أصدرنا بيانا يؤكد أن مبارك هو عميل الأمريكيين، وأن هدفنا هو تحرير مصر والمصريين من الهيمنة الأمريكية، ومن طغيان وفساد مبارك معا أحدهم  ممن يتقاضون أتعابا بالملايين، هاجم حركة »كفاية« فى محاكمة جارية، وادعى أنها تلقت تمويلا أجنبيا لقاء دورها فى المبادرة والدعوة إلى الثورة الشعبية المصرية العظمى، والتى خلعت مبارك فى هبة 25 يناير 2011، وأزاحت مرسى وحكم الإخوان فى انتفاضة 30 يونيو 2013.   وربما لم يكن أحد ليلتفت إلى الإدعاء الركيك، وإلى الجهالة الطافحة، لولا أن أذيعت على أوسع نطاق، ودخلت إلى كل بيت، وبإذن من المحكمة، التى أتاحت ساعات وأياما على الهواء التليفزيونى لمبارك وزمرته،  وفى سلوك سياسى لا قضائى، قصد به إدانة الثورة، وغسل سمعة المجرمين، والتكفير بفعل ثار ويثور، وقتل شهداء الثورة العظام للمرة الألف.   وقد حدث مرة، وفى عام الصعود الأول لحركة كفاية، والتى ظهرت للعلن فى سبتمبر 2004، أن ورد إدعاء ركيك مشابه على لسان مبارك نفسه، كان المخلوع قد أدلى بحوار لصحيفة «السياسة» الكويتية، وأعادت «الأهرام» نشره بحسب التقاليد السلطانية المرعية، وظهرت الجهالة الركيكة، نشرت «الأهرام» أن مبارك سئل عن حركة كفاية، وأجاب المخلوع بما يفيد أن كفاية لها صلات أجنبية، وكان رد قيادة حركة كفاية عاصفا، فقد أصدرت بيانا فى ذات اليوم، وتحدت مبارك أن يثبت مزاعمه، وتوعدته باللجوء للقضاء، وما كان من رئاسة الجمهورية وقتها، إلا أن تراجعت فورا، وأصدرت بيانا ينفى إدعاءات مبارك عن حركة «كفاية»، واضطرت «الأهرام» لابتلاع ما نشرته، ونشرت تكذيب الرئاسة فى اليوم التالى، وعلى صفحتها الأولى.   كان الرد العاصف من حركة كفاية طبيعيا، فقد قامت على أساس وطنى جامع، ووفقا لمبادئ حاكمة، كان أظهرها رفض التمويل الأجنبى، ورفض التحاق الممولين أجنبيا بعضويتها، وكان القاسم المشترك الأعظم لمؤسسيها، هو العداء للهيمنة الأمريكية ولنظامها التابع فى مصر، والذى نشر رذيلة التمويل الأجنبى، ليس فقط بالاعتماد المرضى المزمن على المعونة الأمريكية، بل بإفساح المجال واسعا للممولين أجنبيا، وتشجيع الابتعاد عن السياسة الوطنية المعارضة، وإلهاء أجيال وراء أجيال بغواية التمويل، والدخول فى شبكة ترابط وثيق مع جماعة جمال مبارك الصاعدة النفوذ وقتها، والتى كانت مزيجا من مليارديرات المال الحرام وأباطرة المتلقين للتمويل الأجنبى، وكان جمال مبارك الموعود بالتوريث الرئاسى مثالا على التزاوج النكد، فقد صعد كملياردير مستفيد من جرائم النهب العام، ومن زواج السلطة بالثروة، ومن خدمة الأمريكيين، بإنشاء «مركز الدراسات الاقتصادية» الممول أجنبيا، ولا ينسى أحد ذهاب جمال مبارك فى زيارة سرية لنيل البركة من البيت الأبيض، ودخوله من الباب الخلفى للقاء الرئيس بوش الإبن، كانت القصة كلها مؤامرة أجنبية، وكانت عائلة مبارك تحكم بالوكالة عن الأجانب، وعن الأمريكيين والإسرائيليين بالذات.   وقد حدث فى عام 2009، وكنت وقتها المنسق العام المنتخب لحركة «كفاية»، وفوجئت بدعوة تصلنى من رئاسة الجمهورية لحضور حفل إلقاء أوباما لخطابه الشهير فى جامعة القاهرة، كانت المفاجأة أن توجه رئاسة مبارك الدعوة لى بالذات، وقد كنت مطاردا فى عملى، وفى جرائد المعارضة الجذرية التى شرفت برئاسة تحريرها، وفى حياتى ذاتها، منذ حادث خطفى وإلقائى عاريا فى صحراء المقطم، وبسبب دورى، ودور حركة كفاية، فى المبادرة إلى رفض التمديد لمبارك والتوريث لابنه، كان هدف الدعوة الرئاسية ظاهرا، وهو تطويع حركة «كفاية»، والإيحاء لأسيادهم الأمريكيين، بأن الحركة الوطنية المتمردة تحت السيطرة، وكان رد كفاية بديهيا قاطعا، فقد رفضنا الدعوة الملغومة، وأصدرنا بيانا يؤكد أن مبارك هو عميل الأمريكيين، وأن هدفنا هو تحرير مصر والمصريين من الهيمنة الأمريكية، ومن طغيان وفساد مبارك معا، وكسب الإستقلال الوطنى بإزاحة عائلة مبارك وزبائنها المجرمين النهابين، كنا الوحيدين الذين رفضوا الذهاب لحفل خطاب أوباما، بينما سارع قادة الإخوان بلهفة وشوق لحضور حفل الرئيس الأمريكى، وبدعوات وجهت إليهم من السفارة الأمريكية، ولم يكن الفارق بيننا وبين الإخوان ـ فقط ـ فى الموقف المبدئى من الأمريكيين والهيمنة الأجنبية، بل فى الموقف إزاء جماعة مبارك ذاتها، فلم تكن جماعة الإخوان تمانع فى توريث الرئاسة لنجل مبارك، لم تفكر فى خلع مبارك أبدا، وعلى منحنى الشهور والأسابيع والأيام التى سبقت ثورة 25 يناير 2011، كانت حركة «كفاية» نجحت فى إنشاء برلمان بديل باسم «البرلمان الشعبى»، وضم عناصر من الإخوان بينها محمد البلتاجى، وجرى تكليفى بصياغة بيان باسم البرلمان البديل يصدر عشية 25 يناير، ورفض البلتاجى  باسم قيادة الإخوان ـ أى إشارة فى البيان لإسقاط التمديد والتوريث، بينما كان بيان حركة كفاية، والذى صدر بتاريخ 23 يناير 2011، هو الوحيد الذى أعلنها بصراحة، وكان عنوانه الناطق «خلع مبارك هو الحل».   وكل هذه حقائق تفسر ضراوة هجوم الفلول والإخوان على حركة «كفاية» بالذات، فهى الأب الحقيقى والأم الأولى لثورة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011، هى التى دعت وبادرت، وصاغت المثال الوطنى النقى الصافى، وابتعدت بعمد عن الآباء المزورين من نوع محمد البرادعى المتحالف مع الإخوان قبل الثورة، كان لكفاية دور الريادة وشق طريق العصيان السلمى، وكان الشعب المصرى بملايينه المتدفقة إلى الميادين، هو الذى صنع معجزة الثورة الأولى، وهو ما تكرر فى سيرة «كفاية» مع حكم الإخوان المستنسخ من حكم مبارك، فقد كان جيل كفاية الشاب هو الذى بادر إلى إنشاء حملة «تمرد»، وكان مؤسسوها الثلاثة الأول من قيادات كفاية، كانت تمرد هى البنت العفية لكفاية الأولى، واستجاب لها الشعب المصرى، وصنع ثورة30 يونيو 2013.   كانت «كفاية»ـ بحق ـ هى أم الثورتين.