بقلم واعظة

رَدْغَة الخَبال

فاطمة حسن منطقة وعظ القاهرة
فاطمة حسن منطقة وعظ القاهرة

أورد لنا القرآن الكريم والحديث الشريف عن صنوف من العذاب التى أُعدّت لأهل النار - أعاذنا الله منها -؛ وما ذلك إلا ترهيبًا وتنفيرًا ليبتعد الناس عن مسبباتها ويُقلعون عن الذنوب التى تستوجبها، ومما ذُكر: (الحَمِيم و الغَسّاق و المُهل.. وغيرها ) لكن هناك صنفًا من العذاب يُسمى (رَدغة الخَبَال)، وهو : عصارة أهل النار مما يخرج من أجسادهم من قِيح وصديد مُنتن ! فيا تُرى لمن هذا العذاب الذى يبعث على اشمئزاز النفس ونفورها بمجرد معرفة معناه وتخيل هذا العذاب المُهين؟ 


يُعرفنا رسولنا  المستحقين له فيقول فى الحديث الذى رواه الترمذى عن عبدالله بن عمر : « مَن قال فى مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حتَّى يخرُجَ ممَّا قَال»  ولكم أن تتخيلوا سكنًا بهذه البشاعة والمهانة قد يكون بسبب كلمة !

 فـكم من كلمةٍ سيئةٍ خرجت من قلبٍ حقود قِيلت فى مؤمن و هو منها برىء، وكم من أحكام يصدرها الناس على بعضهم بسبب سوء الظن وأوهام العقل دون تحرٍ أو تثبّت، وكم من زميل افترى على زميله فى العمل ليحل مكانه، وكم من زوجة أو زوج قال الآخر على صاحبه ما ليس فيه ليأخذوا حقوقًا ليست لهم إلا بالافتراء والكذب ! 


« رَدغة الخَبَال » عذاب بسبب كلماتٍ معدودات تمثلت فى الكذب أو النميمة أو الغيبة بافتراء واتهام على المسلم أو المسلمة، وكلها تخرج من اللسان الذى ورد عنه أنه يُودى بصاحبه المهالك «وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ فى النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم» «رواه الترمذى من حديث معاذ بن جبل».


« رَدغة الخَبَال » هى سكنٌ لأولئكَ الذين لم يراعوا الأخوة ولا العشرة ولا الإنسانية، الذين يتساهلون فى إلقاء التهم لينالوا بعضًا من عرض الدنيا ونسوا سؤال الآخرة.


ورغم الوعيد الشديد لهذا الذنب؛ إلا أن رسولنا الرحيم  بيّن أن باب التوبة مفتوح لمن أراد العبور، وأوضح سبيل النجاةِ فى آخر حديثه بقوله: « حتّى يخرُج ممّا قَال » (أى يتوب ويتحلل منه).  


فمن وقع فى ذلك عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، وأن يتحلل ممن بهته و افترى عليه ؛ لأنه من الذنوب المتعلقة بحقوق العباد والتى شرط فى التوبة منها التحلل منهم.