إنچى ماجد
رفض الأسطورة سيدني بواتييه تقديم دور”عطيل” ذات مرة لأنه لم يرغب في أن يتم تصنيفه كممثل لا يجسد سوى الشخصيات سوداء البشرة، ليسلط الضوء برفضه هذا على المعضلة التي واجهها بنفسه، لكسر العديد من الحواجز العرقية في هوليوود، بعد أن أصبح أول فائز أسود البشرة بجائزة “الأوسكار” لأفضل ممثل، فقد كان دائما على دراية بكونه حامل لواء من أجل تكامل عرقي أكبر، لكنه شعر في كثير من الأحيان أنه أصبح بمثابة رمزا عرقيا، وهو ما حرمه من فرصة تقديم أدوار أكثر تنوعا.
هذه المقدمة البسيطة تلخص الحالة التي مثلها سيدني بواتييه في السينما الأمريكية، بعد أن رحل عن عالمنا نهاية الأسبوع الماضي عن عمر ناهز 94 عاما، مكانة بواتييه الاستثنائية في الفن الأمريكي، جاءت من قدرته الملحوظة على تجسيد أدوار قيادية ذكية، نجحت في تحطيم التابوهات العرقية بالسينما الأمريكية، وكذلك في العالم أجمع، على الرغم من أنه كان دوما يقلل من أهميته كنموذج يحتذى به.
ولد بواتييه في العشرين من فبراير لعام 1927 بمدينة ميامي بولاية فلوريدا، كان والديه مزارعين من جزر البهاما سافرا إلى الولايات المتحدة لبيع الطماطم، وشاء الحظ أن تلده والدته مبكرا ليحصل على الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسية جزر البهاما، ونشأ سيدني في جزيرة “كات”، إحدى جزر الباهاما قبل انتقال العائلة إلى العاصمة، ناسو.
انطلاقته السينمائية
لسوء الحظ، كان بواتييه يعاني من الصمم الجزئي، ولم يكن قادرا على الغناء، وهي الموهبة التي كانت شرط أساسي لعمل الممثلين السود في ذلك الوقت، ليقرر أن مستقبله يكمن في أن يكون ممثل مسرحي جاد، وليعرض عليه دور رئيسي في المسرحية الكوميدية”Lysistrata” عام 1946.عام 1949 أتخذ القرار الصعب بالإبتعاد عن العمل المسرحي ودخول عالم السينما، وقد كان بالفعل قرارا سليما، حيث أدى أدائه في فيلم”No Way Out” عام 1950 - والذي لعب فيه دور طبيب متخرج حديثا في مواجهة مريض عنصري - إلى لفت انتباه الأستوديوهات إليه.
كنت أؤمن بالأخوة
في عام 1958 جاء موعده مع المجد، عندما قدم فيلم”The Defiant ones” ، والذي ترشح عنه لجائزة “الأوسكار” كأفضل ممثل، كما فاز عنه بجائزة “البافتا” البريطانية، وبعد 5 سنوات نجح في الوصول إلى القمة بفوزه بـ”الأوسكار” عن فيلم”Lilies of the Field” ، ليصبح أول ممثل أسود البشرة يحقق ذلك الإنجاز.
ومع تنامي حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وجد بواتييه نفسه مثالا لأصحاب الإنجازات من ذوي البشرة السمراء، وهي المكانة التي قبل التواجد بها بكل سرور، وهو ما وصفه قائلا: “كنت ممثلا جيدا وآمنت بعقيدة الأخوة، تماما مثل كراهيتي للعنصرية والتفرقة، لأجد نفسي فيما بعد رمزا ضد هذه الأشياء.”
ورغم تلك المكانة التي لم يحلم بالوصول إليها، فقد كان سيدني قلقا من أن جائزة “الأوسكار” التي حصل عليها، ربما تكون جاءته بسبب حاجة هوليوود لممثل أسود رمزي، وليس بسبب جدارته كفنان مبدع، ثم جاء عام 1967 والذي كان بمثابة ذروة النجاح التجاري بالنسبة له، بعدما قدم فيه 3 أفلام دفعة واحدة، مما جعله أكثر نجوم هوليوود نجاحا وحصدا للإيرادات في ذلك العام؛ وخاصة مع تقديمه لشخصية مدرس حديث التخرج يلتحق بالعمل في مدرسة صعبة بالعاصمة لندن، في فيلمه الشهير “To sir, With love” ، المقتبس عن السيرة الذاتية للروائي البريطاني أي آر برايثويت، وهو العمل الذي أقتبست منه فيما بعد المسرحية الكوميدية الأشهر “مدرسة المشاغبين” للزعيم عادل إمام.
قدم بواتييه بعدها فيلم In the heat of the night””، والذي ترشح عنه لجائزتي “البافتا” و”الجولدن جلوب”، وجسد فيه دور محقق في فيلادلفيا وجد نفسه عالقا في بلدة ميسيسيبي في الليلة التي قتل فيها رجل أعمال، أداء سيدني لتلك الشخصية منحه أقوى أدوار عمره، ليقتنص الفيلم 5 جوائز “أوسكار”، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم.
الإخراج والدبلوماسية
ثم قدم فيلم Guess Who’s Coming to Dinner، والذي لعب فيه شخصية حبيب لفتاة بيضاء من الطبقة المتوسطة تأخذه لمقابلة والديها، واللذان كانا حائران بين قيمهما الليبرالية التي تدعو إلى المساواة، وبينرد فعلهما تجاه أن يدخل عائلتهما شاب أسود البشرة.
في الوقت الذي بدأ فيه تصوير الفيلم، كان الزواج بين الأعراق المختلفة لا يزال غير قانوني في 17 ولاية أمريكية، وتم إلغاء هذه القوانين فقط من قبل المحكمة العليا قبل أشهر قليلة من عرض الفيلم، ورغم أفكار أفلامه التي تتحدث عن العنصرية التي يواجهها مجتمع السود، إلا أن بواتييه واجه انتقادات من بعض نشطاء الحقوق المدنية السود، الذين أعربوا عن استياءهم من أن شخصيات بواتييه لا تتحدث عن الواقع المرير الذي يواجهونه في الحياة.
أدت تلك الإنتقادات إلى إقناعه بالابتعاد عن التمثيل، ليشارك في الحملة التي نادت باستقلال جزر البهاما، وهو الاستقلال الذي تحقق في عام 1973، ليبدأ بعدها حياة مهنية جديدة كمخرج.