرض لذلك باستفاضة. فالكتابة هى فيض من المشاعر بشكل ما، لذا أحتاج لطفل بداخلى دائمًا، طفل يفيض بكل شعور وإحساس يراوده، عفوى وصادق ومتهور أحيانًا، حتى لا أتوقف عن الكتابة.


ما سر اهتمامك بالكتابة عن الحروب؟ وهل يمكن ربط ذلك بوجود الثأر فى الصعيد – حيثما نشأت – وكذلك قُرب مسكنك من الجبل؟
الحرب هى خطيئة الإنسان الأبدية التى لن تغتفر، وكل حرب تحدث فهى بمثابة «reset» لمسيرة البشرية.
وُلدت وتربيت وأعيش فى صعيد مصر، بيئة خصبة للثأر، مزروعة بأرواح الأبرياء وغير الأبرياء، أهل البلدة والأغراب، والأرض عندنا فى قنا تحمل فى باطنها دماء جوفية لا مياه جوفية.أما الجبل فهو يسكننى ومفتون به، لو أمعنت النظر من شرفة بيتنا أراه يلوح لى بحياد، كأنه يدعونى للاقتراب، حتى أستبين ما يكون مع تلك التلويحة، أنا أشرد كثيرًا كسحابة نسيت كيف تمطر، روحى هائمة طوال الوقت كتائه فى الصحراء، والجبل موجود فى يومى بكل الأشكال، فمثلًا بلدى مدينة نقادة تم إنشاء مدينة جديدة على أطرافها تحت مسمى «مدينة نقادة الجديدة» مثل بقية المدن الجديدة على مستوى مصر، لكننا فى بلدنا مصرّون على تسمية «نقادة الجديدة» بـ«الجبل»، استنادًا لوجودها بالقرب من الجبل فى منطقة صحراوية نوعًا ما. لذا كل وسيلة مواصلات تذهب لنقادة الجديدة تنادى: «الجبل.. الجبل.. الجبل»، ولا نعلم أينا المنادى؛ نحن، أم الجبل الذى ينادينا الوقت كله.


بعض القصص تبدو وكأنها مترجمة من فرط غربيتها. هل يمكن أن يعود ذلك إلى طغيان الأدب العالمى على قراءاتك وتأثرك به؟ خاصة أنك تخرجت فى قسم اللغة الإنجليزية.


مررتُ على مدار أربعة أعوام بالأدب الإنجليزى إبداعًا ونقدًا، ولربما تحمل تجربتى تأثرًا به، لا أستطيع الحكم، فهذا يتذوقه القارئ، قد يكون ذلك متعمدًا لغرض يخدم النص، لكن عمومًا أنا أسعى إلى تقديم أدب إنسانى يتجاوز الحدود والحواجز والأعراق والبلدان، أخاطب الإنسان تحت كل سماء.

ولى قصص مكتوبة عن أحداث وأماكن أجنبية، وعلى الجانب الآخر هناك قصص بنت بيئتى وبلغة عربية خالصة، بعض منها فى أشكال وقوالب لغوية تراثية لا تجتمع أبدًا مع أشكال وحالات ولغة النصوص المترجمة، لذا أقول أن كل نص هو حالة تفرض نفسها، وتتطلب مستوى معينًا من اللغة وتقنية مناسبة.


كتبت القصة والمسرح والشعر. هل يمكن أن ننتظرك روائيًا فى القريب؟
نعم، هناك مشروع روائى مستقبلًا، سأشرع فى كتابته متى كنت راضيًا عما فى رأسى منه، وآمل أن يقابَل بترحاب، وأن يتقبلنى الناس روائيًا كما تم استحسان وجودى كقاص ومسرحى من قبل. ستكون رواية اجتماعية إنسانية، أحكى من خلالها عنى وعن بعض المحيطين بى، من خلال قالب درامى أقرب لليوميات.

وأحاول رصد بعض الظواهر والمشكلات، وكالعادة أجنح للحديث عن المنسى والمسكوت عنه والهامشى.


أى من تلك الفنون الأدبية هو الأقرب لروحك؟
كل ألوان الكتابة قريبة منى كقرب أسرتى إلىّ؛ فالشعر أبى الذى أنجبنى، والقصة أمى التى تعرفنى أكثر من نفسى، والرواية أختى وحبيبتى المتفردة، والمسرح أخى وشقيق روحى الذى لو حاولتُ أن أنفصل عنه لنادانى الدم وشدّتنى إليه الوشائج.


ما مشاريعك الحالية؟
هناك مشاريع فى القصة القصيرة قيد التجهيز والكتابة، وأكثر من نص مسرحى فى طور الإعداد والهيكلة، وكتابة الرواية تطاردنى منذ سنوات، ولكن لا بأس بقليل من التريث.فعادة لا أكتب نصًا قبل أن يختمر فى ذهنى بشكل كامل، وأصدقه كما أصدق أنى حى وأتنفس.

اقرأ ايضا | على بُعد كيلو متر – تقريبًا – من الجبل؛ وُلِد الكاتب الشاب أحمد أبو دياب عام 1994، فى قرية نقاده التابعة لمحافظة قنا إداريًا والأقرب لمحافظة الأقصر جغرافيًا، وهى حسب وصفه «بلد منسى، غير ممهد لأى شىء، ولا حتى السير».