بعد حادث فتاة الغربية.. خبراء تكنولوجيا المعلومات يحذرون

بسنت خالد
بسنت خالد

الغربية‭ - ‬محمد‭ ‬عوف

كارثة‭ ‬أخلاقية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬يشترك‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬بدون‭ ‬قصد‭ ‬ولا‭ ‬وعي‭ .. ‬الضحية‭ ‬فيها‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬وحده،‭ ‬بينما‭ ‬يكتفي‭ ‬المحيطون‭ ‬بالمشاهدة‭ ‬والمتابعة‭ ‬فقط،‭ ‬ويتحول‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬قضاة‭ ‬أحياناً‭ ‬ويصدرون‭ ‬الأحكام‭ ‬بلا‭ ‬تفكير،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يدرون‭ ‬أنهم‭ ‬يساعدون‭ ‬الجاني‭ ‬على‭ ‬نجاح‭ ‬خطته‭ ‬نحو‭ ‬الابتزاز‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬المتعددة،‭ ‬ليتحول‭ ‬الهوس‭ ‬الإلكتروني‭ ‬إلى‭ ‬ابتزاز‭ ‬علني،‭ ‬آخر‭ ‬ضحاياه‭ ‬الطالبة‭ ‬بسنت‭ ‬خالد‭.‬

 

مأساة‭ ‬بسنت‭ ‬خالد،‭ ‬فتاة‭ ‬كفر‭ ‬الزيات،‭  ‬صاحبة‭ ‬الـ17‭ ‬عاما،‭ ‬والتي‭ ‬فارقت‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬ابتزاز‭ ‬شابين‭ ‬لها‭ ‬بصور‭ ‬مفبركة،‭ ‬بعدما‭ ‬حاصرتها‭ ‬الشائعات،‭ ‬واتصالات‭ ‬زميلاتها‭ ‬وتنمر‭ ‬المحيطين‭ ‬بها،‭ ‬مما‭ ‬أصابها‭ ‬بحالة‭ ‬اكتئاب‭ ‬دفعتها‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬حياتها، وتمكنت‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬بالغربية‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬قطاع‭ ‬الأمن‭ ‬العام،‭ ‬من‭ ‬القبض‭ ‬عليهما،‭ ‬وهما‭ ‬‮«‬ابراهيم‭ ‬ا‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬ش‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أسفرت‭ ‬جهود‭ ‬فريق‭ ‬البحث،‭ ‬عن‭ ‬تحديد‭ ‬أماكن‭ ‬اختبائهما‭ ‬وباستهدافهما‭ ‬بمأمورية‭ ‬برئاسة‭ ‬قطاع‭ ‬الأمن‭ ‬العام،‭ ‬ومشاركة‭ ‬ضباط‭ ‬البحث‭ ‬الجنائي‭ ‬بأمن‭ ‬الغربية‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬ضبطهما،‭ ‬واتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬اللازمة‭ ‬والعرض‭ ‬على‭ ‬النيابة،‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بالتحقيق‭ ‬معهما‭ ‬وقررت‭ ‬حبسهما‭.‬

 

‮«‬أخبار‭ ‬الحوادث» ‬‭ ‬انتقلت‭ ‬لمنزل‭ ‬الأسرة‭ ‬بقرية‭ ‬كفر‭ ‬يعقوب،‭ ‬وتحدث‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬أبو‭ ‬المجد،‭ ‬خطيب‭ ‬شقيقة‭ ‬بسنت،‭ ‬والمحامي‭ ‬الذي‭ ‬يتولى‭ ‬القضية،‭ ‬إلينا‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬بسنت‭ ‬كانت‭ ‬تأخذ‭ ‬درساً‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الذي‭ ‬حدثت‭ ‬به‭ ‬الواقعة،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬مبكرًا‭ ‬إليه،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬للمنزل‭ ‬لكن‭ ‬حالتها‭ ‬النفسية‭ ‬كانت‭ ‬سيئة،‭ ‬موضحاً‭ ‬أن‭ ‬بسنت‭ ‬تناولت‭ ‬حبة‭ ‬حفظ‭ ‬الغلال‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬مباشرة،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬سيئة‭ ‬للغاية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنمر‭ ‬عليها‭ ‬أحد‭ ‬المدرسين‭ ‬أمام‭ ‬زملائها‭ ‬الشباب‭ ‬والبنات،‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬ما‭ ‬انتي‭ ‬شاطرة‭ ‬أهوه‭.. ‬بقيتي‭ ‬ترند‭ ‬زي‭ ‬ترند‭ ‬شيماء‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬استيائها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضحك‭ ‬عليها‭ ‬الجميع‭ ‬وسخروا‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تدري‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬حتى‭ ‬علمت‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬زميلاتها،‭ ‬بتداول‭ ‬صور‭ ‬وفيديوهات‭ ‬غير‭ ‬أخلاقية‭ ‬لها،‭ ‬عبر‭ ‬النت‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬القرية‭ ‬ولم‭ ‬تصدق‭ ‬نفسها‭ ‬وعادت‭ ‬للمنزل‭ ‬وهي‭ ‬منهارة‭.‬

 

ويفسر‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬إبراهيم‭ ‬الفخراني‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الاكلينيكي‭ ‬والإرشاد‭ ‬النفسي‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬طنطا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬بسنت‭ ‬ضحية‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الجنسية‭ (‬الذكورة‭ ‬والأنوثة‭)‬،‭ ‬فمعظم‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشرقية‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وتنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأنثى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬دورها‭ ‬جنسي‭ ‬فقط‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فتخيل‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬قاموا‭ ‬بالتحرش‭ ‬بها‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬ظهروا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬بنفس‭ ‬الصور‭ ‬فهل‭ ‬سوف‭ ‬يوجه‭ ‬المجتمع‭ ‬اللوم‭ ‬لهم‭ ‬وهل‭ ‬سينتحرون؟‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تربى‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬بالثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬والديها‭ ‬ومدرسيها‭ ‬لتدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تواجهها،‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬حساسة‭ ‬جداَ‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجسدية‭ ‬لأي‭ ‬تغيرات‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬حياتها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ولذا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬والأعصاب‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تناول‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بالدراسة‭ ‬ووضع‭ ‬الحلول‭ ‬العلمية‭ ‬للتغلب‭ ‬عليها‭.‬

 

بينما‭ ‬يحذر‭ ‬الدكتور‭ ‬أسامة‭ ‬مصطفى‭ ‬خبير‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬كل‭ ‬الصور‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬لفريسة‭ ‬أو‭ ‬ضحية‭ ‬فبركة‭ ‬الصور‭ ‬والابتزاز،‭ ‬موضحاً‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬للمواطن‭ ‬العادي‭ ‬كشف‭ ‬فبركة‭ ‬الصور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬أخطاء‭ ‬ظل‭ ‬وإضاءة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضعها‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬تحليل‭ ‬بيانات‭ ‬الصور،‭ ‬والذي‭ ‬سيبين‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصورة،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬برامج‭ ‬تعديل‭ ‬الصورة‭ ‬كثيرة،‭ ‬وصممت‭ ‬للترفيه،‭ ‬لكن‭ ‬البعض‭ ‬استخدمها‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فبركة‭ ‬الصور‭ ‬عقوبتها‭ ‬السجن‭ ‬5‭ ‬سنين‭ ‬بتهمة‭ ‬انتحال‭ ‬شخصية‭.‬

 

ويكشف‭ ‬النائب‭ ‬إيهاب‭ ‬رمزي،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬وعضو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬العقوبة‭ ‬المنتظرة‭ ‬ضد‭ ‬المتهمين‭ ‬اللذين‭ ‬تسببا‭ ‬في‭ ‬انتحار‭ ‬الطالبة‭ ‬بسنت‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬يجرم‭ ‬الابتزاز‭ ‬والتهديد‭ ‬وانتهاك‭ ‬حرمة‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة،‭ ‬وقانون‭ ‬تقنية‭ ‬المعلومات‭ ‬يجرم‭ ‬كل‭ ‬الجرائم‭ ‬على‭ ‬الوسائل‭ ‬المعلوماتية،‭ ‬مشيراً‭ ‬أن‭ ‬أقصى‭ ‬عقوبة‭ ‬لجريمة‭ ‬الابتزاز‭ ‬والتهديد‭ ‬بإفشاء‭ ‬الأسرار‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬سجن،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬مشكلة‭ ‬تشريعية‭ ‬بسبب‭ ‬ثبات‭ ‬العقاب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬الانتحار،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬آخرين،‭ ‬لا‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يعاقب‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الإيذاء‭ ‬البدني‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوفاة‭ ‬وليس‭ ‬الإيذاء‭ ‬النفسي،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬قصور‭ ‬تشريعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬المنوطة‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬قديمة‭ (‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1949‭)‬،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬الجرائم‭ ‬المستحدثة‭ ‬تحتاج‭ ‬لتشريع‭ ‬جديد‭ ‬يعالج‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬لذا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬البرلمان‭ ‬بتشريع‭ ‬جديد‭ ‬يحاسب‭ ‬على‭ ‬الإيذاء‭ ‬النفسي‭. ‬