علاء عبد الكريم
إنها ليست خطيئة الحياة؛ أن تحيا بالشكل الذي تحبه وتريده، دون أن يعتدي أحد على حريتها وخصوصيتها.
ليس من الإنصاف والعدل؛ أن تشعر طول الوقت أنها في نضال مستمر مع آفات اجتماعية يعدون عليها حتى أنفاسها.
نعم، من حقها كامرأة أن يكون لديها ميلًا للعبث والفرح بالطريقة التي تراها مناسبة لها، أن تزرع السعادة في نفسها، مستمتعة للبيئة المحيطة بها، ليس من حق أحد كائن من كان على الإطلاق، أن ينتقص من حقوقها في الحرية والمساواة، فالأرض تتسع للجميع، لذا فلا صفح لمن يخترق حقها في الحياة، ولن يستطيع أحد أن يُسقطها في حزن عميق.
آية، لأنها رقصت على سطح مركب في رحلة نيلية مع زملائها صارت بفعل واحد من ديدان الأرض- هؤلاء منتهكي خصوصية الآخرين- متهمة بإساءة ما يسمونه «هيبة التعليم»، آية بعد انتشار الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي اضطرت للتنازل عن وظيفتها، وانهارت حياتها العائلية في حين أن رقص الرجال الذين كانوا معها في نفس الفيديو لم يتم انتقاده على السوشيال ميديا.
هل كان لازامًا عليها أن تسطر هذه السطور التي تقطر دمعًا سكبته عيناها، علها تُطفئ اللظى بداخلها، ولكن ليس كل جرح ممكن أن يندمل بسهولة؛ «..أنا اللي اتنازلت عن الوظيفة، بس عاوزه أقول للناس متحكموش على شخص لمجرد إنه فرح كلنا فرحنا وكلنا رقصنا، وكله بيرقص في أفراح إخواته وبناته، وبعدين ده كان يوم ترفيهي، كان يوم جمعة ومكنش في طلاب، ومكنتش أعرف إني بتصور».
آية معلمة المنصورة؛ هي حكاية- للأسف- تحدث مرارًا وتكرارًا.
منذ سنوات ليست بالبعيدة؛ ضجة كبيرة أثارها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عقب تصوير فيديو للفنانة الشابة ريم أحمد، والمعروفة وهي طفلة صغيرة بـ»هدى الزئردة»، إحدى أبناء «ونيس» في المسلسل التليفزيوني الشهير «يوميات ونيس»، وهي ترقص «الزومبا»، وهي ليست رقصة بقدر ما هي تمارين رياضية، في أحد المهرجانات التي نظمتها مستشفى «بهية» لدعم مريضات السرطان، وهو ما اعتبرته الفنانة الشابة تعديًا على خصوصيتها وحريتها الشخصية، وهو ما أيده الكثيرون من محبيها على حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بمحاسبة الذي صوّر الفيديو، وبثه على شبكة الإنترنت.
وكأن مطلوب أيضًا من الفنانة الشابة ريم أحمد رغم أنفها أن تدافع عن نفسها أمام من لا أخلاق لهم، حين قالت؛ «لم أقم بأي حركات خارجة، كما أنني كنت أرتدي ملابس واسعة غير لافتة».
ثم هل ننسى واقعة سيدة البلكونة، التي صارت حديث الصباح والمساء على السوشيال ميديا وبرامج التوك شو بلا داعِ؛ بطلتها سائحة أوكرانية وقفت في شرفة محل إقامتها تنشر الغسيل بملابس خفيفة، ومن ثم قام أحد الجيران متلصصًا- وهذا أقل ما يمكن وصفه- بتصويرها خلسة ونشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقدم ببلاغ ضدها في قسم الشرطة وانتهى الأمر بالتصالح.
وآخر بأسلوب منحط؛ قام صاحب محل ترزي بمول شهير بوضع موبايل ببروفة السيدات لتصويرهن أثناء تغيير ملابسهن، وبعد كشفه صدر قرار من النيابة العامة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات التي تجري.
وتظل نفس الحكاية أو بأدق المأساة التي لها بداية؛ منذ ظهور الهواتف الذكية- وهي تكنولوجيا فذة إما أن نستخدمها كوسيلة اتصال رائعة في ظل ما اصطلح عليه بالجيل الثالث والرابع وما بعدهما أو أن يكون وسيلة من وسائل ارتكاب الجرائم- وليس لها آخر؛ قبل أن يمضي العام المنصرم؛ وداخل مطعم شهير بمدينة نصر جرت هذه الأحداث المؤسفة؛ فوجئت سيدة بوجود كاميرا مراقبة بحمام السيدات، وما إن رأتها استغاثت السيدة بذويها والموجودين بالمطعم، وسرعان ما انتقلت قوة أمنية لمحل الواقعة وتم التحفظ على كاميرات المراقبة والاستماع لأقوال الضحية والشهود.
ومن التحقيقات التي جرت مع المتهم الذي يعمل ضمن شركة نظافة متعاقد معها المطعم وتم فسخ التعاقد بعد اكتشاف الجريمة اعترف؛ «بارتكابه لواقعة التصوير خلسة بعد زرع هاتفه بهواية الشفاط بسقف حمام السيدات داخل المطعم، وقرر أنه اعتاد على هذا الفعل المشين منذ فترة إلى أن تم فضح أمره، وبفحص هاتفه، عثر على 4 فيديوهات منها مقطع مدته ساعة ونصف يظهر به عددًا من النساء داخل الحمام.
وهذه فتاة انتابها الفزع حين رأت شيئًا يتحرك داخل الحائط بغرفة تغيير بمحل ملابس في منطقة العمرانية بالجيزة، وإما أن تفر الفتاة هاربة خائفة ولا تتحقق من هذا الشئ أو تُمعن النظر فيه، اختارت المواجهة التي كشفت الجريمة؛ تبين لها وجود عين بشرية تترصدها من ثقب في الحائط، وإذا بشخص يتلصص عليها ويقوم بتصويرها بعدسة الموبايل أثناء تبديل ملابسها، وفور التقاء عينيهما بدأت في الصراخ وتجمهر رواد المحل واتصلت بالشرطة، وتم القبض على المتهم وأحيل إلى النيابة والتحقيق معه.
«الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس»، هذا ما أكده الدستور في المادة 54، بل وتأكيدًا لهذا أشار في المواد 57 و58 و59 وغيرها إلى تأكيد حماية الحرية الشخصية للفرد، وعلى أن كل اعتداء على الحرية الشخصية وغيرها من الحقوق والحريات العامة جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية الناشئة عنها بالتقادم، ورغم ذلك نسمع هنا وهناك خاصة عبر وسائل التواصل الإجتماعي عن جرائم عنوانها انتهاك صارخ للخصوصية، لذا لا عزاء لنا إلا أن نتطلع إلى ضرورة تغليظ العقوبة لتتناسب مع هذا الجرم، لعل قصة معلمة المنصورة آية تكون سببًا لهذا.
مخطأ من يظن أن الرقة ممكن يومًا أن تتصالح مع العنف.