حكايات| نساء داخل قفص العذاب.. «توك توك ومواشي» هدايا لعرسان الزواج المبكر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

خلف الأبواب المغلقة تنطلق بين حين وآخر صرخات صامتة من سيدات تعرضن للزواج في سن صغيرة لكنهن قررن فتح قلوبهن ليسردن تجاربهن القاسية أو كما أطلقن عليها «رحلة العذاب»، مع الاحتفاظ برفضن الكشف عن هويتهن واكتفين بعرض الحروف الأولى فقط.

 

تقول السيدة «أ أ - 48 عامًا» إن والدتها توفيت وهي في الخامسة من عمرها وقام والدها بالزواج من أخرى، والتحقت بالمدرسة كبقية الأطفال عند عمر 6 سنوات، وعندما بلغت ثمانية الأعوام كانت عائدة من المدرسة ومعها شهادة النجاح وذهبت لإخبار والدها وهي في منتهى السعادة وفي نفس الوقت لاحظت حالة فرحة في المنزل وقيام السيدات بإعداد أنواع من الكعك والبسكويت.

 

ظنت في البداية أن ذلك بمناسبة نجاحها وتفوقها، لكنه كان معد خصيصا لحفل زفافها على طفل آخر يبلغ من العمر 17 عاما، وتقول السيدة إن حياتها تحولت فجأة دون أن تدري ولأنهم يعيشون في الأرياف فكان المصدر الأساسي لرزق زوجها هو زراعة الأرض وتربية المواشي، فبدأت بالعمل معهم وتحملت مشاق عديدة في هذه السن الصغيرة.

 

لم يكتف أهل الزوج بذلك فحسب، بل كانت والدة زوجها تهينها وتضربها لتأخرها في الإنجاب، وظلت في هذا العذاب لمدة 5 سنوات حتى حدث الحمل وهي في الثالثة عشر من عمرها وأنجنب طفلتها الأولى.

 

ولصغر عمرها وعدم اكتمال نموها الجسدي، فأنجبت الطفلة بإعاقة بصرية، وأنجبت مرة أخرى بعد مرور عام ونصف لتأتي طفلة أخرى بإعاقة في قدميها، كل ذلك ومازال مسلسل الضرب والإهانة مستمرين حتى أخذت قرار الطلاق وهي في العشرين من عمرها، وللأسف لم تجد أي مساندة أو دعم من والدها أو زوجته، وعطف عليها أخرون بإعطاها منزل مهجور لتعيش به هي وبناتها، ثم قامت بالخدمة في المنازل حتى تستطيع العيش والإنفاق والابتعاد عن أهلها تماما.

 

اقرأ أيضًا| | توائم تحت الطلب.. أسرار خلف سونار الأطباء

 

أما السيدة «خ. أ - 49 عاما» فقد تزوجت وهي طفلة في الثالثة عشر من عمرها لرجل يبلغ من العمر 70 عاما، بحجة التخفيف من عبء الأسرة خاصة أن العريس كان ميسور الحال.

 

أنجبت السيدة طفلا في السنة الأولى من زواجها، موضحة أن ذلك لم يكن شفيعا لها عند أهل الزوج الذين كانوا جميعهم يعتدون عليها بالضرب، فظلت صابرة حتى تمردت على ذلك عند عمر الـ18 عاما، وطلبت الطلاق ولكن رفض أهلها ذلك ما عدا والدتها هي التي ساندتها وحدث الطلاق بالفعل.

 

 

ولم تكن «خ أ» حاصلة على أي شهادة تعليمية ولا تعلم أي شئ عن القراءة والكتابة، فذهبت إلى أحد المستشفيات للعمل به كعاملة نظافة وأيضا كانت تعمل في المنازل، حتى تعرفت على حارس العقار التي كانت تخدم به، وكان صغير في السن أيضا ولا يزال يتلقى تعليمه ولكنه تزوجها وساندها وساعدها على الالتحاق بفصول محو الأمية، فكانت تعمل نهارا في المنازل وتدرس ليلا.

 

أنجنب من زوجها طفلا أخر وحصلت على الشهادة الابتدائية وتخرج زوجها في إحدى كليات جامعة الأزهر وتم تعيينه إمام وخطيب مسجد، فمنعها من العمل مرة أخرى وتفرغت للدراسة وحصلت على الشهادة الإعدادية واستكملت طريق كفاحها حتى حصلت على دبلوم زراعة وتعمل الآن كل ما في وسعها لتنشئة أبنائها تنشئة سليمة.

 

اقرأ أيضًا |  متلازمة رائحة السمك.. شعور مؤلم بـ«العفن» تخففه وصفات العطارين 

 

وعن القصة الثالثة فهي حكاية طفلة تعيش في قرية بالقرب من المنصورة، تزوجت في الثالثة عشر من عمرها بمجلس وعقد عرفي، وبعد مرور عام عادت لمنزل أهلها وهي مطلقة وتحمل ابنتها التي لم تستطيع تسجيل شهادة ميلاد لها لأنه في الأساس لا يوجد وثيقة زواج للأم، ورفض الأب تسجليها ولا تستطيع الأم إثبات النسب حتى الآن، وأصبحت الطفلة في الرابعة من عمرها ولا تعلم الدولة عنها أي شئ، ولا يوجد أي دخل لهن، إلا من عطف أصحاب الخير عليهم.

 

وتقول الأم إن هذا الوضع يتكرر بكثرة في البلد المقيمة بها، لأن «سلو بلدهم» ستر البنات وزواجهن في سن صغيرة لأول شخص يدق على الباب بدون النظر لأي أمور أخرى حتى وإن كان لا يعمل، والمهم أن يكون له غرفة معيشة في منزل والده ليتزوج بها، وعلى أهل العروس إحضار «توك توك أو بعض المواشي» يوم الصباحية كهدية للعريس ولتكون هي مصدر الدخل الذي ينفق به على زوجته وأسرته.

 

وعن السيدة «ف ب» فقد فتزوجت وهي في الثانية عشر من عمرها من رجل يبلغ 60 عاما، وأنجبت منه بنتان وولد ثم توفي وتركها لتكون هي المصدر الوحيد المعيل للأسرة ولم تستطع تعليم الفتيات واكتفت بحصول الابن على دبلوم.

 

وتكمن المشكلة هنا أنها لم تتعلم من معانتها طوال هذه السنوات وعادت نفس الأمر مع ابنتها وزوجتها في الثالثة عشر من عمرها لرجل في الأربعينات من عمره، لتتكرر نفس المأساة وقيام الزوجة بالخدمة في المنازل والعمل في الأرض الزراعية وإنجاب الأطفال وتعود القصة نفسها من جديد.