حوار تاريخي لآدم وحواء.. أنهاه صراخ «زائر من السماء»

صورة تعبيرية - أرشيف أخبار اليوم
صورة تعبيرية - أرشيف أخبار اليوم

في أحد أيام العام 1955، أمسك الأستاذ الراحل علي أمين قلمه ليسطر به واحدة من أفضل قصصه التي أطلق فيها لخياله العنان محاولا إخراج كل ما في جوفه من إبداع، خاصة عندما يتعلق الأمر بـ«آدم وحواء في الجنة».

 

كان آدم هو التحمل، والجوع، والقسوة، والعقل، والعمل، والاختبار، وحواء كانت هي العاطفة، والألم، والأمل، والأحلام، والتجريد، والتغيير ومن باب التغيير أرادت حواء الخروج من الجنة.

 

بهذه الكلمات بدأ العملاق علي أمين كتابة وسرد حوارا دار بين آدم، وحواء بعد آخر يوم في الجنة، وهبط آدم معها إلى الأرض، ومن وقتها عاش آدم بعين في الجنة.. وعين في النار؟

 

كانت النار هي أول ضرورة اكتشفها آدم مع حواء في يومها الأول على الأرض، وكانت الحرية هي اول هدف لهما في الحياة الجديدة.. واكتشف الاثنان أن الدرس الأول على الأرض هو الحرية.

 

مجلة آخر ساعة وعلى صفحات أحد أعدادها عام 1955 نشرت هذا الحوار:


الدرس الأول من الحرية هو عن الاختبار.
والدرس الأول في الاختبار هو.. الحب.
والدرس الأخير هو المزيد من الحب!
استيقظ آدم من نومه في فزع الظلام، الذي يحيط به، فإن الشمس لم تشرق بعد وحواء راقدة إلى جانبه.

 

آدم: أين المولود؟
حواء: أي مولود؟!

 

آدم: المولود الجميل الذي أنجبته أمس
حواء:  تغرق في الضحك، لقد كنت تحلم

 

آدم: الجرح الذي في ظهري؟ هل كان حلم أيضا؟
حواء: ليس في ظهرك إلا الجرح القديم الذي التأم من 20 سنة

 

آدم: والدماء التي سالت كالبحار؟
حواء: سالت في الحلم.. هل ما زلت تشعر بآلام الولادة؟

آدم: اختفت الآلام
حواء: هل تريد أن اصطاد لك سمكة، أو ابحث لك عن بطيخة؟

 

آدم: لقد اختفت كل أعراض الحمل يبدو أن السماء لم تستجب لدعائي.. لا تزال الولادة من اختصاصك.
حواء: تنازلت لك عن الاختصاص، كل ما يهمك الآن أن اتخلص من هذه السمنة واسترد رشاقة قوامي، اعتقد أن وزني بدأ ينقص.

 

آدم: كلا.. إن بطنك يكبر يوما بعد يوم
حواء: الحمدلله إن ظهرك لم ينتفخ لو أنه انتفخ لتصورت إنني انتظر مولودا.

 

آدم: لم ينتفخ بطني عند ولادتك
 حواء: يجب أن نعد الدنيا لاستقبال سكان جدد قبل أن نفكر في الولادة.. أريد أن توفر كل أسباب السعادة، ولكن كيف نبدأ؟

 

آدم: نوفر لهم الحرية.. حرية القول.. وحرية الفكر.
حواء: تصورت أن أول ما يحتاجون هو الخبز.

 

آدم: إذا ما وفرنا لهم الهواء الطلق، فسنعزز آفة الضيق بهم، ويحتملون انتظار الخبز.
حواء: الهواء الطلق يفتح الشهية

 

آدم: ويساعد على احتمال الجوع
حواء: وماذا نقدم لأولادنا بعد الحرية؟
 

آدم: الأمل إنه يقوي عزيمتهم، ويشدد عودهم، ويساعدها على احتمال المتاعب، ويشجعهم على التغلب على العقبات.
حواء: الأمل لم يملأ بطونهم الجائعة.. يجب أن نوفر لهم الطعام.

 

آدم: سأعلمهم كيف يبحثون عن الطعام، وسأعودهم بألا طعام بلا عرق.
حواء: لماذا ترهق أولادنا؟

 

آدم: حتى يتذوقوا لذة الطعام، فالطعام السهل طعم.
حواء: في الجنة كانت الرياح تهز لنا الأغصان فتتساقط الفاكهة

 

آدم: أما على الأرض، فالمطلوب من الإنسان أن يعرف كي يأكل أن يبذر البذور، ويروح الأرض، ثم يهز الأغصان حتى تتساقط الثمار.
حواء: أخاف أن يتعارك أولادنا على هذه الثمار، وأخشى أن يمرض أحدهم بالطبع فيخطف فاكهة أخيه.

 

آدم: إذا ملأنا الدنيا بأشجار الفاكهة فيشبع كل ولد من أولادنا، ولن يمد يده إلى فاكهة أخيه.
حواء: الجماع لا يشبع أبدا.

 

آدم: نضع القواعد التي تمنع الجماع عن اغتصاب حق غيره.
حواء: الآن أستطيع أن أنام مطمئنة.

 

آدم: لا تطمني بهذه السرعة، إن بعض أولادنا سيكسرون هذه القواعد، ويضرب بعضهم البعض بالحجارة.
حواء: تعال نجمع كل الأحجار من الأرض، تعال نجردها من سلاح العدوان.

 

آدم: إذا لم يجد الغاضبون أحجار من الأرض فسينتزعون سيقان الأشجار ويتعاركون بها.
حواء: انتزع الأشجار ونرمي بها في البحر.

 

آدم: وإذا لم يجدوا أغصان الشجر فسيتلاكمون بأيديهم وأرجلهم.. يجب أن نبحث لأولادنا عن غذاء آخر يعوضهم عن طعام البطون.
حواء: هل تظن أنه إذا شبعت القلوب تسكت البطون الجائعة.
آدم: طبعا.
حواء: غريبة عندما يشبع قلبي، تتلوى بطني من الجوع.

 

آدم: إن أنغام القلب العاشق تطغي عادة على صراخ البطن الجائعة.
حواء: إذن علينا أن نجد زوجة جميلة لكل ولد من أولادنا تنسيه صراخ معدته.

 

آدم: وماذا يحدث لو أنجبنا عشرة صبيان وخمس بنات.
حواء: نبيل تعدد الأزواج تسمح أكل بنت أن تتزوج ولدين.

 

آدم: وإذا حدث العكس، هل نبيح تعدد الزوجات؟
حواء: مستحيل.. لا يمكن أن تقبل المرأة نصف زوج.

 

آدم: ولكن من رأيك أن يقبل الرجل من نصف زوجة؟
حواء: إن تكوين المرأة يختلف عن تكوين الرجل، المرأة عقلها صغير، ولذلك لن تقبل القسمة، أما الرجل فواسع الصدر.

 

آدم: من قال لك هذا الكلام؟
حواء: غريزتي أن الرجل أكبر عقلا من المرأة، ولذلك سيقبل الحل الوسط، أما المرأة فستقتل منافستها، ستدس السم لهزيمتها، يجب أن نلفت نظر الملائكة لهذا الخطر.

 

آدم: خطر عدم تساوي عدد الصبيان بالبنات.
حواء: كلا خطر زيادة عدد النساء إلى عدد الرجال، إن قلبي بحدثني بأن أولادنا سيتقاتلون، ويتركون عددا من بناتنا بلا أزواج، وعندها سينتهي العالم.

 

آدم: الحل هو أن تدربي بناتك على القتال حتى لا يقتل الأزواج وتعيش الزوجات.
حواء: لن تحارب المرأة.
 

آدم: قد تتحمس وتدخل الحرب جنبا إلى جنب مع الرجل.
حواء: ستتحمس، وستثير حماس الرجل وتتركه يدخل الحرب وحده.

 

آدم: هذا جبن.
حواء: بل إيمان.. إنها ستجلس في بيتها تصلي لرجلها حتى يعود سالما.
آدم: هل إذا ذهبت إلى الحرب ستصلين من أجلي؟
حواء: كلا سأصحبك إلى الحرب.

 

آدم: كما تقولين إن المرأة ستترك الرجل يحارب وحده.
حواء: سأمشي وراءك أذرف الدموع راجية منك أن تعدل عن القتال، وتعود معي إلى كوخنا.

 

آدم: هل تتصورين إن دموعك قادرة على ‘قناعي؟
حواء: منطقي لا يقنعك، ولكن دموعي كانت تقعنك دائما.

 

آدم: إذن لا خوف من قيام الحرب، دموع بناتنا ستضمن استمرار السلام على الأرض.
حواء: إذا لم تسرف البنات في استخدام هذا السلاح، فسيعتاد الرجال على رؤية دموع المرأة فتفقد تأثيرها.

 

آدم: لن نكون بناتنا بهذا الغباء.. لا يمكن أن يبعثرن دموعهن في الهواء.
حواء: أنا شخصيا أبعثر دموعي.

 

آدم: معنى ذلك إنك لن تجدي الدموع التي تمنعني من الذهاب إلى الحرب.
حواء: أعتقد بأنني ما زلت احتفظ بكمية من الدموع، ومع ذلك فإنني أعتقد أن في استطاعة المرأة أن تبكي وتهز أعصاب حبيبها دون أن تذرف دمعة واحدة نحس بها القلوب ولا تراها العيون.

 

آدم: هذه محسوبين من السماء.
حواء: لقد منحتك السماء عضلات وحرمتني من هذا السلاح.

 

آدم: ولكنها أعطتك سلاحين.. إذا ضاع السلاح الأول استنجدت بالسلاح الثاني.
حواء: واعطاك القدرة على اتخاذ قرارات سريعة.

 

آدم: واعطتك أنت طاقة صبر.
حواء: واعطتك شجاعة لا حدود لها، واعطتني قلب يصطاد الخوف والفزع.

 

آدم: ماذا يخيفك؟
حواء: أنت خائفة على الدنيا من الزحام.

 

آدم: أي زحام.. إن عدد سكانها لا يزيد عن إثنين أنا وأنت.
حواء: أخاف عليها عندما يزيد العدد، وأن يصطدم أولادنا مغ بعضهم في الطريق، وأخاف على أعصابهم من شدة الزحام، وأن يتضاربوا ويتعاركوا ويتحاربوا.

 

آدم: إن الدنيا واسعة وسهلة أكثر مما تتصورين.
حواء: هل تتسع لأكثر من عشرة.
آدم: ستتسع لألف ومائة ومليون.
حواء: عندها يقتل بعضهم البعض، وتنتهي البشرية وتعود الأرض لأصحابها.

 

إذن: من هم أصحابها.
حواء: الحيوانات التي خلقها الله بلا عقول.

 

آدم: لكن الحيوانات تقتل بعضها.
حواء: عندما تجوع، لكن الإنسان سيقول أخاه بعد أن يشبع.

 

آدم: من قال هذا الكلام؟ 
حواء: غريزتي إنها لا تكذب أبدا.. إن عقل الإنسان هو الذي سيدمر هذه الدنيا.

 

آدم: هذا العقل سيبني الدنيا؟
حواء: وهو الذي سيدمرها أيضا.

 

آدم: إذا أصيب بالجنون.
حواء: إن الجنون المدمر هو آخر مراحل العقل.
آدم: هل تتوقعين أن أصاب بالجنون في يوم من الأيام؟
حواء: نعم سيأتي اليوم الذي ستصل فيه ثقتك بنفسك إلى غرور، يومها سيطير عقلك.

 

آدم: وأنت بريئة من مرض الغرور؟
حواء: إن غروري يختلف عن غرورك، إنني مغرورة بجمالي وسحري، أما أنت فمغرور بقوتك، وغرور الجمال هو كبرياء أما غرور القوة فهو جنون.

 

آدم: أليس من حقي أن أعتز بقوتي؟
حواء: وأنا أعتز بضعفي.

 

آدم: لكنك لا تحتملين الهزيمة؟
حواء: هزيمتي تبكيني، والدموع تغسل جروحها، أما أنت فالهزيمة تثيرك وتوهمك أن الدماء وحدها هي التي تغسلها.

 

آدم: هذا دليل على أن عقلك أكبر من عقلي.
حواء: بل دليل على أن العقل الكبير أخطر من العقل الصغير، ولهذا فإنني أحمد الله دائما على صغر عقلي وقوة حدسي.
وفجأة تتلوى حواء في فراشها، ثم يسيل عرقها، وتضع يدها على فمها لتكتم صراخها.

 

آدم: ماذا جرى؟
حواء: لا شيء.


آدم: إنك تتألمين.
حواء: كلا.
ويزداد وجهها شحوبا، وإصفرارا، وفجأة تصرخ.

 

آدم: لا تحبسي صراخك في صدرك.
حواء: إنني أحس دقات عنيفة في بطني، وأحس أن جزءا من جسدي يتمزق، ويريد الانفصال عني.

 

آدم: بقايا الطعام الفاسد؟
حواء: كلا، إن الآلام هذه المرة تختلف عن الكلام الذي كنت أشعر بها، اتركني وحدي فترة.

 

آدم: لن أتركك وأنت تتلوى من الألم سأبقى بجانبك.
ازداد صراخ حواء، وتجهش بالبكاء من شدة الألم، ولا تحتمل أعصاب آدم صراخها، فيهرب من الكوخ.

 

ويتعقب الصراخ آدم أثناء هروبه، فيجري بعيدا عن الكوخ، ويعود إلى الكوخ في الظلام، فيما حواء تغني.

يمشي على أطراف أصابعه حتى لا تسمع حواء وقع أقدامه، فتنقطع عن غنائها الجميل، ثم تسكت حواء عن الغناء، وتبدأ تتكلم كلاما غريبا، لا معنى له.

 

يدخل آدم الكوخ ولا تحس حواء بدخوله.
آدم: لماذا تكلمين نفسك؟
حواء: أنا لا أكلم نفسي، كنت أتكلم مع ضيف هبط علينا من السماء.

 

آدم: ماذا قال لك؟
حواء: كلام جميل، أجمل كلمات حب سمعتها أذني، كلمات جديدة مزدحمة بالمعاني والنغمات.

 

آدم: ماذا قال بالضبط؟
حواء: قال: واء .. واء . . واء.

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم
 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي