الابتزاز.. مشانق حول رقاب الفتيات.. وأصابع الشيطان على «الكيبورد»

مشانق حول رقاب الفتيات
مشانق حول رقاب الفتيات

عمر يوسف

تعاطف الجميع مع «بسنت» ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن أصبحت الصغيرة جثة هامدة، وبعد أن تحطمت نفسيتها بالكامل، وتم تدمير جهازها العصبى، ما جعل الانتحار هو الحل الوحيد الذى بإمكانه أن يخلصها من الجحيم!


قصة فتاة الغربية فتحت ملف ابتزاز الفتيات لتلقى الضوء على ما يتعرضن له من تهديد لا يتوقف على مواقع التواصل الاجتماعى من جانب شباب يجدون متعتهم فى حرق أعصاب البنات والضغط عليهن بكل طريقة من أجل جمع الأموال أو الاستغلال الجنسى. 


«ألف عيلة وعيلة» فى هذا العدد تحدثت مع فتيات تعرضن للابتزاز، حكت فيه كل واحدة منهن تجربتها الخاصة، واستمعت إلى خبراء فى علم النفس والتربية والقانون فى محاولة لمحو تلك الظاهرة الغريبة على مجتمع شرقى تربى على العادات والتقاليد، وحماية المرأة.

 

تعترف ندى الشحات، 20 عاما بأنها تعرضت لتجربة ابتزاز على موقع التواصل الاجتماعى «انستجرام» من مجهول فبرك لها صورًا غير لائقة، وهددها بعدم فضحها مقابل 10 آلاف جنيه.


قالت: «أنا ما عرفوش لحد دلوقتى والأكونت اللى كان بيكلمنى منه جديد.. فى الأول طلب منى 10 آلاف جنيه عشان ما يفضحنيش، ولما استدرجته فى الكلام عرف إنى مش هدفع وماردش عليا بعدها ماجاش هددنى تانى لحد دلوقتي».


وتابعت «قولت له اللى عندك اعمله الكل هيعرف إنها مش صورى وأهلى مش هيشكوا فيا..

ولما لقى إنى واثقة من كلامى وهددته قولت له بعد كدا هبلغ عنك مباحث الإنترنت ووقتك فى ابتزازى جاى مع وقت انتحار مراهقة بسبب واقعة مشابهة بصور مفبركة والدنيا مقلوبة عليها، تخيل لو بلغت عنك أنت كمان هيعملوا فيك إيه».


شعرت بالخوف فى البداية، لأنها تفاجأت بوجهها مركبا على جسد فتاة عارية، خاصة أنها محجبة، إلا أنها كانت تثق فى نفسها وفى أسرتها التى تعلم تربيتها جيدًا وأنها لن تقوم بمثل هذه السلوكيات.


أما عن نيتها فى دفع الأموال التى يريدها قالت «مستحيل أبعتله حاجة أو أخليه ينجح فى تهديدى، غير كدة أنا متربية بين أهلى على الثقة المتبادلة، ولو كنت حكيت لوالدى أو والدتى كانوا بلغوا ودعمونى، وماشككوش فيا ولا لحظة.. بس لما لاقيته بيقول مش بيهزر وعايز الفلوس قولت له بنفسى هبلغ وبعتله اسكرين البوست بتاعى، خاف بعدها علطول وعمل بلوك».. وتابعت «أنا اتعاملت مع بنات كتير السنين اللى فاتت لجأوا ليا فى مواقف زى دى وساعدتهم فى الإبلاغ وأخذ حقوقهم».


صديق مقرب

وأكدت زينب إبراهيم أنها تعرضت لمحاولة ابتزاز من صديقها المقرب، فبعد 5 سنوات من صداقة عمل، وصداقة شخصية، حدثت مشاكل بينهما بسبب اختلاف وجهات نظر فى العمل، ثم تفاجأت بمكالمة هاتفية منه يطالبها فيها بمبلغ مالى كبير أو يفضح أسرارها الشخصية، وكذلك صورها التى قام بتركيبها بشكل خليع على برامج الفوتوشوب، والتى من بينها صور لهما.


المواجهة أقصر الطرق

انهارت زينب عصبيًا، ونفسيًا، وأغلقت كل صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعى، ودخلت مرحلة اكتئاب نفسى، ولم تقترب من هاتفها لأشهر، حتى عرّفت احدى صديقاتها بالأمر، فساعدتها على تخطى الأزمة، ومن يومها لم تعد لتصفح مواقع التواصل الاجتماعى مرة أخرى.


تقول نسمة البكرى «إذا تعرضت لابتزاز سواء كان إلكترونيًا أو واقعيًا، أول حاجة هعملها مش هبين للشخص ده إنى خايفة، ثانيًا هعلى صوتى فى الحديث معاه، عشان ما أحسسهوش إنى خايفة أو ضعيفة، بعد كدة هلجأ لأقرب صديق لى، وهحكيله الموقف وأنا متأكدة إنه هيساعدنى، وكمان المفروض إنه أكتر شخص أمين فى حياتى، لأنى فى الوقت ده هكون محتاجة لدعم نفسى ونصيحة خارجية».


وأضافت أنها لن تبلغ أهلها فى هذا الموقف، لأن المشاعر والعواطف الداخلية سوف تحركهم مثل الغضب والغيرة والشك والخوف، وبالتالى قد تقودهم لنتائج لا يُحمد عقباها، وبعدها سوف تقوم بعمل محضر رسمى ، خاصة أن هناك العديد من المنصات فى الوقت الحالى تساعد على ضبط المبتزين.


وأشارت نسمة إلى أنها تشعر طوال الوقت أنها معرضة للابتزاز من أى شخص لذلك تهيئ نفسها جيدًا على التصرف الحكيم حتى لا يضيع حقها، خاصة أنها من ضمن الناس التى تنشر صورها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعى، هذا إضافة إلى أن العلاقات التى تدخلها لم تعد آمنة بشكل كافٍ، وتعتبر البنت مهددة طوال الوقت.


صداقة الوالدين

وقالت شيماء سيد صالح «انا مصاحبة والدى ووالدتى جدا ولو حصل ده بلجأ ليهم الأول وهحكلهم بصراحة على طول من البداية عشان لو لا قدر الله حصل شيء وحش يكونوا متوقعين وعارفين، و هبدأ اتواصل مع مباحث الانترنت وصفحة «قاوم» وبسرعة من الصفحات اللى قدرت تتعامل مع شباب من النوع ده وقدرت تجيب حق كل بنت تعرضت لده وبمنتهى السرية وتعتبر من الصفحات اللى بثق فيها جدا».


احصاءات الابتزاز

لا توجد إحصاءات رسمية عن معدل جرائم الابتزاز الإلكترونى، إلا أن هناك دراسة أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب كشفت أن شهرى سبتمبر وأكتوبر عام 2018 شهدا تقديم 1038 بلاغاً بجريمة إلكترونية، منها جرائم ابتزاز إلكترونى.


ونجحت وزارة الداخلية فى ضبط أغلب المتهمين فيها، وقد صدرت تلك الدراسة بمناسبة إصدار قانون مكافحة جرائم المعلومات فى العام نفسه. وبسبب طبيعة الوقائع التى تتصل بالشرف والسمعة، لا تصل كثير من وقائع الابتزاز إلى السلطات، وتخشى الضحية من طلب المساعدة، ما يعرضها لاستمرار الابتزاز أو التعرض لإيذاء بدنى من أسرتها.


هوس السوشيال ميديا

من جانبه يقول وليد حجاج، خبير أمن المعلومات، وعضو لجنة أمن المعلومات بالمجلس الأعلى للثقافة، إن وسائل التواصل الاجتماعى لها دور خطير للغاية فى الترويج لظاهرة الابتزاز الإلكترونى، لأنها تنشر المحتوى على مساحة كبيرة من المتابعين فى وقت قليل للغاية، وبالتالى تكون الفضيحة سريعة، كما أن هوس اللايك والشير جعل البلوجرز على السوشيال ميديا يشاركون هذه الصور والفيديوهات لجمع عدد كبير من المتابعين حتى وإن كانوا يعلمون جيدًا أنها غير صحيحة..

وأضاف حجاج: الناس غير قادرة على التفرقة بين الحقيقى والمزيف، لأنهم يفقدون الوعى فى ظل تكنولوجيا حديثة قادرة على تركيب الصور والفيديوهات بشكل احترافى، مؤكدًا أن أحدث أنواع الابتزاز يتم من خلال قيام البعض بإنشاء صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى، غرضها الظاهرى مساعدة المحتاجين، ويبدأ المسئول عن الصفحة فى جمع بيانات شخصية عن المحتاجين، ومن ثم يقوم باستغلالها فى عدة أمور مختلفة، حتى أن البعض ينشأ صفحات وهمية لاستغلال ذوى الهمم..

وأضاف: يجرى ذلك بواسطة الحفاظ على البيانات الشخصية من الاختراق ومن ثم استغلالها فى الابتزاز، بينما عدم الاحتفاظ بالصور الشخصية على الهاتف المحمول، تأمين الإيميلات التى تحتفظ بالبيانات لفترات طويلة مثل «جميل»، ومن ثم ينجح المبتز فى اختراق الجميل والهاتف، وبإمكانه استغلال الكاميرا والميكروفون، ومن أهم العوامل التى تسهل انتشار مثل هذه القضايا غياب دور الأمن المعلومات والتكنولوجى.


فراغ فكرى

وتقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الشخص المبتز يعانى من فراغ فكرى فى النطاق الأول، لا يملك أية أهداف أو طموحات فى حياته، كما أن لديه أزمة قيم فى التنشئة والتربية، وكذلك أصدقاء السوء وثقافة الجيل بالكامل، كما أن هناك عاملًا ماديًا يدفع الشاب للقيام بمثل هذه الأمور، والبعض يتخذها مصدر رزق.


ونوهت أستاذ علم النفس إلى أن هناك غيابًا واضحًا لدور رجال الدين، حيث إن قضية بسنت لم تشهد ظهور أحدهم للحديث عن القضية، وبيان العقاب الدينى للمبتز، كما أن الشخص المبتز فى كثير من الأحيان يكون مصابا بهلاوس سمعية وبصرية، وأفكار تسيطر على رأسه بشكل سيئ، والبعض مصاب بانفصام، وتسيطر على عقله فكرة واحدة، وله عالم خاص غير مرتبط بأرض الواقع، يكون هدفه الارتباط بفتاة معينة والعمل على وصولها لحالة ما ومن ثم تركها، ولن يهدأ عقله حتى يحقق هذا الهدف.


وأضافت فايد: يعود تأثر الفتاة بسهولة عندما يبتزها أحد بصور مفبركة، لعدة أسباب أهمها حساسيتها المفرطة، خاصة لو كانت تعانى من قلق أو توتر زائد، وذلك يعود للتربية والتنشئة والطريقة التى نشأت عليها، كما أنها تكون شخصية هشة ولا تملك أية ثقة فى نفسها بشكل مبالغ فيه، أما الشخصية التى تصد الشاب ولا تسمح له باختراق أفكارها، تنشأ بشكل قوى وفعال، وتملك ثقة كبيرة فى نفسها وذاتها، ولديها وعى زائد بالقضية، كما أن للأسرة دورًا كبيرًا للغاية، فى الوعى بمشاكل السوشيال ميديا، واعطاء الأبناء القوة والسند عندما يتعرضون لمثل هذه الابتزازات.


غياب المؤسسات التعليمية

قال الدكتورمحمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية، جامعة عين شمس، «نعيش اليوم حالة من الضجيج الإلكترونى وتعدد مصادره، مايسبب الكثير من المخاطر على الأجيال الصاعدة، وخاصة فى غياب الدور الحقيقى للمدرسة والمؤسسات التعليمية والتى تحول دورها الى نقل مواد تعليمية هشة وإهمال التربية تماما وخلل فى رسالة المؤسسات الثقافية والدينية».


وتابع أستاذ العلوم والتربية «كل هذا بالطبع يجعل الأبناء عرضة لغرس أفكار وقيم سلبية يعتقدون أنها ايجابية وتصبح من ركائز الشخصية فنرى بناتًا بكل سذاجة ترسل فيديوهات لزميلاتها أوأثناء الرحلات دون وعى لخطورة الأمر أو تقوم بتحميلها على صفحات السوشيال ميديا المتعددة ويتناقلها الواحد تلو الآخر أو من خلال العلاقات الغرامية الخادعة عبر صفحات السوشيال ميديا وغرف الشات المغلقة لتقع فريسة سهلة لدى مجرمى العالم الافتراضي»..

وأضاف: ظاهرة الابتزاز لها عدة أسباب تتعلق بالضحية منها غياب البعد الأسرى وانفصام العائلة وعدم مشاركة الأم ابنتها فى الحديث ومراقبة هاتفها المحمول أو جهاز الكمبيوتر ومراجعة ما بهما من صور وفيديوهات والتعرف على مجتمع أصدقائها ومداومة التواصل مع المدرسة والتعرف على سلوكيات الأبناء فى المدرسة وهنا يأتى دور الإخصائى الاجتماعى والمفقود حاليا من المجتمع.


العقوبة القانونية

ومن جانبه يقول محمد مرعى، الخبير القانونى، إن القانون رقم 175 لسنة 2018 ينص على معاقبة كل من ينتهك خصوصيات الآخرين عن طريق النشر على شبكة المعلومات أو إذاعة أخبار أو صور تنتهك الحياة الخاصة..

ويعاقب القانون على استعمال برامج معلومات أو تقنية معلومات يربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة أو مساس بالشرف بخلاف المواد الأخرى..

ولما كانت مواد القانون الحالية ليست بالغلظة المطلوبة ولا تواكب التطور التكنولوجى بشأن تلك الجرائم فإن تشديد العقوبات وسرعة الوصول إلى مرتكبى هذه الجرائم هو هدف مشروع لتجنيب الحوادث الخطيرة التى يمكن أن تحدث نتيجة اساءة وسائل التواصل الاجتماعى.

اقرأ أيضاً|بعد 24 ساعة.. أميمة طالب تتصدر التريند بكليب «معلش سهرناكم»