قيامة مايكل جاكسون

قيامة مايكل جاكسون
قيامة مايكل جاكسون

جاء فى الصيف الماضى مطرب البوب العالمى مايكل جاكسون الذى فارق الحياة فى يونيو 2009 زارنى فى منزلى الواقع فى حى على مقربة من وسط المدينة. فى تلك الليلة امتلأ جوفى بعقار الـ «أميتريبتيلين» المضاد للاكتئاب الذى سبب لى بعض التقلصات المعوية التى بدأت من بدايات ذلك الأسبوع. قصة اكتئابى وإن كانت أشبه بشكل أكبر لمواجهة الماضى، كانت هى المحور الرئيسى الذى تدور حوله حياتى فى السنوات الأخيرة. فى محاولة من طبيبى لإعادتى لحالتى الطبيعية وأعيش كإنسان طبيعى مضاد للاكتئاب ثلاثى الحلقات وبالتحديد من عقار الــ «مابروتيلين»، لكن مع الأسف لم أشعر بأى تحسن هام أو اختلاف حتى الآن.


 أعمل فى شركة للاستطلاعات. أكره عملى وهو ما يثبت أنه لم يتبق فى عقلى الفقير سوى القليل من الخلايا. فى الثامنة صباحًا حتى الظهيرة أرتب نتائج أبحاث الشركة وهو عمل أوتوماتيكى فى منتهى الملل لكنه يعطينى حرية نوعية أن أعيش بلا قلق بشكل عام.

أريد من الآن ونحن ما زلنا فى البداية أن أوضح أنه بشكل عام أنا على ما يرام وأن المتحدث فى هذه اللحظة لا يعانى من الشيزوفرينيا يتحدث بلا منطق فقط ليحظى باهتمام الآخرين. إن مرضى النفسى هو مرض حضرى عصرى.

أريد أن أشرح لكم أن محاولات طبيبى فى العلاج وعمومًا سوء الحظ الذى أواجهه يجعلنى فى حالة توازن فيما يتعلق بالاكتئاب فقد أمنت على الجانب الآخر العيش مستوى معقول فيما يتعلق بالحياة اليومية. أعمل منذ ثلاث سنوات فى الشركة التى ذكرتها سابقًا، أى منذ أن انتقلت إلى العاصمة واستأجرت هذا المنزل اللطيف بالقرب من محطة السكك الحديدية.


لكن بشكل رسمى أنا شخص يعانى من العديد من المشكلات النفسية وهو الأمر الذى أؤكد عليه مع طبيبى أن هذه المشكلات تعود بالأساس إلى الظروف التى أعيشها ولا تندرج تحت عنوان الأمراض النفسية.

أى أننى أعانى من اكتئاب شرطى، هذا بعدما استوعبت كل ما يدور حولنا. باختصار، إن حالة الاكتئاب التى أعانى منها ترجع إلى اقتناعى الراسخ بأن الحياة ليست مشوقة كما يقدمونها لنا وكى أضيف رتوشى الشخصية، هى لا تحتمل فى الأصل، دعونا نتفق على هذا.

من تجرأ على الحديث عن مبدع كبير أو عن معجزة الكون؟ أنا لا أرى شيئًا مثيرًا على الإطلاق... اتفقنا، إن انسجام الطبيعى يعد مدهشًا فى حد ذاته، لكن لا يمكننى أن أعبر عن انبهارى بالأمور الأخرى وبخاصة لو ضربت مثالًا بنفسى.


 لكن على كلٍ أنا أعتبر نفسى محظوظًا فقد وجدت هذا المنزل فى منطقة لطيفة فى المدينة. ولو أن ضجيج السيارات يقطع أى نشاط يمكن أن يقوم به المرء فى ذلك الوقت، لحسن الحظ فللمنزل فناء لطيف محاط بسياج حتى الباب الخشبى تضربه الريح بعنف فى فصل الشتاء.

وحتى الحديقة التى زرعوا فيها زهورًا كثيرة حول شجرة البلوط العجوز التى توجد هنا على ما يبدو من سنوات كثيرة. الحديقة مزهرة وجميلة مثل جيرانى. لا يمكن أن أكون جاحدًا.

أنا محاط بأناس رائعين مدركين تمامًا لرغبتى العميقة فى العزلة ويحبوننى ويريدون أن يعتنوا بى وهو ما يحرمنى مؤقتًا من سعادة تحقيق هدفى ورغبتى الدفينة فى الحياة: الانتحار. 


أحد جيرانى الأقرباء هو السيد «مين»، شخص بدين جدًا فى الستين من عمره تقريبًا، أرمل منذ خمس سنوات، شخص ممل لكنه متفائل، بالرغم من ثقل وزنه وصعوبة حركته فهو ممتلئ بالسعادة والإلهام الذى لا ينتهى وهو الأمر الذى يثير إعجابى دائمًا عندما يزورنى فى المساءات لنحتسى القهوة. السيد «مين» بالرغم من أنه يصر على أن يصف لكل الناس القصة الحزينة لزوجته الحبيبة حتى صار الأمر اعتياديًا ومملًا إلا أنه شخص لطيف (هذا ما حدث: خرجت المرأة من المستشفى فى كامل صحتها بعد عملية جراحية معقدة، هى والسيد مين عادا لحياتهما بشكل عادى حتى الأسبوع التالى فقط من خروجها من المستشفى سقطت فى حفرة مجارى نسى عمال المحافظة تغطيتها.

منذ ذلك الحين والسيد مين فى نزاعات قضائية مع السلطة المحلية يحرر لهم المحاضر كل يوم تقريبًا)، يهتم لأمرى كأب ودائمًا ما يحاول أن يقنعنى أن أرى الحياة من وجهة نظر مختلفة وأغير أرائى فى الحياة وخططى المستقبلية.

جارى العزيز الآخر هو السيد جو، شاب وصل للمدينة فى خريف العام الماضى للدراسة واستأجر غرفة تقع بجوار منزلى بالضبط فى منزل كبير له فناء أكبر من فنائى.

وبه خمس غرف كبيرة ومستقلة لكنها تبقى مغلقة حيث إن صاحب المنزل يعيش خارج البلاد ويستأجر غرفة واحدة للمسكين جو. ربما يكون جو هو صديقى الوحيد. شخص عادى، ممّا يعنى أنه يمكن فى أى وقت أن يطرق بابى ونذهب معًا لنحتسى البيرة أو يأتى إلى منزلى لنشاهد فيلمًا فى التلفاز معًا.

هو ولد مهذب يدعنى أتكلم بالساعات عن حُلمى بالانتحار عندما يكون فى مزاج جيد يقترح بعض السبل التى غالبًا ما تكون أقل ألمًا. يمكن أن أقول إننى لو كان لدىّ ميل للعب دور أكبر فى هذا المجتمع الصغير كنت سأكون سعيدًا تقريبًا بما لدي: عملى المقرف، بيتى الحزين و جيرانى المساكين.


 كما ذكرت أعلاه، قد زارنى مايكل جاكسون. فى ذلك الصيف الحار الطويل كما هى أشهر الصيف. إلا أن تلك الليلة فى التاسع عشر من يوليو كانت باردة جدًا، كادت الرياح أن تكسر النافذة وقبل حلول منتصف الليل بقليل انهمر مطر غزير أصاب السكان بالشلل التام. أتذكر جيدًا ذلك المساء فى ذلك اليوم حيث زارنى السيد مين طالبًا منى أن أساعده فى صياغة شكوى نحو سلطات الحى من أجل موضوع زوجته.

جلسنا على الأريكة حتى انقلب الطقس فجأة وهكذا غادر السيد مين إلى بيته من أجل سلامته. تناولت عقاقيرى وحاولت النوم مبكرًا بطنى كانت تؤلمنى، لكن دون أى نتيجة، لم أكن أشعر بالتعب، وبينما كنت أتابع نشرة الأخبار جلست على مقعد بجوار النافذة ورحت أنظر للخارج. رياح شديدة شيطانية طمست صورة الحى وزخات المطر الشديد التى لم تتأخر فى الانفجار فبددت انسجام المكان. فى النهاية بقى منظر رمادى باهت وصارت الأجواء ثقيلة ورائحة المطر، اعتقد الجميع أن النوة قد مرت إذ أن الطقس صار معتدلًا وآمنًا، لكن قبل منتصف الليل انفكت عقد ضوئية سماوية كما لو أن أكياسًا عملاقة قد شقت من الغيوم وصار الماء ينهمر منها على الأرض بعنف دون رحمة فوق السكان المساكين الذين كانوا فى الشوارع غير مرتابين ولا متوقعين أن يحدث شيء كهذا فى ليلة صيفية خرجوا من بيوتهم ليستمتعوا بها. وكما لو أن المطر لم يكن كافيًا.

وهج البرق كان ينذر بليلة صعبة، بعد قليل توقفت أصوات القطارات التى ابتلعها صوت الهدير المخلص للطبيعة الهائجة، فلم يُسمع سوى صوت الرعد وأصوات العاصفة المدوية.


 عندما بدأت أشعر بالنعاس وقررت أن أستلقى قليلًا، سمعت صوت طرق على الباب. فى البداية لم أكن متأكدًا من مصدر الصوت ظننت أن هذا الطرق كان لعبة أخرى من ألعاب المطر على السقف الخشبى للمنزل.

وهكذا لم أعط أى اهتمام وأغلقت عينى. لكن بعد قليل صار صوت الطرق على الباب يُسمع على فترات واكتسبت حدته إيقاعًا منتظمًا وهكذا نهضت لأتأكد. كنت خائفًا جدًا، أين أختبئ، فلا يزورنى أحد أبدًا فى ذلك الوقت زيارات السيد مين وجو تحدث فى أوقات منتظمة أو، على أية حال، وإن لم تكن بهذا الشكل، ولو لم يحافظوا على مواعيد الزيارات، فقد استبعدت بالغريزة احتمال أن يكون أحد منهما هو الطارق. من ناحية سيفكر أحد، بما أن رغبتى جامحة لأن أترك هذا العالم، ففكرة هجوم شخص خطير على لقتلى ستكون مغرية، لكن هذا لم يكن حقيقيًا على الإطلاق، كنت أراه فى نفس كوميديًا تقريبًا، فلو أقدمت على الانتحار ونجحت فيه سأفعل هذا بكرامتى.

بالطبع كان من المنطقى أن أستنتج أن الأشرار لا يطرقون الأبواب إلا لو كانوا يراوغون، بالطبع، لكن حتى هذه الأفكار لم تلحق أن تشغل عقلى طويلًا، إذ إننى وصلت شيئًا فشيئًا نحو الباب وفتحته بحذر، كى أستطيع أن أخلق مساحة ضيقة كى أرى من مكانى. كان مايكل جاكسون. تعرفت عليه على الفور.

بدا تمامًا كما أتذكره، وكما أعتقد يتذكره الجميع من صوره وفيديوهاته المعروفة. أغرقه المطر تمامًا. دون أن يتحدث، أومأ لى بأن أسمح له بالدخول. لم أكن متأكدًا ماذا علىّ أن أفعل. نظرت إليه بريبة لبضع ثوانٍ حتى كسر الآخر الصمت.


«هل ستدعنى أمر؟ انظر إلى حالتى... سيتلف شعرى...»
 لم أرد، لكن ظننت أنه من الصواب ألا أتركه فى الخارج فى طقس كهذا.
 «تفضل...» قلت من بين أسنانى تقريبًا ثم فتحت الباب.
 بقفزة رشيقة وبرضا واضح لأنه نجا من المطر الغزير صار فى غرفة الجلوس.


 «انتظر حتى أحضر لك منشفة لتتجفف. ستبلل البيت كله بحالتك هذه!» قلت له، بينما أبحث عن منشفة كبير أعطيتها له عندما عدت إلى غرفة الجلوس. أخذها وعندما تجفف جيدًا أعادها لى وهو سعيد. «حسنًا، غادر الآن!» قلت له بعصبية واضحة، لكن الآخر ابتسم وارتسم على وجهه تعبير يقول، يبدو أنك قد جننت.


 «أين أذهب فى هذا الطقس؟ لا بد أنك تمزح بالطبع» قال بحزم وبصوت ثابت، ودون أن يستأذننى جلس على أحد المقاعد.
 جلست أمامه بشيء من العصبية إذ إن هذه الزيارة أبقتنى ساهرًا وأفسدت علىّ نومتى. نظر إلىّ بلا مبالاة، بمسحة من التعاطف علَّنى أقول، كما لو كان ينتظر منى شيئًا. فوجهت له الحديث. «ألست أنت مايكل؟»
 «نعم، أنا مايكل»، أجاب الإجابة المنتظرة وهو يعقد ذراعيه ويتفحص الصالون بدأب. كان يبدو هادئًا.
 «ألم تمت؟» سألته وأنا أعود بظهرى على المقعد لأستريح فى جلستى.
 لم يرد. 


«نعم، لقد مت، لا يمكن، لقد قرأت الخبر فى الصحيفة، وقد أذاع التلفاز الخبر مرارًا...»
 لم يبد أى تفاعل مع الحوار لن أدينه، إذ إننا لم نكن نتحدث عن أمر جديد أو مثير.


 «هل لديك أى طعام؟» سأل وهو يضم شفتيه بقوة، فعل غير مبرر إلا أنه يؤكد على شعوره بالجوع.
 نظرت إليه متفحصًا من أعلاه إلى أسفله.

كان يرتدى بنطلونًا جلديًا وحذاء عاليًا وقميصًا أبيض باهتًا. كان يبدو عليه الإرهاق، لم يكن يبدو فى أحسن حال، لكن التعب كان ظاهرًا بوضوح عليه. قمت وألقيت عليه نظرة ودودة أعجبته على مايبدو فابتسم.


«انتظر، سأحضر لك الطعام... قم واجلس على المائدة...» قلت له وأشرت له نحوها فى نهاية الغرفة.
 اختفيت فى المطبخ قليلًا ثم عدت ووضعت أمامه طبق لحم وخضراوات. فى البداية نظر إليه كما لو كان يبحث عن شيء بداخله لكنه لم يتأخر ليمسك بالشوكة والسكين ويبدأ فى الأكل.

كان يأكل فى صمت. جلست بجواره ورحت أنظر إليه من على مسافة أقرب. كان يشبه الطفل لم أكن أتوقع أبدًا أنه لطيف لهذه الدرجة.
 «هل يعجبك؟» سألته عندما انتهى من نصف الطبق.


 «نعم، إنه جيد جدًا، شكرًا...» قال بنفس التواضع فهرعت نحو المطبخ لأحضر له مشروبًا.
 فى الحقيقة كان يحتاج إلى الطعام، لأنه فور أن أكل بدا أكثر حيوية وكأنه استيقظ من سبات عميق. ذهبت أعد القهوة لفردين وعدت إلى غرفة الجلوس. غمرت رأسى آلاف الأسئلة لكن فى النهاية سيطر علىّ الصمت كما لو ابتلعت لسانى.
 «تفهم يا مايكل أننى أشعر باستغراب كبير من زيارتك هذه، أليس كذلك؟» قلت له فيما بعد.
 «لكن لماذا؟» سأل بصراحة ووضوح ونظرة مندهشة اعتلت وجهه.
 قاطعت رشفته للقهوة.


 «كيف يمكن ألا تفهم؟ كيف؟ هل تعتبر ما يحدث طبيعيًا؟» غطيت وجهى بكفى. كان ينظر لى فى عينى يحاول جاهدًا أن يدرك مشكلتى.
حسنًا، إن وجودك هنا هو شرف كبير، لكن، أريد أن أقول، إنه ربما... كان يجب ألَّا تكون هنا... تفهمنى، أليس كذلك؟»
 «لكن لماذا؟» استمر بنفس الدهشة والتساؤل الذى راح يكتسب براءة أكبر مع مرور الوقت.


 «قبل أى شيء، نحن لا نعرف بعضنا البعض. ما أقصده هو أننى أعرفك بالطبع، لكننا لسنا أصدقاء. لو لم تكن أنت... أنت، لما كنت فتحت لك الباب... ثم إنك ميت. كما أنه، ليس هناك سبب لوجودك هنا. قل لى على الأقل إنك تفهمنى، إنك تفهم ما أقوله، كى نستطيع أن نتفاهم».
 «أين سأنام؟»

 كان هذا هو رد الفعل الوحيد لما قلته.
أدركت أنه ليست هناك أرض ممهدة للحوار. ولكن، لم أستطع أن أغضب منه بأى شكل. أسلوبه، عيناه الواسعتان اللتان لا تشعان سوى الرقة، أقنعتنى بأن أتوقف عن الحديث وأعد له نومته.


فى البداية فكرت أن أعد له الأريكة، لكنه ضيفى وهو ليس سوى مايكل جاكسون. وهكذا، وبما أنه ليس لدىّ فراش آخر، أعطيته فراشى وذهبت للنوم على الأريكة.


نمت نومًا هادئًا. كما رأيت حلمًا وديعًا، أننى أغوص فى كثبان رملية مخروطية على جزيرة ميتافيزيقية ناعمة. كنت عاريًا وأصغر سنًا، وجسدى يتدحرج ويختفى فى الرمال الرطبة الباردة. كانت تجرى جداول بجوارى كانت تصب فى البحر الذى لم يبد واسعًا وخطيرًا لكن كان أشبه بمستوى مائى فى مكان غريب.

كنا قد وصلنا إلى هناك بقطار سفينة تحركت من الميناء الكبير بدا فى الحلم كأنه موقف تاكسى تتحرك منه القطارات السفن وتغادر كل نصف ساعة تقريبًا نحو هذه الوجهة الفردوسية.

إن كنت أتذكر جيدًا، لم تكن جزيرة بالضبط، لكن كانت جزيرة قرية، أو شىء يشبه هذا، بقعة جغرافية مباركة حركت مشاعرى بقوة.


 حين كنت نائمًا نسيت أن مايكل جاكسون فى غرفتى، لكنه أول ما جاء فى ذهنى عندما استيقظت عند السابعة صباحًا تقريبًا. كان الجو قد تحسن. ألقيت نظرة عابرة عبر النافذة: ظهرت الشمس من جديد فى موقعها فى السماء، عاصفة ليلة الأمس استغرقت وقتًا طويلًا. بخطوات مترددة وصلت إلى غرفتى وطرقت الباب برفق.

كان مستيقظًا وفتح لى على الفور. «صباح الخير!» قال لى بمزاج رائق وبدا عليه الارتياح، بالطبع بعد ليلة الأمس العصيبة. بدا شعره فى وضع أفضل وابتسامته تزين وجهه حتى ملابسه بدت أجمل عليه.


 «صباح الخير يا مايكل! تبدو لى على مايرام!» قلت له ودعوته إلى المطبخ حيث كنت أعد الإفطار.
 بعد أقل من ساعة كان يجب علىّ أن أكون على مكتبى، لكن ذلك اليوم كان حالة خاصة: كان يجب فى البداية أن أعرف ماذا سأفعل مع ضيفى. لم نتحدث مطلقًا طيلة الوقت الذى كنا فيه فى المطبخ.

كنا ننظر إلى بعضنا البعض بشيء من الارتباك، لحسن الحظ بنفس الود الذى كان فى لقائنا الأول ليلة أمس. أومأت له أن يتجه نحو الصالون حيث جلسنا لنتناول إفطارنا. كنت متأكدًا أننى سأبدأ الحديث لأنه لن يفتح فمه. كان مستغرقًا تمامًا فى طبقه حتى استلزم أن أصفق فى الهواء حتى ينتبه لى. تنحنحت قليلًا وبدأت الكلام بنبرة جادة.


 «انظر يا مايكل. أنت لست شخصًا غبيًا، لقد حققت الكثير والكثير فى حياتك. يجب أن تحاول أن تفهمنى. بالنسبة لى... وجودك هنا هو شيء مثير جدًا. الكثير من البشر يتمنون لو كانوا فى موضعى. فأنت مايكل جاكسون! أتفهم؟»


 «نعم، نعم»، قال وألقى نحوى نظرة مهدئة دون أن يتوقف عن الأكل.
 أكملت: «يجب أن نتحدث. لا أعرف كيف أتيت إلى هنا، ولماذا أتيت إلى... لم يكن لدى الوقت لأفكر. أريد أن تقول لى ماذا يحدث. على الأقل أن أعرف الحقيقة...»


حينها، وعندما فهم أننى بدأت أشعر بتوتر من غموض الموقف، اعتدل فى جلسته وحاول أن يقول شيئًا.
 «لا أدرى لماذا جئت إليك... حقيقة، أريد أن تصدقنى. غريزتى قادتنى إلى هنا... لا أريد أن أضغط عليك. هطل مطر غزير مع تلك العاصفة اللعينة بالأمس... لكن لو أن الأمر، لا عليك، سأغادر».


«لكن لا، لا، ليس الأمر هكذا!» قمت وصحت بشيء من الحدة. «أنت لا تضايقنى يا مايكل، أنا لم أعن هذا. لكن ألا أستحق مجرد تفسير؟ قلت لك من قبل. ألا تفهم أن هنا ليس هو مكانك الطبيعي؟»
 نظر إلى الأرض وخرجت منه تنهيدة. ثم قال بصوت يشوبه التردد:
 «نعم، أنا لست مجنونًا، أفهم... أفهم ما تقول. لابد أن لديك آلاف الأسئلة».
كنت قد جلست. الآن قام هو وراح يتجول حول الأريكة.


 «أريد أن أعيش، هذا هو كل الأمر... تقول دائمًا إننى مت. هه، وماذا حدث؟ الآن أنا هنا، فلما إذن نتحدث عن أمر آخر؟ إذا كنت لا تريدنى، سأجد مكانًا آخر أمكث فيه، لا أريدك أن تتضايق. لكن ببساطة اعتقدت أنك تريدنى هنا، فقد اخترتك أنت».


 لقد تحول إلى إنسان يتحدث بشيء من المنطق، حتى ولو كان هذا المنطق غريبًا عمَّا قد ينتظره أحد.
 «لماذا أنا يا مايكل؟ لماذا؟» سألته مجددًا، بتأكيد على السؤال وأنا أضغط بقوة كبيرة على زجاجة الحليب التى أمامى إلى الدرجة أن سال منها بعض الحليب على المنضدة.


 «أعتذر... لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال. قل إنك أنت من وقع عليك الاختيار...»
 مسح فتاتا علق على فمه ثم رفع كتفيه كما لو أراد أن يعبر عن صدق نيته بأنه فى الحقيقة لم يكن لديه الكثير ليقوله لى، أكثر مما قاله، أو أنه لا يعتزم أن يكشف لى شيئًا أو أنه يخفى شيئًا غامضًا مظلما فى أكمامه. تحدث مايكل بشكل واضح وصريح.

صدقته لأننى وثقت فيه أو ربما ببساطة لأننى أردت أن أصدقه. بمحض الغريزة، فى ذلك الوقت بالتحديد قررت ألا أضايقه بأسئلتى.

الآن، طرأ أمر آخر، يجب أن تحل بعض الأمور العملية المتعلقة بزيارته وإمكانية إقامته، كما يتوجب علىّ إيجاد وسيلة ذكية للعيش المشترك والتوازن فى علاقتنا. أول ما فعلت بعد حوارنا الوجيز هو أن أتصل بالشركة لأخبرهم بأننى مريض. بالطبع لم أستطع أن أذهب للعمل فى ذلك اليوم.

اقرأ ايضا | أربعة روائيين مصريين فى قائمة البوكر الطويلة