سر «الأمل والعمل» وتفاصيل اللقاءات مع كلينتون ورؤساء ٢٢ دولة

ياسر رزق يكتب ...مع السيسي ... "في نيويورك ـ 2 "

فى القاعة المهيبة للجمعية العامة للأمم المتحدة المكسوة باللونين الذهبى والزيتونى، طالت كلمات رؤساء الدول من المتحدثين فى اجتماعات الدورة السبعين، عما كان مقدرا لها، وبدأت تصلنا- أعضاء الوفد الإعلامى المرافق للرئيس والجالسين فى شرفة القاعة التاريخية- رسائل على أجهزة المحمول، تستفسر عن سر تأخر الرئيس السيسى فى إلقاء كلمته.

وفى الساعة الخامسة مساء- الحادية عشرة بتوقيت القاهرة- ترك الرئيس مقعده فى رئاسة وفد مصر إلى خارج القاعة، ليدخل إليها من جديد طبقا للمراسم، ويجلس على مقعد عالى الظهر، يستمع إلى كلمة ترحيب وتقديم من رئيس الجمعية العامة.
15 دقيقة، استغرقتها كلمة الرئيس السيسى من منصة الجمعية العامة، التى شهدت كلمات ومواقف غيرت مسار العلاقات الدولية على مدى 70 عاما مضت.
قوبل الرئيس بترحيب لافت من الحضور من قادة الدول ورؤساء الوفود، منذ اعتلى المنصة وحتى أنهى كلمته بهتافه المحبب للمصريين: «تحيا مصر». لم يقتصر التصفيق الذى قوطعت به كلمة الرئيس أكثر من 10 مرات، على الوفد المصرى والوفود العربية، بل لوحظ أن وفودا لاتينية وأفريقية، وقفت تصفق بحرارة للرئيس، خاصة وهو يتحدث عن القضايا العربية وبالأخص قضية فلسطين. وضرورة قيام دولتها المستقلة على الأرض التى احتلت فى الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك وهو يتحدث عن قضية الإرهاب، مدافعا عن سماحة الإسلام فى مواجهة القلة التى تدعى أنها تحتكر التحدث باسم الدين.
< < <
كان أكثر من أثار اهتمام الحاضرين فى كلمة الرئيس هو مبادرته التى أطلقها باسم «الأمل والعمل» لاجتذاب طاقات الشباب الخلاقة فى دول العالم بعيدا عن أفكار التطرف، وتوظيف قدراتهم لبناء المستقبل.
منذ أسابيع اقترحت وزارة الخارجية على الرئيس السيسى، هذه الفكرة، ورحب بها ورأى أنها فرصة لبث الأمل فى نفوس الشباب، وعمل استباقى يقطع الطريق على تمدد تيارات الإرهاب فى المجتمعات.
كلف الرئيس فريقا لبلورة الفكرة فى مبادرة، لطرحها على الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل اعتبرت المبادرة وثيقة من وثائق المنظمة الدولية، تتولى تنفيذها المنظمات المعنية التابعة لها بالتعاون مع الدول الأعضاء.
والمنتظر أن تعلن آليات تنفيذ المبادرة وتمويل فعالياتها والبرامج الخاصة بها، مع انتخاب مصر عضوا غير دائم بمجلس الأمن وتوليها مقعدها بين الأعضاء الخمسة عشر فى مطلع العام الجديد.
< < <
زيارة الأيام الستة للرئيس السيسى إلى نيويورك هذا العام، كانت حافلة بالمؤتمرات والاجتماعات واللقاءات مع رؤساء الدول، وأشبه ما تكون بزيارة لعديد من الدول مضغوطة ومكثفة فى رحلة واحدة.
غير أن حضور الرئيس هذا العام تميز عن العام السابق الذى شهد إطلالته الأولى على المجتمع الدولى، من أكثر من زاوية، منها أنه شارك فى معظم المؤتمرات المهمة التى عقدت على هامش اجتماعات الجمعية العامة، فقد ترأس اجتماع رؤساء الدول الافريقية الخاص بالتغيرات المناخية، ومؤتمر التعاون بين دول الجنوب الذى دعت إليه الصين، وقمة مكافحة تنظيم داعش الذى دعت إليه الولايات المتحدة، والمؤتمر الخاص بجنوب السودان.
على أن أهم ما يميز حضور الرئيس هذا العام، هو ما بدا عليه من تمرس وخبرة، وما ظهر من نتائج رحلاته الخارجية خلال عام مضى شرقاً وغرباً، خاصة فى بناء علاقات شخصية وطيدة مع عديد من قادة الدول، أثمرت عن تعزيز علاقات التعاون بين بلادهم ومصر. وأيضا ثبوت سلامة رؤيته وتحذيراته من تفاقم ظاهرة الإرهاب ونشوء أزمة اللاجئين.
< < <
من بين ٢٢ لقاء قمة ثنائيه، عقدها الرئيس السيسى مع رؤساء دول يمثلون ٥ قارات، اكتسبت لقاءات اليومين الأخيرين أهمية إضافية، وبالأخص اللقاء مع الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند.
عندما دخل الرئيس القاعة الجانبية الصغيرة المخصصة للوفد الفرنسى، استقبله أولاند معانقا ومقبلا، واعتذر له مداعبا: لقد استقبلتنى فى قاعة ضخمة باحتفال قناة السويس، واسمح لى أن أقابلك فى هذه القاعة الصغيرة.
كان اللقاء وديا، وتناول قضايا الإقليم، والتعاون المصرى الفرنسى. وعبر السيسى عن شكره لأولاند فى إنهاء تعاقد مصر على حاملتى الهليكوبتر الفرنسيتين طراز «ميسترال»، اللتين تعتبران طفرة فى تسليح البحرية المصرية تمكنها من الدفاع والردع وحماية المصالح الحيوية المصرية على امتداد الإقليم.
وأبدى أولاند سعادته بتنظيم معرض الكنوز الأثرية المصرية الغارقة منذ ٣ أسابيع، وقال ان أولاده المغرمين بالحضارة المصرية وقفوا أكثر من ساعتين فى الطابور لدخول هذا المعرض.
وأنهى أولاند اللقاء مؤكدا انه سيطلب من الشركات الفرنسية تعاونا أكبر فى الاستثمار مع مصر، والمساهمة بشكل أوسع فى المشروعات المصرية الكبرى.
وفى اللقاء مع ماتيو رينزى رئيس الوزراء الإيطالى، هنأ رينزى الرئيس على حقل الغاز «شروق» الذى اكتشفته شركة «إينى» الإيطالية، مشيرا إلى انه أعطى توجيهات للشركة للعمل بكل نشاط فى تنمية الحقل. ثم قال للرئيس: أريد أن أسمع منك لما يحدث فى سوريا وليبيا، لأنى أثق فى رؤيتك وأقدرها.
وفى ختام اللقاء.. نظر رينزى إلى معاونيه وقال: الأولوية عندى، هى تقديم كل ما يمكن لدعم التنمية الاقتصادية فى مصر.
ومع مارك روتى رئيس وزراء هولندا التى اتخذت فى البداية موقفا سلبيا من ثورة ٣٠ يونيو.. قال الرئيس: ان عندنا تجربة ديمقراطية نحرص عليها، لكن لا تقيسوا هذه التجربة الوليدة بالمجتمعات الديمقراطية المستقرة، فأمامنا طريق طويل. لكن هدفنا واضح وهو بناء ديمقراطية حقيقية، ليس فيها فرض أو إملاء، ولا يوجد فيها رئيس يحكم أكثر من دورتين، وبها برلمان يمارس الرقابة وسلطة التشريع.
ورد رئيس الوزراء الهولندى: «ونحن ندعمكم من أجل مواصلة العمل والمضى على طريق الديمقراطية».
كالعادة.. كان لقاء الرئيس السيسى مع هايلى ماريام ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبى وديا. وحرص الرئيس على أن ينقل بهدوء ومودة رسالة حاسمة مؤداها ضرورة التحرك فى ملف دراسات سد النهضة وعدم التلكؤ.
ورد ديسالين قائلا: نحن ملتزمون وحريصون على علاقاتنا مع مصر، ولن ندع الخلاف بين المكتبين الاستشاريين الهولندى والفرنسى يؤثر علينا.
وأضاف: ان سبب التأخير هو تشكيل حكومة جديدة، بعد الانتخابات، ونحن ملتزمون بألا يستخدم سد النهضة فى أغراض سياسية ولا من أجل الإضرار بأحد، وإنما لمصلحة إثيوبيا ومصر والسودان.
وتم فى اللقاء الاتفاق على عقد اجتماع اللجنة الفنية المشتركة يوم ٥ أكتوبر، فور الانتهاء من تشكيل الحكومة الإثيوبية.
< < <
الجانب الأمريكى فى زيارة الرئيس لنيويورك، شمل لقاءات مع رؤساء صناديق الاستثمار والشركات الأمريكية العاملة فى مصر والراغبة فى الدخول للاستثمار، وصناع القرار من سياسيين ومفكرين ورؤساء مراكز بحوث، ولقاء منفرد مع الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون.
فى اللقاء مع الشركات الأمريكية.. أبدى رؤساؤها تقديراً لما جرى من اجراءات لتشجيع الاستثمارات فى مصر.
وقال ديفيد ماكلينان رئيس شركة «كارجيل»: إن لدينا مشاكل فى سعر صرف الدولار. ورد الرئيس قائلا: لابد أن تتفهموا ظروفنا، نحن نريد تعزيز النظام النقدى واحتياطى العملات. تحملوا معنا وأعتقد أن الأمور ستتحسن فى غضون أشهر معدودة.
وقال كيرت فيرجيوسون رئيس شركة كوكا كولا فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا: إننا سنتوسع فى استثماراتنا لنكون أكبر شركة للمياه الغازية فى مصر.
ورد عليه إندرا نويى رئيس شركة بيبسى العالمية قائلا: كوكا كولا لا تستطيع. نحن أقوى منها ونصدر منتجاتنا من مصر إلى ٥٠ دولة وسوف نزيد من استثماراتنا.
وضحك الحاضرون، وقال رئيس غرفة التجارة الأمريكية المصرية: «نحن لدينا بين الشركات الأمريكية.. أهلى وزمالك»!
وفى لقاء الرئيس بالمفكرين وصناع القرار.. تحدث هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق عن منظوره للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط، قائلا إن التعامل مع هذه الأزمات يتطلب رؤية إستراتيجية وأكد أكثر من مرة أهمية الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية المصرية الأمريكية وتعزيزها.
وقال النائب الديمقراطى عن ولاية نيويورك اليوت أنجل للرئيس بعدما استمع إليه: إننا نتمنى أن تأتى إلى واشنطن وتطرح رؤاك عن الإرهاب وقضايا المنطقة فى خطاب أمام الكونجرس.
أما فى اللقاء مع بيل كلينتون، فقد بدا الرئيس الأمريكى الأسبق، مهتما للغاية بالاستماع إلى رؤية الرئيس السيسى عن التطورات فى المنطقة، وقال له الرئيس: تذكر ما قلته لك فى لقائنا هنا العام الماضى. ورد كلينتون مؤكدا تأييده لمصر وموقفها، ومعبرا عن تقديره لدور الرئيس وقال إن الكل يعوِّل على دورك فى عملية السلام من أجل التوصل إلى تسوية سياسية. وأضاف كلينتون: اننى من مؤيديك، وسأنقل ما سمعت ورأيى فى ضرورة معاونة مصر إلى البيت الأبيض.
قبل أن يغادر الرئيس السيسى نيويورك.. حضر قمة مواجهة تنظيم داعش التى دعا إليها أوباما.
وحرص أوباما فى ختام كلمته، على أن يغادر المنصة وذهب لمصافحة الرئيس السيسى شاكرا له ما قاله من تصريحات وعبر عنه من مواقف فى أحاديثه للإعلام الأمريكى.
وسألت مصدرا رفيع المستوى فى ختام الزيارة عما تردد عن وجود فتور فى العلاقات المصرية الأمريكية.. قال بوضوح: على العكس. العلاقات تشهد تطوراً مطرداً. وهناك حرص متبادل على الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين ودفعها قدماً.