جرائم شريف عرفة !

شريف عرفة
شريف عرفة

محمد كمال 

يمثل شريف عرفة حلقة الوصل بين جيل الواقعية الجديدة في الثمانينيات الذي يعد الأفضل في تاريخ السينما المصرية وجيل الموجة الجديدة الذي ظهر بعد ثورة (صعيدي في الجامعة الأمريكية) فقد كان عرفة من القلائل الذين جاءوا وسط هذين الجيلين مع طارق العريان ومجدي أحمد علي وأسامة فوزي، لهذا نجد أن مسيرة شريف عرفة بها مزج بين جيلين وتبقى الصعوبة في أمرين أولهما هل يتم التعامل معه على أنه المخرج صاحب عدة تحف سينمائية أم على أنه المخرج الذي انغمس في السينما التجارية التي جنح خلالها إلى تقديم أعمال دون المستوى.

 

هناك مخرجون لديهم تجارب تعد سقطات أو أخطاء فعندما يتم التعامل معهم من الناحية التقيمية لا يمكن إغفال تلك الأعمال المتراجعة لكن في النهاية نجد أن المجمل جيدا أو مقبولا لأن الغالب على المسيرة أفلاما مميزة ووقتها يمكن أن التغاضي عن السقطات .. لكن تبقى حالة شريف عرفة هي الأصعب في تاريخ السينما المصرية.

قدم شريف عرفة أحدث أفلامه والذي يحمل اسم “الجريمة” مشروع توافرت لديه كل المقومات مخرج له تاريخ وتجربة طويلة، نجم شباك (أحمد عز)، اثنين من أكثر الممثلين موهبة حاليا “منة شلبي” و”ماجد الكدواني” ومعهما “سيد رجب” مع وجود انتاج ضخم متمثل في المنتج هشام عبد الخالق، لكن في النهاية خرج الفيلم على غرار عنوانه وعلى خطى معظم تجارب مخرجه منذ بداية الألفية الجديدة. 

 

في جريمة شريف عرفة السينمائية الجديدة نحن أمام فيلم يحتوي على حبكة تعتمد على الغموض ويحركها وجود جريمة وإطار بوليسي لكن هذه الجريمة احتوت على كل المآخذ والآثام التي لا يجب أن تتواجد في هذه النوعية من الأفلام حيث ضم فيلم الجريمة أربعة جرائم سينمائية تتعلق بالحبكة الدرامية.

 

الجريمة الأولى تحميل الحبكة أكثر مما تحتمل وتحديدا في حشو مشاهد بها عبارات رنانة وجمل مطاطة تحتوي على مزيد من الإسهاب وأداءات مفتعلة خاصة من البطل الرئيسي الذي من المفترض أنه محور الأحداث، والجريمة الثانية كثرة “التويسات” أو الالتواءات التي تكتشف خلال الأحداث التي من المفترض انها تكون خادعة للجماهير لكن كثرة الالتواءات فقط لا تصنع فيلما جيدافالأهم كيف ومتى قدمت وليس بعددها.

 

على سبيل المثال أحمد عز نفسه لديه تجربة “ملاكي اسكندرية” في 2005 الذي يعتبر الفيلم الذي فتح المجال أمام هذه النوعية من الأفلام فقد احتوى على “تويست” واحد جاء في النهاية لكنه كان كافيا بأن ينقل الفيلم إلى مساحة إعجاب أكبر لدرجة أن وقت العروض الأولى للفيلم كانوا بعض الجماهير يغادرون القاعات معتقدين أن الفيلم انتهى.

 

الجريمة الثالثة تكمن في عدم وجود توظيف جيد أو واضح للشخصيات لدرجة تجعل أننا إذا قمنا بحذف أي شخصية لن تتأثر الأحداث مطلقا بما فيهم شخصية البطل نفسه صحيح غالبا في هذه التجارب يتم وضع شخصيات بهدف تشتيت المشاهد لكن هناك فارق بين خداع المشاهد وبين حشو شخصيات بلا أي تأثير.

 

أما الجريمة الرابعة في هذه النوعية من الحبكات يكون لها مفتاحين إما فك اللغز أو إذا تم الكشف عن اللغز تكون المتعة في الطرق التي ينتهجها البطل في كشف الخيوط وبما أن الحالة الثانية هي التي قدمت في فيلم الجريمة فمن الطبيعي أن تكون تلك الخيوط نسجت بصورة مبتكرة وهذا لم يحدث.

 

يأخذنا شريف عرفة على مدار ساعتين في رحلة مزعجة صاخبة بداية من المكياج المبالغ فيه لشخصية البطل وأيضا زوجته التي تأتي له في الكوابيس وفي نهاية الأحداث المكياج الخاص بظابط الشرطة بعد أن تقدم به العمر، مرورا بأحداث غير مترابطة وتفاصيل غير منطقية ومشاهد فلاش باك كثيرة قدمت من أجل استكمال الحبكة ليس أكثر لكن دون أي تأثير درامي، والعديد من الالتواءات على مدار الأحداث رغم ان السيناريو الضعيف لا يحتمل سوى اثنين فقط الأولى الخاصة بحقيقة مقتل الزوجة والثانية الخاصة بالإبن.

 

لم يكن الأداء البديع من ماجد الكدواني والجيد من أحمد عز كافيا لإنقاذ تلك الجريمة ورغم محاولات منة شلبي إلا انها تستمر في أدوارها الباهتة واختياراتها المتراجعة على مستوى السينما التي حتى لا تستطيع هي نفسها إضفاء لمساتها الخاصة على الأدوار كما اعتدنا منها في أوقات سابقة، التي بدأت منذ “تراب الماس” مرورا “خيال مآتة” و”الأنس والنمس” وصولا إلى الجريمة.

 

سارت مسيرة شريف عرفة السينمائية منذ بدايته الإخراجية عام 1986 على خطين مثل قضيب القطار فهما متوازيان طوال الوقت ومن المستحيل أن يحدث لقاء أي لا يوجد أي تشابه بينهما، والفارق شاسع بين تجربة أولى تمثل التوهج والمتعة والإبهار والرؤية السينمائية، وتجربة مغايرة بها تراجع وسقوط في معطيات السينما التجارية.

 

التجربة الأولى التي تمثل التألق ضمت10 أفلام على جزئين الأول بدايته مع المؤلف ماهر عواد من خلال تقديم أعمال قدمت أوراق اعتماد الثنائي معا في أربعة أفلام (الأقزام قادمون)، (الدرجة الثانية)، (سمع هس) و(يا مهلبية يا)، والجزء الثاني الخاص بمشوار عرفة مع وحيد حامد والذي تمثل خلال الخماسية الأفضل في تاريخ عادل إمام (اللعب مع الكبار – الإرهاب والكباب – المنسي – النوم في العسل – طيور الظلام) وفيلم مع أحمد زكي (اضحك الصورة تطلع حلوة).

 

أما التجربة الثانية فهي التي بدأت مع الألفية الجديدة والتي شهدت غرق شريف عرفة بكل جوارحه مع المتغيرات الجديدة التي شهدتها الصناعة وقدم خلال تلك الفترة 15 فيلما مع إضافة الجريمة، نجد أن الجيد منهم فيلمين فقط هما (الناظر) والجزء الأول من (الجزيرة)، مع فيلم مقبول وهو (مافيا)، مع وجود تجارب تعد جرائم سينمائية في حق هذا المخرج على غرار أفلامه الأخيرة “النمس والإنس” و”الكنز” بجزئيه.