عاصم الدسوقى شيخ المؤرخين المصريين: «25 يناير» ليست ثورة

عاصم الدسوقى
عاصم الدسوقى

حسن حافظ

حلت الذكرى الحادية عشرة لثورة 25 يناير 2011، ومع الابتعاد بمسافة زمنية عن لهيب الأحداث ومعارك الثوار وسقوط النظام المباركي، والتداعيات التى عصفت بالبلاد والعباد، ومع تنسم ريح الاستقرار، بدأ عمل التاريخ فى تقييم حدث "25 يناير" الذى غيّر الكثير من الثوابت، وعبر بالمصريين محطات من التحولات العنيفة، فالحدث المؤسس لكل ما جرى بعده، يحتاج إلى قراءة تاريخية واعية، يحاول استنطاق الأحداث والوقائع لنفهم ما جرى، والمخاطر التي أحاطت بالدولة المصرية، وكيف خرجت مصر سليمة من محاولات بعض الجهات استغلال اينايرب فى تحقيق أهداف خبيثة لاختطاف الدولة مرة، ودفعها للفوضى مرات.

لتقييم ثورة25 يناير ذهبت آخرساعة إلى شيخ المؤرخين المصريين فى اللحظة الراهنة، الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، وأحد أهم المؤرخين فى المشهد المصرى الراهن، وهو فضلا عن قدراته الأكاديمية الرفيعة، ومنجزه العلمى المعترف به، يعد من شهود العيان الكبار على أحداث مصر الجسام، إذ عاش طفولته فى العصر الملكي، ودخل مرحلة الشباب مع ثورة 23 يوليو 1952، وأصبح من جيل يوليو الذى عاش الحلم الناصرى ببعده الاجتماعى والعروبي، ثم شهد الهزيمة فى يونيو 1967، ثم الانتصار فى أكتوبر 1973، كما شهد التحولات العميقة التى مر بها المجتمع المصرى خلال فترة حكم مبارك التى انتهت بأزمة اجتماعية واقتصادية وانسداد سياسى قاد إلى انفجار الوضع فى مشهد 25 يناير 2011، التى شاهدها الدسوقى بعين المؤرخ الحصيف الذى لا يتوقف عن تدوين الملاحظات وربط الأحداث بمحيطها الدولي، ومن هنا جاءت فرادة رؤيته التى لا ينقصها الجرأة والوضوح فى التعبير عن رؤية مؤرخنا.

 

فى البداية، وضح الدكتور الدسوقي، المعنى الاصطلاحى للثورة فى اللغات الأوروبية، أى اRevolution، بمعنى التغيير الشامل، إذ إن الكلمة مشتقة من جذر النبات، أى أن التغيير المقصود هو خلع الجذر من الأرض، والزراعة من الجديد، أما إذ كان الهدف هو تقليم الشجر، أى تبقى على النظام مع تغيير رأسه فقط، فهذا هو الإصلاح.

 

وأضاف الدسوقي: الموضوع ليس مجرد بلاغة لغوية لكى نقول عن (25 يناير) ثورة، لأن الثورة فى المصطلح تعنى قيام مجموعة ما بالانقلاب على السلطة القائمة، ثم الجلوس فى مقاعد السلطة، والبدء فى إجراء تغييرات التى تتفق مع مبادئهم، فى هذا المنعطف تصبح ثورة، لكن ما حدث فى يناير أن الذين قاموا بمظاهرات لم يصلوا إلى السلطة، لكن استخدام الثورة هنا أصبح تعبيرا لغويا عن حالة الهيجان الشعبي، هذه نقطة مبدئية، أما النقطة الأساسية هى أن الثورات فى مصر وتونس واليمن وسورية وليبيا، هى صناعة أمريكية فى الأساسب.

واسترجع الدسوقى بداية المخطط الأمريكى لإعادة هندسة المنطقة: امع انهيار الاتحاد السوفيتى فى العام 1991 وتفكيكه، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية شعار النظام العالمى الجديد، وغرض هذا النظام أن يصبح العالم تحت السيطرة الأمريكية، لكن كيف السبيل إلى هذا الغرض؟ لذا كان لابد من تغيير القيادات الوطنية فى مختلف بلدان العالم، واستبدالها بقيادات توافق على هذا المنحى الجديد، المشكلة كانت فى كيفية التنفيذ أو الحصول على وسيلة للتنفيذ، وهنا نجد أن الأمور بدأت فى 2001 بتهمة محاربة المجموعة التى هاجمت مبنى التجارة العالمي، وطبعا هذه (فبركة) أمريكية أخرى لاتخاذها سببا للهجوم على أفغانستان.

وتابع: اثم جاءت مرحلة تالية متقدمة فى عهد رئاسة بوش الثانية، عندما رفعت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس شعار الفوضى الخلاقة فى 2005، بمعنى أن بلاد الشرق الأوسط تدخل فى فوضى تأتى بحكومات إسلامية وليس حكومات وطنية، لأن الحكومة الإسلامية عندما تحكم ستبدأ فى تطبيق مبدأ الشريعة، وهنا يبدأ الحديث عن أهل الذمة ودفع الجزية، وتبدأ معها الحرب الأهلية، فتتدخل أمريكا لفض النزاع ولا تجد حلا إلا بإنشاء لكل أقلية دولة، وهذا هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو الشرق الأوسط العظيم، والذى يعتمد فكرة أن تكون دوله قائمة على أساس طائفى أو مذهبى أو عرقي، وبالتالى تضرب فكرة العروبة والوحدة العربية، المشكلة أن رؤساء الدول العربية لم يكونوا فى خصومة مع واشنطن، ولكنهم لن يقبلوا بتقسيم دولهم لذا كان التفكير فى التخلص منهم، فالخطة كانت تقسيم الدولة العربية الـ 22 إلى 73 دولة، ومصر وحدها مقسمة لخمس دول، لكن المحاولة فشلت فى مصر لأن الشعب المصرى يتميز بالتوحيد السياسى وحب الوطن بغض النظر عن اختلاف الأديان والأعراف.

 

وشدد الدسوقى على مشروعية الشعارات المرفوعة فى بداية أحداث يناير، إذ كانت تعبر عن غضب المصريين من النظام القائم، وهو ما تجلى فى شعار الثورة اعيش.. حرية.. عدالة اجتماعيةب، وأضاف: االمصرى كل ما يريده هو أن يضمن (لقمة العيش)، فنزول المصريين إلى الشارع كان لمطالب حقيقية فى البداية، لكن هناك من دخل فى المشهد واختطف الثورة، وهنا نقصد جماعة االإخوانب ومن معها كأداة أمريكية لتنفيذ مشروع تقسيم مصر، والذين رفعوا شعارات دينية، ومزايدات بالحديث عن دفع الجزية، فهم قفاز الأمريكان لتقسيم المنطقة كلها، حتى لو رجعنا إلى الأسباب المباشرة لاندلاع الأحداث فى تونس ومصر سنجد الكثير من الافتعال ودفع الأمور إلى الاشتعال، بما يؤكد وجود أيادٍ خفية.

ورغم اختطاف 25 يناير إلا أن الدكتور عاصم الدسوقى يرى أن ثورة 30 يونيوب نجحت فى إعادة الأمور لنصابها، قائلا: ا30 يونيو قامت لاسترداد 25 يناير، وضد حكم الإخوان ومحاولة الجماعة إغراق المجتمع فى الطائفية، ونجحت (30 يونيو) فى أن تعيد الأمور إلى نصابها، وإعادت الحكم للجميع، وأعادت مصر للجميع، كما نجحت فى تحقيق جزء كبير من المطالب الأساسية لثورة (25 يناير)، وتحديدا فى ملف تأمين (لقمة العيش)، وهو ما تجلى فى رفع الحد الأدنى للأجور، ورعاية الدولة لبند الرعاية الاجتماعية، وهو ما نراه فى خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى ومشروعه (حياة كريمة)، وهو ما يكشف معرفته بسبب المشكلة والعمل على حلها سواء فى القرى والعشوائيات التى تأنف أن تتجول فيها، وهى إنجازات مطمئنة للمستقبل، لكن شريطة الاستمرار فيها، بالتوازى مع السيطرة على جشع رأس المال لأن هذا هو أقصر طريق لتحقيق الراحة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية.

وحول المقارنة بين 23 يوليو 1952، و25 يناير/ 30 يونيو، أكد الدسوقى أن هناك وحدة فى الأهداف وليس فى الوسائل، بمعنى أن الأهداف واحدة وهى أساسا تحقيق العدالة الاجتماعية، وحماية الدولة سواء ضد الاحتلال البريطانى أو ضد المخططات الأمريكية الإخوانية، وهو اتضح فى قرارات يوليو بقوانين الإصلاح الزراعى المختلفة وتخفيض إيجارات المساكن ومنع الفصل التعسفي، وهو ما نرى ما يوازيه فى مشروع احياة كريمة، التى تعد الملمح الذى يجعلنا نقول على ا30 يونيوب ثورة حقيقية، لأننا بدأنا نأخذ من خلال هذا المشروع إجراءات لصالح الفلاحين والعمال والطبقات الفقيرة فى المجتمع.