إنها مصر

ياسر رزق.. المقاتل

كرم جبر
كرم جبر

آخر مرة قابلت فيها المرحوم ياسر رزق، كانت أثناء انعقاد مُنتدى شباب العالم، فى الصالة الكُبرى، وكان كعادته ممسكاً نوتة لا تفارقه أبداً، يكتب فيها مُتابعاته أولاً بأول.

تعانقنا وقلت له سنلتقى مساءً فى حفل الختام، ولكن شاءت الظروف ألا أقابله، وأبلغنى المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، أن ياسر كان موجوداً ولكنه كان تعبان جداً ويلتقط أنفاسه بصعوبة، وطلبوا له سيارة للذهاب إلى الفندق، ولكنه أصر على استكمال المناسبة.
ياسر ظل مُقاتلاً حتى النفس الأخير، لم يترك قلمه لحظة واحدة، ورغم ابتعاده عن المنصب فى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، إلا أنه ظل يكتب صفحته الشخصية كل يوم أحد، وظلت كتاباته تتمتع بالجاذبية والمتعة وكثير من المعلومات التى يصوغها فى أسلوب شائق.
ويبدو أنه كان يشعر بدنو الأجل، فأصدر كتابه الوثائقى "سنوات الخماسين"، وكان مثل حجر ثقيل ألقى به فى بحيرة راكدة، فحرك الذاكرة وأشعل اليقظة فى عقول وقلوب متابعيه، حول فترة من أخطر الفترات التى عاشها الوطن، وكان ياسر فى قلب الأحداث، شاهداً ومشاركاً ومتفاعلاً.
وكما يتمنى المرء أن يظل واقفاً على قدميه حتى الموت، كان ياسر كذلك، وظل يحمل قلمه متفاعلاً مع مجريات الأحداث لحظة بلحظة، وظل واقفاً على قدميه ويذهب هنا وهناك، فالصحافة بالنسبة له كانت عشقاً ووطناً ومأوى وملاذاً.
الكاتب لا يموت ويصنع الحياة لمن حوله، وهذا هو ياسر رزق، الذى تقلد عديداً من المناصب، فكان يضفى عليها شخصيته المتفاعلة، ويظل رقماً بارزاً فى كل مكان ذهب إليه.

سافرنا كثيراً فى رحلات خارجية، وكان يُضفى عليها مزيداً من الدفء والحميمية، حتى قبل عام 2011 عندما كنت أشغل منصب رئيس مجلس إدارة روزاليوسف وكان ياسر محرراً لرئاسة الجمهورية.
وأثناء رئاستى للهيئة الوطنية للصحافة، سافرنا عشرات المرات، وكان ياسر دائماً كعادته، يختفى لحظات ليعود حاملاً خبطة صحفية، سواء لقاءً أو خبراً أو انفراداً، وكان دءوباً ولا يترك فرصة منفرداً برؤيته الصحفية المتميزة.
كان خبر وفاته صدمة مُفاجئة، فياسر الذى كان معنا فى شرم الشيخ منذ أيام، وملأ الدنيا حيوية ونشاطاً عند إصدار كتابه الأخير، يموت فجأة فى خبر نزل علينا كالصاعقة.. كنا نعرف أنه مريض ولكن لم نتوقع أن يموت فجأة، وتعرض لانتكاسات صحية مُتكررة منذ إجراء عمليته الجراحية فى الرئتين، ولكنه كان يتمسك بالأمل ويعود إلى الحياة بسرعة، فلماذا اختار الرحيل فى المرة الأخيرة؟
 رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فقد كان كاتباً مرموقاً، صاحب رؤية وفكر وموقف، مات واقفاً على قدميه، حاملاً قلمه الذى لم يتركه أبداً.