إيمان البلطي
..دموع تنهمر دون توقف من أعين سيدة غلبتها الحسرة والحزن، فقدت ونيسها وشريك حياتها الذي اختارته في طرفة عين، ولما لا تحزن، فقد فُجعت بمقتل زوجها، وبات عليها الاستعداد لتقمص دور الأب في رحلة تربية ثلاثة صغار، لن يفطنوا بعد لفكرة «الموت» أو رحيل والدهم، فقط سيفتقدون من كان يعود كل يوم بعد عمله الشاق في الأرض ويغمرهم بعطفه. ليناموا بين أحضانه مُطمئنين. والآن .. لا نوم ولا اطمئنان.
«نورا رمضان محمد أبو حامد» من جزيرة الحجر التابعة لمركز الشهداء بالمنوفية، زوجة أخذ منها الزمن أكثر مما أعطاها، ترى الصبر في أعينها، وترى القوة في لسانها، وهى على صبرها وقوتها تتحمل ما لا يطيقه أحد. لكن لأنها تعي تمامًا أن صغارها عليهم أن لا يروا ضعفها، تقف صامدة صمود جبل لا تتزحزح، مع إن بداخلها بركان خامد.
رحلتها القاسية بدأت منذ مدة طويلة، ولم تكن منذ أن وصل إليها خبر مقتل زوجها فحسب، وحتى بعد أن علمت أن مقتله كان على يد شقيقه ونجل عمه، لم تنته تلك الرحلة، بل قل: إنها ما زالت بعد في بدايتها.
عندما تجرأ أخوة محمد على أن يفرقوا بينه وزوجته، تجرأ شقيق محمد على أن يقتله حتى يأنس هو بأرض أبيه، لأن والدهما كان يضع ثقته فيه وهو صاحب الـ ٣٢ عامًا، ولم يكن ليأمن في الصغير الطائش المتغطرس، الذي كان يرى الدم قبل أن يرى الرباط المقدس بينه و محمد شقيقه، لكن على ذلك كان لا يقدر على أن يهم لوحده في وجه، لأنه كان يعلم أنه على باطل، ومن على باطل عينه مكسورة. لذلك استعان بأحد أبناء عمومته، من هو على نفس شاكلته، وفيه نفس طباعه، وبدأت القصة.
غدر
منذ أن تزوج «محمد» من فتاه من المنوفية تتميز بالجمال والأدب والأخلاق الرفيعة، باعتباره أكبر ابناء أبيه عُمرًا، وكان الابن المطيع الهادئ لأبيه، ولثقة أبيه فيه وُكِل إليه العمل في زراعة فدان من الأرض، لأمانته فى حفظ كل شيء من جانب، ولتحمله المسئولية رغم صغر سنه من جانب آخر.
وقت أن تولى مباشرة المحصول وبيعه كان الأمر من جانب إخوته على عكس ما يرام، وكإخوة يوسف دبت الغيرة بينهما، وأخذوا يدبرون له المكيدة كما فعل إخوة يوسف، وكيف يبعدوه عن كل شيء، وأخذوا يبيتون النية للسوء واستعانوا فى ذلك بعمامهم لأنهم يعلمون أنهم الأكثر سيطرة على فكر والدهم، وأن كلامهم مصدق ومُجاب، فكانوا كل يوم ينتظرون الحجة لافتعال أي مشكلة.
أولى تلك المشاكل كانت مشاجرة افتعلوها هم وزيجاتهم، وقاموا على إثرها بالتعدي بالضرب على زوجة محمد، شقيقهم الأكبر، ونالها من الضرب المبرح ما لا يتحمله بشر، وتلقت منهم ضربات عرضت ذراعها الأيسر للكسر، وأصبحت لا تستطيع أن تحركه حتى الآن. وحتى بعدما أجرت عملية جراحية لتركيب «شرائح ومسامير» فلم تشف حتى اللحظة.
ومع نصح المحيطين بتقديم بلاغ بقسم الشرطة بما حدث، تقدمت ببلاغ ضد أهل زوجها، وهنا كانت أخذت المشاكل بعدًا آخر. فقد استطاع الأخوة أن يوغلوا صدر أبيهم ناحية زوجة ابنه الأكبر، قائلين له بأنها منذ أن وطأت قدماها أرض بيتهم تحاول أن تفرق بينه وبين إخوته، وها هي الآن بعد مشكلة صغيرة تود أن تسجنهم حتى يخلو لها الجو.
وعليه، صدقهم أبيهم فيما يزعمون، وكان معهم عندما هددوا زوجها بالتنازل عن المحضر، وتجمعوا عصبة عليه وطردوه من شقته بمنزل أبيه، وإذا لم يفعل ذلك سيكون جزاؤه القتل، وعندها وبكل طيبة واستسلام وخوفا على أسرته قرر ترك شقة الزوجية، بدون أخذ أو نقل مفروشاته، واتجه إلى المنوفية وجلس ٢٥ يومًا في بيت أسرة زوجته، تاركا شكواه إلى الله عز وجل.
بعد مرور أيام قليلة، كان محمد قد أخذ مستلزماته لزراعة الأرض لمحصول الفراولة من محلات بيع المستلزمات الزراعية، ولم يسدد ثمنها، فطالب أصحاب المحلات والده بالفلوس، فقال لهم اذهبوا إلى المنوفية وخذوها منه. وعلى الفور ذهبوا إلى المنوفية ولكنهم وجدوا أن حالة الزوج يرثي لها، فعادوا إلى قريتهم بعزبة الشهابى بقرية ابو الخاوي بالكوم حماده البحيرة، وابلغوا رئيس المجالس العرفية بما حدث، وعندها ألزموا والده بعمل مجلس عرفي لأخذ حق الناس، واضطر وقتها الأب بعودة ابنه لشقته بعد تسديد مستحقات الناس، وتم عمل مجلس عرفي فى منتصف شهر ديسمبر الماضى، وحكم المجلس العرفي على الطرفين بعدم التعرض لبعض وتم أخذ شيكات على الطرفين بذلك. وتم الاحتفاظ بهم عند رئيس المجلس العرفي.
الخوف من القتل
تحكي «نورا» لـ «أخبار الحوادث» التفاصيل بعد ذلك قائلة: «زوجى كان خائفا ليقتلوه، وظل يبات عند واحد من أصدقائه بعزبة قريبة من مسكنهم بمركز كوم حمادة، وتركني أنا وصغاري ببيت أهلي بالمنوفية، وبعدما اطمئن عاد زوجى لشقته فوجدها خالية على عروشها، منهوبة من كل شيء، حتى ملابس الأطفال الصغار لم تسلم، وتم تقطيع صور زوجى وصوري وأخذ ملابسي، وعندما علم أحد القائمين على الصُلح بذلك وعده بعد صفاء النفوس بجلب كل شيء نهب من الشقة ووافق زوجى وارتضى».
وأضافت: «كانت كل لحظة تمر علينا بعام كامل، فأنا أعلم أنهم جشعين ولا يلتزمون بعهد، وكلما اتصلت بزوجي لاطمئن عليه يقول لي لا تخافي لن يأذوني، أنا ابنهم وهل يعقل إنهم يقتلوا ابنهم، لكن بمجرد ما أن اطمأن قليلا، حتى أمسى يتسلل خفية إلى أرضه لمتابعة محصول الفراولة، الذي يعمل على جمعه حتى لا تفسد وتصبح غير مرغوبة للتجار، أما أنا فكنت اموت من الخوف والقلق كل يوم. وكنت على حق بخصوص هذا القلق، فقد وصلني بعد ذلك أن زوجي قد قتل».
واختتمت: «علم والد محمد بذهابه للحقل خفية بهدف جمع محصول الفراولة، فأخبر إخوته، وبدورهم أبلغا نجل عمهم، واستل الجميع اسلحتهم وأضمروا الشرّ في انفسهم، الأول ذهب في يده مِكشط الموز الحاد «مُسيّف»، والثاني جهز سلاحا آليا وحمله في جوال إلى الصوبا الزجاجية المتواجد بها زوجي، وهناك كسّروا دراجته النارية، ثم اعتديا عليه ضربًا سدد له الأول ضربة بالمِكشط على جبهة رأسه، والثاني فرّغ عدة رصاصات في جسده، وتركوه قتيلاً، حتى أغرقت دماؤه أرض الصوبا».
تهديد
عرفت الزوجة التى منعت أو بمعنى أدق خافت أن تحضر مراسم تشيع جثمان زوجها أنه تم إلقاء القبض على شقيقه، وفرار نجل عمه من قبضة الأمن، رغم أنه اشترك فى الجريمة، التقطت أنفاسها دقائق بعد انغماسها في البكاء والنحيب وقالت راجية: «أطالب بالقصاص وحق الأطفال اللي اتيتموا دول مش عايزين أكتر من الحق والقصاص لدم اللي مات واتقتل غدر بعد 7 أيام بس من جلسة الصلح».
كما ناشدت وكيل وزارة التربية والتعليم بالبحيرة بالموافقة على نقل طفلها الأكبر مروان لمدرسة بالمنوفية قريبة منهم، لأن الطفل بالصف الثاني الابتدائي ومتغيب من وقت الحادث لأنها لو ذهبت هناك فهي مهددة بالقتل، كما تناشد القضاء العادل بالقصاص لزوجها وتطالب بحق صغارها الشرعي في الميراث المحرومين منه، فقد هددها أهل زوجها بالتخلي والتنازل عن كل شيء وإلا ستلحق هى واخيها بزوجها.