«حـرب أوكرانيا» والفشل الأمريكي في الملف الروسي| تقرير

الرئيس الروسى فلاديمير بوتين
الرئيس الروسى فلاديمير بوتين

فشلت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن منذ توليه منصبه يناير من العام الماضى فى اختراق وإضعاف علاقات روسيا التى تزداد مع الوقت متانة وقوة مع كبرى الدول الأوروبية.

وكانت علاقات موسكو مع الدول الغربية قد توترت بشدة بعد التغيير السياسى فى أوكرانيا عام 2014 وانضمام شبه جزيرة القرم رسميا لروسيا، وفرضت واشنطن وكذلك الاتحاد الأوروبى آنذاك مجموعة كبيرة من العقوبات على روسيا، زاد من وطأتها بعض الأزمات التى وقعت بين وقت وآخر. 


لكن روسيا استطاعت مع الوقت ان تخترق عزلة أوروبا نحوها، وتصنع ثقوبا فى نسيج «الموقف الغربى الموحد» ضدها بقيادة الولايات المتحدة. فتوطدت علاقة موسكو مع باريس، وأجرى الرئيسان الروسى فلاديمير بوتين والفرنسى ايمانويل ماكرون عدة جولات من المباحثات على مدار سنوات ودعا الرئيس الفرنسى علنا الى عودة روسيا إلى مجموعة الثمانى وإلى انفتاح أوروبا على موسكو. كما توطدت علاقة روسيا مع ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضي، مع مواصلة البلدين جهود مد الغاز الروسى إلى أوروبا عبر مشروع مشترك بين موسكو وبرلين يعرف بمشروع «السيل الشمالى 2»، الذى، وإن تم، سيستحيل معه مستقبلا عزل روسيا غربيا أو حتى الإبطاء من وتيرة نموها الاقتصادى. 

ومع تمسك ألمانيا بشدة بهذا المشروع الذى سيجعل منها مركزا لضخ الغاز الى عموم اوروبا، تخلى الرئيس الأمريكى عن مقترحات بفرض عقوبات على المشروع، اذ لا تفضل ادارته المواجهة العلنية مع الحلفاء فى أى خلاف، بل إن بايدن سعى منذ اليوم الأول فى رئاسته إلى ترميم الجبهة الغربية والعلاقات عبر الأطلنطى وذلك لاجتذاب أوروبا فى معركته الاستراتيجية مع الصين، وتوجيه رسائل غربية حادة الى بكين. 


وواجهت أمريكا معضلة كسر جسر العلاقات بين روسيا وأوروبا.. فتارة ثارت أزمة اللاجئين على حدود بيلاروسيا وتدفقهم الى داخل الاتحاد الأوروبى عبر بولندا.. لكن الأوروبيين لم يتبنوا موقفا حادا من موسكو خوفا من افساد مشروع مدهم بالغاز الروسي. وتارة أخرى ثارت مزاعم عن استعداد موسكو لغزو أوكرانيا وفصل منطقة دونيتسك الشرقية بالقوة على غرار القرم. ومع احتشاد أوروبا خلف الموقف الأمريكى وتصاعد اللهجة من الناتو ضد موسكو وما قابلها من تصاعد موازٍ للهجة الروسية، تراجعت الدول الأوروبية مرة أخرى امام الدب الروسى الذى لا يمزح ولا يطلق تهديدات فارغة.. وظهرت تحذيرات أوروبية بين الحين والآخر من اشتعال حرب عالمية «بالخطأ».. وازدادت اتصالات أطراف أوروبية مع موسكو للتهدئة.. وكرر مسئولون أوروبيون معارضتهم العلنية لانضمام أوكرانيا للناتو من باب إرضاء روسيا.. كل ذلك أثبت بشكل وأضح ان اتصالات روسيا بكبريات الدول الأوروبية لاتزال سارية وقوية.  ومرة أخرى، لم تنجح محاولات أمريكا لتوحيد الأوروبيين ضد روسيا، بل ظهر الغرب مشتتا فى موقفه، وسعت بعض الدول الأوروبية إلى التقرب من موسكو والنأى بنفسها عن طبول الحرب التى تدقها واشنطن. 


وبات آخر احتمال لأن تنكسر وتضعف قوة علاقات روسيا بأوروبا، عبر عمل عسكرى فعلى تقوم به موسكو فى أوكرانيا. إذ يتوقع حينها أن يفرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على موسكو، ويلتزم أعضاؤه بهذه العقوبات، وربما يتوقف حينها مشروع السيل الشمالى 2 ، ولكن هذه المرة بقرار طوعى من بروكسل وليس بإملاء من واشنطن. وعكست التطورات فى الأيام الأخيرة جهودا غير مباشرة لإشعال الموقف.. فكشفت تقارير عن إعطاء أمريكا الضوء الأخضر لتزويد أوكرانيا بأسلحة، كما أرسلت أمريكا نفسها شحنة من «الأسلحة الفتاكة» إلى كييف وكذلك وصلت أسلحة من بريطانيا وكندا. وفى المقابل امتنعت المانيا عن تزويد أوكرانيا بأسلحة، كما أكدت فرنسا ضرورة تواصل المفاوضات مع موسكو.. وليس قطعها. 


المتابع لكل هذه التطورات يتوقع أن تشتعل الحرب فى اى لحظة.. فالرئيس الأوكرانى نفسه اعتبر فى وقت سابق أن تحذيرات بايدن لبوتين من غزو أوكرانيا ومقابلتها بعقوبات صارمة ، هى فى حد ذاتها ضوء أخضر لروسيا لمهاجمة بلاده.. وربما قررت إدارة بايدن  العازفة بطبيعتها عن المشاركة فى اى عمل عسكرى ، أن تترك كييف وحدها فى مواجهة روسيا على أمل إفساد علاقات موسكو وأوروبا.. وهى الأولوية بالنسبة لإدارة بايدن. وقد فضح خبر نشرته بلومبرج قبل يومين المخطط الأمريكى إذ نقلت عن مصادر مطلعة فى الإدارة الأمريكية أن بايدن سيسعى شخصيا لدى أمير قطر لإقناعه بإرسال الغاز إلى أوروبا فى حال قيام حرب فى أوكرانيا.. أى أنه يعد لتعويض أوروبا عن مشروع السيل الشمالي٢. وها قد بدأت الحشود العسكرية رسميا على الجانبين والخاسر هو من يفكر فى المزاح مع الدب الروسي.

اقرأ ايضا | خلال لقائه نظيره الإيراني.. بوتين: الوضع في أفغانستان يقلقنا