«نقابة الأطباء»: نحن ضد الإدانة المسبقة والتشهير بأي من أعضائنا

وائل الإبراشي
وائل الإبراشي

قال الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية يؤكد في ظل الجمهورية الجديدة على أن مصر دولة قانون. 

وأضاف خلال مداخلة تليفزيونية، أن «النقابة ضد الإدانة المسبقة والتشهير بأي عضو من أعضائها»، مشيرًا إلى أن «الأعراف والقوانين الإعلامية لا تقر الإساءة لأحد دون انتهاء التحقيق ويثبت خطؤه بالحق».

وأشار إلى أن التحقيقات بدأت في قضية وفاة الإعلامي وائل الإبراشي، معقبًا: «تم إطلاق الاتهامات والتأكيد على الخطأ والتشهير باسم الطبيب وشخصه وبطريقة مستفزة، لا يجوز إطلاقا إدانة أحد بصورة مسبقة والتشهير به بهذه الطريقة، النقابة لن تقف عاجزة أمام ما يحدث وسنتخذ كل الإجراءات القانونية التي تحفظ حق النقابة وأعضائها».

في سياق آخر، تحدث عن قانون المسؤولية الطبية، وأوضح أن 3 نواب قدموا 3 مشروعات للقانون تمت مناقشتها في لجان اجتماع حضرها أعضاء النقابة، قائلًا إن لجنة الصحة بالبرلمان تدرس المشروعات الثلاثة للخروج بمشروع واحد.

ومن الجدير بالذكر بعد وفاة الإعلامي وائل الابراشي إثر تعرضه كما يشاع إلى خطأ طبي كما نقرأ في هذه الأيام كلامًا عن أخطاء بعض الأطباء عند إجرائهم لبعض العمليات الجراحية أو عند معالجتهم لبعض المرضى.. نستعرض في هذا التقرير الحكم الشرعي في هذه الأخطاء، وما مدى المسؤولية على الأطباء؟.

حيث عرضت دار الإفتاء تفاصيل في هذا الأمر وعددت في هذا الصدد عدة نقاط منها:

أولًا: المسؤولية تختلف أهميتها وخطرها باختلاف آثارها ونتائجها، ومما لا شك فيه أن المسؤولية الملقاة على عاتق الأطباء تعتبر من أعظم المسؤوليات وأضخمها؛ لأنهم هم الأمناء على أرواح الناس وأبدانهم، وعلى أيديهم يتم الشفاء بإذن الله من أعضل الأمراض، وأشدها كما أن الخطأ منهم أو الإهمال كثيرًا ما يؤدي إلى تأخر الشفاء أو إلى الهلاك والموت.


ثانيًا: مهنة الطب من المهن التي وجدت منذ آلاف السنين؛ لأن الإنسان في كل زمان ومكان يبحث عما يشفيه من مرضه، وقد يضحي في سبيل ذلك بكل ما يملك من أموال؛ إذ الصحة نعمة لا تعادلها نعمة ولا يعرف قيمتها معرفة تامة إلا الذين ذاقوا آلام المرض وجربوا متاعبه وهمومه، وفي الحديث الشريف: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ» رواه البخاري، ولقد اقتضت رحمة الله تعالى بعباده أن يوجد في كل زمان ومكان أناس يوفقهم إلى معرفة الدواء الذي يؤدي إلى الشفاء من العلل والأسقام، وإذا كانت معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تتناسب مع ما برع فيه أقوامهم فإننا نجد أن معجزة عيسى عليه السلام كان هناك جانب كبير منها يتعلق بالطب؛ لأن الطب في زمنه عليه السلام كان على رأس المهن التي نبغ فيها قومه، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْني﴾ [المائدة: 110]، ولقد كان كتاب "القانون" في الطب للشيخ الرئيس ابن سينا المتوفى سنة 428هـ من المراجع الطبية الأصيلة في أوربا، ووصل الحال بهم أنهم كانوا لا يمنحون شهادة الطب للشخص إلا إذا كان مجيدًا لجميع النظريات التي اشتمل عليها هذا الكتاب النفيس الذي ترجم إلى اللغات المختلفة، ورحم الله القائل: "إن علم الطب قد دخل على أوربا بعمامة وعاد إلينا بعد حينٍ بقبعة"، والذي يراجع "مقدمة ابن خلدون" يجد كلامًا جيدًا عن علم الطب وعن مجالاته وعن طرق العلاج وعن أشهر المؤلفات التي ألفت في هذا العلم. راجع: "مقدمة ابن خلدون" (3/ 1441) بتعليق الأستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافي.


ثالثًا: لقد أمرت شريعة الإسلام بالتداوي من الأمراض ووضعت لذلك وسائل متعددة منها:

أ- البحث عن الدواء المناسب على يد الطبيب الثقة المشهود له بتخصصه في هذا الفن؛ فقد روى الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»، وفي رواية: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، أي: فإذا نزل الدواء على الداء بشرب أو غيره برأ المريض من علته بإذن الله تعالى.


ب- التحرز عن كل ما يؤدي إلى المرض عن طريق الحجر الصحي والابتعاد عمن يحمل الأمراض المعدية، روى الشيخان البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ-، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"، وعندما اختلف الصحابة في دخول بعض بلاد الشام التي ظهر بها الطاعون، قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: إن عندي من هذا علمًا؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ».


رابعًا: وإذا كانت هناك صفات كريمة وخلال حسنة يجب أن يتحلى بها الناس في تعاملهم مع غيرهم فإن أولى الناس بالتحلي بهذه الصفات الكريمة هم الأطباء، وعلى رأس هذه الصفات:
أ- الرحمة، ورقة القلب، ولين الجانب، وسعة الصدر؛ وذلك لأن الأطباء يتعاملون مع أناس قد داهمهم المرض واستشرى فيهم الداء الذي جعلهم لهم عذرهم إذا ما خرجوا عن وعيهم وعن ثباتهم، ومما لا شك فيه أن هؤلاء المرضى هم أولى الناس بالرعاية والرحمة والرفق ولا سيما من أطبائهم الأمناء عليهم، وإذا فقد الطبيب هذه الصفات يكون قد فقد أهم خصائص مهنته.


ب- كذلك من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأطباء: صفة الأمانة بأشمل معانيها وبأوسع مدلولاتها؛ وذلك لأن الطبيب هو أدرى الناس بأحوال المريض وبوسائل علاجه فعليه أن يرشده إلى ما ينفعه بكل أمانة ودقة، وعلى أن لا يفشي سره إلا إذا كانت هناك ضرورة تستدعي ذلك وعليه أن يبذل قصارى جهده لراحة المريض والوصول به إلى طريق الشفاء.


خامسًا: ولقد وضع الفقهاء شروطًا لمن يتصدى للعمل بالطب وبينوا ما للأطباء من حقوق وما عليهم من واجبات وذكروا كثيرًا من العقوبات التي يعاقب بها من يتعدى حدود هذه المهنة السامية:

أ- ومن بين الشروط التي وضعوها لمن يعمل بمهنة الطب أن يكون عالمًا بها متخصصًا فيها خبيرًا بتفاصيلها ودقائقها وأنه يحجر على المتطبب الجاهل ولا يمكن من معالجة الناس، ولا جدال في أن مقياس العلم بالطب يختلف باختلاف العصور وبتقدم العلوم فقد كان المقياس في بعض العصور الغابرة شهرة الطبيب بإجادة مهنة الطب، وأن يشهد طبيبان من أهل الصناعة وذوي البصر بالطب بأنه أهل لممارسة أعمال الطب، والأصل في ذلك ما رواه الأئمة أبو داود والترمذي وابن ماجه في "سننه" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ»، ولقد جاء في كتاب "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" للإمام القفطي (ص: 130): [أن الخليفة العباسي المقتدر أمر طبيبه سنان بن ثابت بن قرة الحراني أن يمتحن أطباء بغداد في وقته وأن يمنح من يرضاه في علمه وعمله إجازة لما يصلح أن يتصرف فيه من الطب، وقد كان هذا الأمر من الخليفة المقتدر على إثر خطأ طبيب في العلاج أفضى هذا الخطأ إلى موت المريض، ومما يذكر في هذا الشأن أن هذا الخليفة قد أمر محتسبه الذي هو بمنزلة وزير الداخلية في هذا الوقت أن يراعي ذلك، فلا يأذن لأحد بممارسة الطب إلا إذا كان مجازًا من طبيبه سنان بن ثابت الذي كانت وفاته سنة 331هـ] اهـ بتصرف.


وذكرت دار الافتاء انه وجاء في كتاب "معالم القربة في أحكام الحسبة" للعلامة محمد بن محمد القرشي الشافعي بعد كلام طويل في الحسبة على الأطباء والجراحين والمجبرين جاء في هذا الكتاب بعد كلام طويل في الطب ولزومه ما ملخصه: والطبيب هو العارف بتركيب البدن ومزاج الأعضاء والأمراض الحادثة فيها وأسبابها وأعراضها وعلاماتها والأدوية النافعة فيها والاعتياض عما لم يوجد منها والوجه في استخراجها وطريق مداواتها بالتساوي بين الأمراض والأدوية في كمياتها ويخالف بينها وبين كيفياتها، فمن لم يكن كذلك فلا يجعل له مداواة المرضى ولا يجوز له الإقدام على علاج يخاطر فيه ولا يتعرض لما لا علم له فيه، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ» رواه بن ماجه، وينبغي أن يكون لهم مقدم أي رئيس من أهل صناعتهم، فقد حكي أن ملوك اليونان كانوا يجعلون في كل مدينة حكيمًا مشهورًا بالحكمة ثم يعرضون عليه بقية أطباء البلد فيمتحنهم، فمن وجده مقصرًا في عمله أمره بالاشتغال وقراءة العلم ونهاه عن المداواة، وينبغي إذا دخل الطبيب على المريض سأله عن سبب مرضه وعما يجد من الألم ثم يرتب له قانونًا من الأشربة وغيره من العقاقير ثم يكتب نسخة لأولياء المريض بشهادة من حضر معه عند المريض، وإذا كان الغد حضر ونظر إلى دائه ونظر إلى قارورته -لعل المراد بالقارورة التي يكون بها البول؛ ليتعرف سير المرض من لونه أو لعلها قارورة الداء-، وسأل المريض: هل تناقص به المرض أو لا؟ ثم يرتب له ما ينبغي على حسب مقتضى الحال ويكتب له نسخة ويسلمها لأهله، وفي اليوم الثالث كذلك وفي اليوم الرابع وهكذا إلى أن يبرأ المريض أو يموت، فإن برئ من مرضه أخذ الطبيب أجرته وكرامته وإن مات حضر أولياؤه عند الحكيم المشهور وعرضوا عليه النسخ التي كتبها لهم الطبيب، فإن رآها على مقتضى الحكمة وصناعة الطب من غير تفريط ولا تقصير من الطبيب قال: هذا قضي بفروغ أجله، وإن رأى الأمر بخلاف ذلك قال لهم: خذوا دية صاحبكم من الطبيب فإنه هو الذي قتله بسوء صناعته وتفريطه، فكانوا يحتاطون على هذه الصورة الشريفة إلى هذا الحد حتى لا يتعاطى الطب من ليس من أهله ولا يتهاون الطبيب في شيء منه، وينبغي للمحتسب أن يأخذ عليهم عهد أبقراط الذي أخذه على سائر الأطباء، يحلفهم أن لا يعطوا أحدًا دواء مضرًا ولا يركبوا له سمًا ولا يذكروا للنساء الداء الذي يسقط الأجنة ولا للرجال الذي يقطع النسل وليغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى ولا يفشوا الأسرار ولا يهتكوا الأستار ولا يتعرضوا لما ينكر عليهم وينبغي للطبيب أن يكون عنده جميع آلات الطب على الكمال ..إلخ. انظر: بحث عن "مسؤولية الأطباء" للمرحوم الشيخ عبد العزيز المراغي، "مجلة الأزهر"، المجلد العشرون، سنة 1368هـ- 1948م، ص: 206.


وبينت دار الافتاء أن في هذا النص الطويل يتبين لنا أن الفقهاء قد عرفوا الطبيب تعريفًا مناسبًا واشترطوا لمن يشتغل بالطب شروطًا دقيقة وقرروا أن على الأطباء أن يجعلوا لهم رئيسًا منهم يتولى رعاية شؤونهم ويختبر من يريد الاشتغال بالطب، كما أن الفقهاء قد تعرضوا للعقوبة التي يجب أن يعاقب بها من يهمل في أداء هذه المهنة الشريفة أو من يكون دخيلًا عليها، وأن على المحتسب أن يأخذ على الأطباء العهود والمواثيق أن يؤدوا وظيفتهم على أكمل وجه وعلى أن يلتزموا عند أدائهم لوظيفتهم الآداب السامية التي تقتضيها مهنتهم الشريفة.


سادسًا: لقد نقل المرحوم الدكتور أحمد عيسى في كتابه "تاريخ البيمارستانات في الإسلام" صورتين لإجازتين في الطب منحت إحداهما لفصاد ومنحت الأخرى لجراح:
أما الإجازة الأولى فنصها: هذه صورة ما كتبه الشيخ الأجل عمدة الأطباء ومنهاج الألباء الشيخ شهاب الدين ابن الصايغ الحنفي رئيس الأطباء بالديار المصرية إجازة للشاب المحصل محمد عزام أحد تلامذة الشيخ الأجل الشيخ زين الدين عبد المعطي رئيس الجراحين على حفظه لرسالة الفصد، ثم ذكر الإجازة ووظيفة المجاز وأنه كان مساعدًا لشيخ طائفة الجراحين بالبيمارستان المنصوري... إلخ ما ذكر في الكتاب المشار إليه.
وأما الثانية: فهي إجازة صادرة من رئيس الجراحين بدار الشفاء المنصوري للشيخ شمس الدين محمد القيم الجراح وفي آخرها: فاستخرت الله تعالى وأجزت له أن يتعاطى من صناعة الجراح ما أتقن معرفته؛ ليحصل له النجاح والفلاح وهو أن يعالج الجراحات وأن يفصد من الأوردة ويبتر الشرايين وأن يقلع من الأسنان الفاسدة ..إلخ بتاريخ صفر الخير سنة إحدى عشرة وألف سنة 1602م.


واوضحت الدار  ان فضيلة المرحوم الشيخ عبد العزيز المراغي معلقًا على هاتين الإجازتين: والناظر في الإجازتين يعلم أن الإجازة كانت إما على أساس رسالة لطالب الإجازة وقدمها ونوقش فيها أو على التعليق على رسالة لمن سبقه حققها وعلق عليها تعليقًا يفيد العلم إفادة محققة، وذلك هو نوع رسائل الدكتوراه في أيامنا الحاضرة ومن الظريف أن مانح الإجازة الأول هو أحمد بن سراج الدين الملقب شهاب الدين المعروف بابن الصايغ الحنفي كان رئيس الحنفية بمصر ومدرسهم بالبرقوقية وكان مع ذلك رئيس الأطباء وكانت له بنت واحدة تولت مشيخة الطب مكانه عند وفاته.
انظر: بحث عن مسؤولية الأطباء للمرحوم الشيخ عبد العزيز المراغي. "مجلة الأزهر" المجلد العشرون سنة 1368هـ- 1948م.


سابعًا: كذلك قرر الفقهاء أن الأطباء شأنهم شأن غيرهم من أصحاب المهن الأخرى مسؤولون عن أخطائهم التي كان يمكنهم التحرز عنها والتي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمريض، فلقد قرر الفقهاء أن الطبيب إذا أخطأ في العلاج بأن عالج بغير ما يقرره الطب أو بغير ما هو معروف ومشهور بين الأطباء بأنه دواء لمرض معين، وأدى ذلك إلى إلحاق أذى بالمريض أو إلى وفاته فعلى الطبيب في هذه الحالة الدية، أو ما يحكم به القاضي بالنسبة لهذا الخطأ، فقد قال الإمام الشهاب الرملي في تعليقه على كتاب "شرح الروض": ولو أخطأ الطبيب في المعالجة وحصل التلف وجبت الدية على عاقلته.
وقال الإمام الشافعي ما ملخصه في كتاب "الأم" (6/ 166): [وإذا قام الطبيب بالحجامة لمريض أو بختن غلامه أو بعلاج دابته فتلفوا من فعله فإن كان فعل -أي الطبيب- ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه، وإن كان فعل ما لا يفعله مثله من أراد الصلاح وكان عالمًا به فهو ضامن] اهـ.


وقال القاضي برهان الدين إبراهيم بن فرحون المالكي في كتابه "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام" عند الكلام على ضمان الصناع والأطباء (2/ 327): [وإن كان الخاتن غير معروف بالختن والإصابة فيه وعرض نفسه أي لهذا العمل فهو ضامن لجميع ما وصفنا في ماله ولا تحمل العاقلة -أي عشيرته- من ذلك شيئًا وعليه من الإمام العدل العقوبة الرادعة بضرب ظهره وإطالة سجنه والطبيب والحجام والبيطار فيما أتى على أيديهم بسبيل ما وصفنا في الخاتن] اهـ.


ومن هذه النصوص الفقهية يتبين لنا بوضوح أن الفقهاء قد تعرضوا لبيان العقوبات الشرعية التي تترتب على مخالفة الطبيب وغيره لما تقتضيه طبيعة مهنته من أمانة وخبرة وأداء سليم لها، وملخص ما قالوه في ذلك: إن نتائج مخالفته لآداب مهنته إن كانت جنائية عوقب بما يناسب جنايته، وإن كانت غير ذلك فهي داخلة في نطاق الأشياء التي يمكنها المحتسب ويملك العقوبة بها من الناحية التأديبية، ولقد كان المحتسب في الأزمان الماضية يملك ما تملكه أية هيئة إدارية اليوم أو ما تملكه نقابة الأطباء بلوائحها ورسومها، وبذلك يكون الفقه الإسلامي قد نظم مهنة الطب وقصرها على الأشخاص الذين يحكم أهل الخبرة وعلى رأسهم كبير الأطباء بأنهم يصلحون للقيام بهذا العمل الإنساني الدقيق، ويكفي دلالة على ذلك ما رواه أبو نعيم من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ» رواه بن ماجه.


ثامنًا: وكما فصل الفقهاء القول في الحالات التي تجعل أصحاب المهن وعلى رأسهم الأطباء مسؤولين عن نتائج أخطائهم فقد فصلوا القول أيضًا في الحالات التي ترتفع عنهم فيها المسؤولية، وملخص ما قالوه في ذلك: إن عدم المسؤولية منوط بالإذن إذا كان العمل معتادًا ولم يجاوز الرسم المتبع في أمثال هذه العمليات، بأن يكون ما فعله الطبيب موافقًا للقواعد الطبية التي تتبع في كل مرض ببينة، وفي كل حادثة على حدتها، فقد جاء في "الدر المختار وشرحه" (6/ 68): [ولا ضمان على حجام وبيطار وفصاد لم يجاوز الموضع المعتاد] اهـ بتصرف. أي لم يفعل فعلًا يخالف ما جرى عليه الأطباء في معالجة ذلك الجرح أو تلك العلة، وبعد فهذه قطوف من مسؤولية الأطباء كما يراها الفقهاء، ومنها نرى أنهم لم يقصروا في بيان هذه المسؤولية وفي تحرير محل النزاع فيها وفي بيان ما للأطباء من حقوق وما عليهم من واجبات. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أقرأ أيضاً| النائب العام يأمر بالتحقيق في واقعة وفاة وائل الإبراشي