اللاجئون.. الموت فى الحرب أو بالبرد

اللاجئون
اللاجئون

خالد حمزة

عاصفة نورما بلغت ذروتها فى لبنان وما حولها، وكانت مخيمات السوريين الأكثر تضررًا، حيث دفنت المخيمات بالثلوج، ومات العشرات أغلبهم من الأطفال والشيوخ والنساء، والذين حالفهم الحظ نُقلوا من خيامهم التى باتت غير صالحة للآدميين إلى المساجد والمدارس أو إلى منازل أقارب وجيران، أما فى الشمال السورى وعند الحدود مع تركيا وفى الأردن، وفى بعض المناطق الأوروبية، فحدث ولا حرج، عن الموت بالنار  والصقيع وسط صمت دولى، مع أن الموعد مع الصقيع، معلوم فى هذا الوقت من كل عام!

وفى تلك البلدان، لم يكن الحديث يجرى إلا عن المشاهد المؤثرة والصور التى تدمى القلوب، لأطفال ماتوا تجمدا بالمخيمات، وكانت أقسى الصور لـ15 طفلا ماتوا فى مخيمات الشمال السورى، متجمدين من الصقيع، وكان أكثرها إيلاما لطفل يحمله والده على ذراعيه لتوديعه إلى قبره.

تلك المشاهد لم تكن الأولى فى سوريا، فمنذ 3 سنوات توفى 15 طفلا لاجئا بسبب الصقيع وموجة البرودة الشديدة، كان من  بينهم 13 لم يبلغوا العام، وأظهرت الصور المنطقة، وهى مكسوة بالكامل بالجليد، وتغطى مخيمات اللاجئين وملابسهم على الحبال، بعد غسلها من جانب الأمهات اللاتى لم يكن يعلمن، أنهن بذلك أزلن روائح أبنائهن منها، ولن يشموها أو يرتدوها مرة أخرى، كما تقول مراسلة أمريكية زارت المنطقة.

المشكلة، ليست فى هذه الأعداد فقط، التى تبرزها عدسات المصورين وتقارير المراسلين سنويا، فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تقول إن هناك أكثر من 5.6 ملايين سورى نزحوا من بلادهم منذ أكثر من 10 سنوات، نتيجة للحرب الدائرة هناك، واستقر معظمهم فى لبنان والأردن والعراق وتركيا، ومن حالفه قليل من الحظ، تمكن من التسلل إلى أوروبا وأمريكا، عن طريق تركيا واليونان، ورغم الأضرار الجسيمة التى خلفتها العاصفة الثلجية نورما، على أغلب اللبنانيين فى ممتلكاتهم الخاصة أو العامة، إلا أن الأنظار اتجهت إلى النازحين السوريين المقيمين، فى خيام ومنازل من الصفيح والبلاستيك، تفتقر لأبسط مقومات الصمود.

ومنذ 8 سنوات، تضرب العاصفة موعدا مع تلك المخيمات، وفى يناير من العام الماضى، لقى 12 سوريا بينهم 3 أطفال مصرعهم، بعد عاصفة ثلجية ضربت شرق لبنان أثناء محاولتهم التسلل إليها، ومنذ 7 سنوات قتل 5 لاجئين سوريين، بينهم 3 أطفال، أثناء عبورهم من بلدة بيت جن السورية فى ريف دمشق الحدودية مع لبنان، باتجاه بلدة شبعا الحدودية مع سوريا، وأصابت العاصفة الأخيرة عشرات مخيمات اللاجئين السوريين، فأغرقتها تحت الثلوج والأمطار والسيول، ولولا تدخل الصليب الأحمر الذى تولى نقل عدد كبير منهم للمخيمات البعيدة عن خطر السيول، وإلى بعض المدارس والجمعيات الخيرية، لوقعت كارثة.

مخيمات منطقة البقاع كانت الأكثر تضررا، التى تضم أكبر مخيم للاجئين السوريين بنحو 80 ألف لاجئ،، فقد غطت الثلوج الممرات بين الخيام، وبلغ سمك الثلج المتساقط نحو المتر، وانهارت معظمها، مع ندرة الغذاء والخبز، وأطلق اللاجئون نداءات استغاثة لإنقاذهم من الموت تجمدا وجوعا، ووصلت درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر، كما امتدت السيول الجارفة لتطال مناطق فى الشمال اللبنانى لأول مرة، وبالذات فى المخيمات.

وبحسب الإحصاءات الرسمية اللبنانية وإحصائيات مفوضية اللاجئين، فإنه يعيش على الأراضى اللبنانية نحو مليون و200 ألف لاجئ سورى، أغلبهم فى البقاع والشمال المجاور للحدود السورية، بالإضافة لأعداد قليلة منهم فى الجنوب، وتصنف الأمم المتحدة الحياة فى مخيمات لبنان، بأنها صراع يومى لكثير من اللاجئين السوريين، مع تدبير موارد الحياة الأساسية، ومع الطبيعة القاسية، ولا توجد فى المنطقة مخيمات رسمية للاجئين، ويعيش أكثر من مليون سورى مسجل فى أكثر من 2100 مجتمع وموقع فى كافة أنحاء البلاد حسب الأمم المتحدة، وغالبا ما يتقاسمون أماكن السكن الصغيرة مع عائلات لبنانية، ويعيشون فى داخل البلاد.

أما فى الأردن فيتركز اللاجئون فى مخيمى الزعترى والأزرق، وأغلبهم يعيشون تحت خط الفقر، وفــى مخــــيم الزعـــــترى، وللســنة التاسعة يمــر الشــتاء قــارســا علـى قرابة 80 ألف لاجئ، يرزحون تحت وطأة  الصقيع، وفى ظل نقص وسائل التدفئة، رغم أن وضعهم أفضل من لاجئى مخيم الركبان، لأن بيوت الزعترى كرفانات، فيما بيوت الركبان عبارة عن خيام، وداخل مخيم دير بلوط على الحدود السورية التركية، والذى يعيش فيه عشرات الآلاف، يعانى اللاجئون من نفس الوضع فى المخيمات الأخرى، وهو ما دعا مسئول إنسانى فى الأمم المتحدة إلى التحذير من أن ظروف الشتاء القاسية فى الشمال السورى، أدت إلى معاناة واسعة النطاق لملايين النازحين، وقال إنه خلال الطقس شديد البرودة، كانت هناك بعض مشاهد الرعب الحقيقية فى مخيمات اللاجئين، فحوالى 1000 خيمة إما انهارت تمامًا، أو تعرضت لأضرار بالغة نتيجة للثلوج الكثيفة، وأن درجات الحرارة انخفضت إلى أكثر من 7 درجات تحت الصفر، وتأثر حوالى 100000 شخص بالثلوج، بينما تضرر 150000 آخرين من التجمد والسيول، والأطفال وكبار السن والنساء والمعاقون، هم أكثر من يعانون، كما أن عددا كبيرا منهم، ينامون فى العراء ووسط الصقيع، وفى تلك المنطقة توفى ستة أطفال على الأقل بسبب البرد، وعُثر فى الثلج على أسرة توفّى جميع أفرادها، ومع امتلاء المخيمات، فتحت المساجد والمدارس أبوابها لإيواء النازحين، لكنها امتلأت عن آخرها. 

وتواجه مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجـــئين، صـــعـوبـة فـــى إيصــــال المســـــاعــــدات إلـــــى اللاجــــئـين السـوريين، خاصة فى مناطق الحـــــرب، أمـــا المهـاجـرين فى أوروبــا فــهــــم بين فكى كماشة االصقيع ومخيمات اللجوء.

أرسلوا أحذية لأطفال المخيمات كى تقيهم الصقيعب، هكذا غرد شخص على تويتر، يستغيث الجميع لإنقاذ سكان المخيمات، من موجة البرد القاتلة، فإلى جانب معاناة اللجوء، ومشقة السفر وعبور الحدود، والبحث عن حياة أفضل، يواجه المهاجرون فى أغلب البلدان الأوروبية، موجة الصقيع القطبية، وهم فى العراء أو فى مخيمات غير مجهزة، لمواجهة البرد، وفى مخيم موريا على جزيرة ليسبوس اليونانية، غطت الثلوج الخيام، وسط معاناة اللاجئين من التكدس ودرجات الحرارة، وبعد  إجبارهم على البقاء، وهو ما دعا المفوضية العليا لشئون اللاجئين الحكومات، لبذل المزيد من الجهود لمساعدة آلاف المهاجرين، الذين يقيمون فى العراء على المناطق الحدودية، مع ازدياد التقارير التى تتحدث عن تعرضهم للعنف وسوء المعاملة، ومصادرة متعلقاتهم الشخصية، وبضرورة تسريع عمليات نقلهم، وذلك وفق اتفاق تركى أوروبى، بإعادة اللاجئين والمهاجرين، الذين عبروا إلى اليونان بطريقة غير شرعية إلى تركيا، مقابل استقبال أوروبا لبعض اللاجئين السوريين، ومنح تركيا مزايا مالية، وتسريع محادثات عضويتها فى الاتحاد الأوروبى.

انتقال طالبى اللجوء إلى الشاطئ اليونانى، لا يتم قبل عملية التسجيل، التى غالبا ما يتم تأجيلها، لنقص أماكن الاستقبال، ما يؤدى ببعض الأشخاص إلى البقاء على الجزر لفترات، وسط أجواء قاتلة من اندلاع الحرائق المتعمدة فى المخيمات، لإجبارهم على التنقل، أو موجات الصقيع وتقول تقارير مفوضية اللاجئين إن بعض البلدان الأوروبية، تقوم بطرد المهاجرين، ودفعهم عبر حدودها إلى الدول المجاورة، وأن بعضهم تعرض للعنف من  الشرطة، والبعض الآخر تمت مصادرة ثيابهم، ورغم ذلك أعلن وزير الداخلية الفرنسى برونول رو، عن خطة لإيواء  اللاجئين ومكافحة الصقيع، والإبلاغ عن أى حالات معرضة للخطر، وأنه لن يبيت أحد فى الشارع، لا مشردين ولا مهاجرين.