يوميات الأخبار

المشـــــى فــــى الزمــــن

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«رأينا بيت حميدة الحقيقى وقهوة المعلم كرشة فى رواية أديبنا العظيم نجيب محفوظ»

ليس هناك أجمل من الحكاية كأسلوب لنقل المعلومة، فمن خلالها تخرج من صورتها الجافة المجردة من المشاعر الإنسانية، لتصبح مادة غنية يحكيها الراوى ببساطة وتشويق. هذا ما يفعله أستاذ محمود نبيل صاحب جروب «برسباى» على مواقع التواصل الذى تعرفت عليه مؤخرًا. صاحبه مهتم بالتراث المصرى، متبحر فى كنوزه. والأهم من هذا كله أنه يملك هو وفريقه نبلًا يجبرك على التوقف عنده بمزيد من الإعجاب والسعادة بوجود مثل هؤلاء الشخصيات بيننا، فى زمن عزت فيه القيمة، وندرت.

الجروب الذى اختار له أستاذ محمود اسم «برسباى» يدعو المهتمين بزيارة الأماكن التراثية فى القاهرة الكبرى إلى جولات يقودها بنفسه ويشرح للمجموعة التى تأتى إلى نقطة التقاء محددة وموعد متفق عليه سلفًا حكاية كل أثر ومعلومات محترمة وقيِّمة عنه. هذا العمل النبيل يقوم به بمساعدة مجموعة من أصدقائه بالمجان!.

دفعنى الفضول للانضمام للجولة التى تقرر انطلاقها الجمعة الماضية من أمام مسجد الحسين. وهناك ذهب كل من أعضاء المجموعة محملًا بتوقعات، خاصة أن معظم الناس لا يعرفون بعضهم ولا حتى أصحاب الجروب، إلا الذين قاموا بجولات سابقة معهم. بعد صلاة الجمعة بساعة تقريبًا بدأت الجولة، كنت وزوجى نترقب ما سيحدث، فلم يسبق لنا أن قمنا بشيء كهذا من قبل.

بدأ أستاذ محمود الشرح أمام مسجد الحسين، وحكى عن العاصمة فى مصر وكيف كانت الفسطاط، ثم العسكر، ثم القطائع، ثم القاهرة. وتوقف أمام فكرة أن العاصمة كانت تولى وجهها منذ البداية صوب الشمال الشرقى وشرح باستفاضة الفكرة من ذلك، وقال إن العاصمة الإدارية الجديدة أخذت نفس الاتجاه.
حكى ببساطة معلومات عن كل فترة عاشتها القاهرة الفاطمية، ثم القاهرة الخديوية، ثم تحركنا إلى حارة الصناديقية، وعرفنا حكاية الصندوق الكبير الذى كانت تذهب العرائس إلى تلك الحارة لكى تشتريه وتضع فيه الشوار أو الجهاز، ويختلف حجم ونوع الصندوق من مستوى مادى إلى آخر. ورأينا على ناصية الحارة سبيل «كوسة سنان» الذى كان يعمل «دفتردار» أى ما يقابل الآن وزير المالية. تمشينا فى حارة الصناديقية، لنلتقى وجهًا لوجه ببيت الجبرتى أهم المؤرخين فى عصر الحملة الفرنسية وفترة حكم محمد على للأسف الشرح تم داخل البيت الذى تحول الآن إلى مستودع لبيع السجائر و معسل الشيشة وصناديق المياه المعدنية!

بعدها توجهنا إلى «زقاق المدق»؛ وكانت تلك المحطة هى الأجمل بالنسبة لى فى تلك الرحلة الشائقة المختلفة، رأينا بيت حميدة الحقيقى وقهوة المعلم كرشة فى رواية أديبنا العظيم نجيب محفوظ، وقابلنا حفيد المعلم كرشة فى القهوة، قال لنا جدى مات وعمره 128 سنة واسمه الحقيقى مش كرشة لكن على يوسف. ويحتفظ الحفيد على جدران القهوة بصورة لنجيب محفوظ وصورة ثانية لجده.

بعدها ذهبنا إلى شارع المعز، وحارة المقاصيص، وحكى لنا عن ثلاثة مشهورين يحملون نفس الاسم تغرى بردى، ورأينا مشهد جعفر الصادق، ومدرسة الأشرف برسباى وجامع على المطهر، ووكالة جمال الدين الذهبى ومسجد ابن تغرى بردى.
لا أستطيع أن أصف لكم المتعة التى شعرت بها وأنا أتجول بين حوارى الغورية ودروب المعز. كنت أتمشى فى تلك الأماكن التاريخية التى شهدت أحداثًا كبرى، وعاش فيها نجيب محفوظ لتتشبع حواسه برائحة التاريخ. هناك على مقهى الفيشاوى كانت جلسته وتأملاته، طبعت ذاكرته وجوه وملامح أهل القاهرة القديمة، فكانت وقود إبداعه، وشرارة الإلهام فى رواياته. وها أنا أعيش ساعات خارج الزمن فى أزقة وحارات الحسين.

 إلى وزير السياحة 
أقدر تمامًا حجم الإنجازات الرائعة التى تتم الآن للترويج للسياحة المصرية عالميًا، لكنى أندهش جدًا لعدم الاهتمام بالمزارات الحية التى يتوجه إليها السائحون القادمون إلى مصر بمجرد وصولهم، وأخص بالذكر ثلاثة أماكن زرتها فى الفترة الأخيرة: خان الخليلى وحى الحسين، شارع المعز، قلعة صلاح الدين الأيوبى. هذه المزارات هى الوجهة الأولى للسائح الغربى أو العربى، و للأسف الكثير منها مهمل جدًا، أو غير مستغل كما يجب، فى جولة المعز والغورية التى قمت بها هناك أكثر من مكان يحتاج فقط إلى أفكار مبدعة تنفض التراب عنه، وتعيده إلى بريقه القديم، يمكن الاستعانة بحكايات الأماكن، واستخدامها بواسطة المرشدين السياحيين. كذلك لابد من التنسيق مع الأحياء للحفاظ على نظام المرور فى شارع المعز مثلا تخترق السيارات الشوارع الضيقة وتضرب عرض الحائط قرار عدم السماح للسيارات بالمرور، والنتيجة هى فوضى كبيرة يحسها المشاة ومنهم السائحون والمواطنون. الحقيقة يا دكتور خالد أننا نملك مواقع أثرية مذهلة، والتركيز فقط على المشروعات الكبرى لا يكفى من وجهة نظرى إذا كنا نسعى فعلًا إلى رواج سياحى واسع.

يحيى حقى
أسعدنى جدا» أن تختار اللجنة المنظمة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ ٥٣ الأديب الأيقونة يحيى حقى ليكون شخصية المعرض فى هذه الدورة.
يحيى حقى الذى شق طريقاً جديداً فى الكتابة الأدبية وأول من تحرر من زخرف الكلمة إلى جوهر المعنى. الأديب الذى أهدانا عملين روائيين خالدين فى الوجدان «قنديل أم هاشم» و«البوسطجى» وأكثرمن ٢٠ كتاباً فى القصة القصيرة والنقد الأدبى والفنى أحبهم الى قلبى «عطر الأحباب» شكراً دكتور هيثم الحاج على هذا الاختيار الجميل.

معرض الكتاب
يفتتح اليوم معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ 53 تحت شعار:
«هوية مصر.. الثقافة وسؤال المستقبل»، ويستمر المعرض وفعالياته الثقافية والفنية من 26 يناير حتى 7 فبراير المقبل بمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بالتجمع الخامس، وتحل دولة اليونان كضيف شرف لهذه الدورة، كما يطل علينا الأديب القدير يحيى حقى باعتباره شخصية المعرض الرئيسية، والكاتب عبد التواب يوسف شخصية معرض كتاب الأطفال.

وتقام الدورة 53 من معرض القاهرة الدولى للكتاب على مساحة 80 ألف متر مربع، تضم (5) قاعات للعرض، ويبلغ عدد الأجنحة 879 جناحًا، ويصل عدد الناشرين، والجهات الرسمية المصرية والأجنبية 1067 دار نشر وتوكيلًا. وهذا يبشر بدورة قوية تعوض خلالها دور النشر والكتاب وكذلك المثقفون المتابعون للكتب والحركة الثقافية ما خسروه منذ ما يزيد عن عامين متتالين بسبب «كوفيد-19» وتوابعه الرهيبة على الاقتصاد بشكل عام، وعلى دور النشر بشكل خاص. أتمنى أن تشهد مصر خلال الأيام القادمة زخمًا ثقافيًا، وتفاعلًا حقيقيًا بين الكتاب وجمهور معرض الكتاب المحب للقراءة والثقافة.

العصف والريحان
تجربة فريدة، وتاريخ زاخر بالأحداث والشخصيات، حياة غنية تحمل مشوارًا حافلًا بالنجاحات. يرتدى صاحبها قبعات مختلفة، ويشتبك مع الحياة من خلال أدوار عديدة. الصحفى، السياسى المعارض، الأديب، المسئول الكبير بوزارة الثقافة. المتحدث الرسمى، وأحد أعضاء لجنة الخمسين المسئولة عن كتابة الدستور عام 2014. الكاتب المصرى الذى كلفه أديب مصر نجيب محفوظ بالسفر إلى استكهولم لينوب عنه فى تسلم جائزة نوبل فى الأدب عام 1988، وإلقاء الخطاب الذى كتبه محفوظ مرة باللغة العربية التى كتب بها، ومرة ثانية باللغة الإنجليزية التى قام بترجمتها بدقة شديدة تحافظ على روح الأدب الرفيع الذى كتبه نجيب محفوظ.

لكل هذا؛ حينما يقرر محمد سلماوى أن يكتب مذكراته، علينا أن نتوقع الكثير من الحكايات الممتعة، والأسرار المدهشة. إنه قناص الفرص النادرة التى كان مؤهلًا للفوز بها، بقدراته وملكاته العالية، وثقافته المزيج بين العربية والغربية وإتقانه لأكثر من لغة أجنبية.

فى كتابين متتاليين يسجل سلماوى مذكراته، التى تمثل فى مجملها رؤية أدبية عميقة، وحقيقية لأحداث مصيرية مرت بها مصر، ينقلها بحرفية أديب من خلال أحداث شخصية عاشها وكان شاهدًا عليها. اختار الفترة من اغتيال الرئيس السادات عام 1981 وتولى الرئيس مبارك، إلى قيام ثورة 25 يناير 2011 وصعود وسقوط حكم الإخوان، ثم إقرار دستور 2014 . الكتاب الأول عنوانه «يومًا أو بعض يوم» والكتاب الثانى عنوانه «العصف والريحان».
الكتابان يحملان صفحات حية من أحداث عشناها، ومواقف جمعت الكاتب بشخصيات مصرية، عربية، وعالمية فى مجالات مختلفة، سياسية، صحفية، فنية، أدبية شهيرة، ولم يفته بحاسته الصحفية أن يستخدم صورًا فوتوغرافية من أرشيفه الخاص مع تلك الشخصيات.

استغرقت فى قراءة الفصل الخاص برحلته إلى استكهولم لاستلام الجائزة وإلقاء خطاب نجيب محفوظ المكون من ثمانى صفحات بخط نجيب المنمنم الدقيق، والتعديل البسيط الذى طلبه رئيس لجنة نوبل فى الخطاب بتوجيه الشكر إلى الأكاديمية السويدية، وليس للجنة نوبل حيث إن الأكاديمية هى التى تقوم بعملية الاختيار، واللجنة تنفذ ما انتهت إليه الأكاديمية. كان سلماوى رائعًا وممثلًا يرقى لمستوى الحدث فى رأيى وقد تعرض لهجوم شرس من بعض الأدباء الذين كانوا يعتقدون أنهم الأولى بهذا التكليف الرفيع.