رسالة نارية من ثائر ديب لجائزة الشيخ حمد للترجمة

رسالة نارية من ثائر ديب لجائزة الشيخ حمد للترجمة
رسالة نارية من ثائر ديب لجائزة الشيخ حمد للترجمة

السيد الأمين العام للجائزة المحترم،
السادة أعضاء مجلس الأمناء المحترمون،
تحية طيبة؛

جرى يوم 21 نوفمبر 2021 إعلان أسماء الفائزين بفروع جائزتكم الموقَّرة قبل يوم كامل من الموعد المقرَّر لذلك. وتبع إعلان النتائج التي حجبت جائزة فرع الإنجاز للغة الإنجليزية، تقديم أحد ميسّري الجائزة استقالته، بحسب ما كَتَبَ إليّ. والسؤال هو ما الرابط بين هذه الأمور، وما الذي جرى وسيظل يجري في كواليس هذه الجائزة المهمة إن لم تُتَّخذ التدابير المناسبة؟
لا شكَّ أنَّ جائزتكم الموقَّرة التي تمنحها دولة قطر هي أهم جائزة عربية وعالمية، في بابها، وأكثرها سخاء. وهي تأتي بفروعها المتعددة تقديراً لكدّ المترجمين وجهدهم الرفيع في ربط العرب والعربية ببقية العالم على طريق التفاهم الدولي السلمي والحضاري.


لكنّه يبدو،للأسف، أنَّ من استؤمن للوقوف على تسيير هذه الجائزة وإدارتها، السيد محـمد الأحمرى يخلو سجله من حيث النتاج، مما يؤهّله للوقوف على رأس جائزة بمثل هذه الأهمية والتخصص؛ وامتلاء هذا السجلّ، من حيث إدارة الجائزة وتسييرها، بالخروق التي تسيء إلى مبادئها وقواعدها المُعلنة؛ بدءًا بمنحها في إحدى الدورات لواحدٍ من ميسّريها، في خرق لمبدأ أساس من مبادئها، يمنع من الترشّح إليها أيًّا من أمنائها أو ميسّريها؛ مرورًا بمنحها لمترجمين غير أكفياء (إلى جانب منحها لأكفياء، بالطبع) وحجبها عن بعض مستحقيها لأسباب لا علاقة لها بالترجمة وما يحفّ بها، بل بأهواء الأحمري؛ وصولًا إلى استغلاله عملية الفرز الأولي المناطة بالميسّرين كي يمنع من الوصول إلى لجان التحكيم المستقلّة كتبًا ومترجمين ما كان لأيّ فرز نظيف ومنصف أن يمنعهم من ذلك.


من المعروف في مثل هذه الجوائزأنَّ ثمة فرزًا أوليًا يستبعد ما يخرق قواعد التقدّم المعلنة -كشرط تاريخ الإصدار واللغة المقررة ونوع الحقل المعرفي المطلوب- في حين يُترَك للجان التحكيم المستقلة، بما لديها من تعليمات مفصّلة متعددة الأبعاد، أن تُبقي على الجائزة نزيهة ونظيفة وضمن المعايير المحدَّدة المتعلقة بالترجمة في النهاية. لكنّ الأحمري استبعد في الفرز الأولي، أكثر من مرة، كتبًا لأنّه اعتبرها ماركسية أو تجميعًا لمقالات أو مسيئة للقيم الإسلامية، مما كان يجب أن يُترَك أمر البتّ فيه للجان التحكيم المختصة وما لديها من قواعد للحكم.


ولعلّ الأسوأ بعد هو ما يمارسه الأحمري في فرع الجائزة المخصص للإنجاز الذي يُمنح على مجمل أعمال مترجم، والذي يبدو أنّ أمر الحسم فيه هو داخل مؤسسة الجائزة، متروك للأحمري واثنين من ميسّري الجائزة مشهود لهما بتخصصهما ونزاهتهما، إذا ما سمح الأحمري لهذا التخصص وتلك النزاهة أن يأخذا مجراهما. والحال، إنَّ ما جرى معي شخصيًا في فرع الجائزة هذا لعام 2021 هو ما أكّد لي بلا لبس فساد سلوك الأحمري وتغليبه أهواءه وإساءته للجائزة وما تبتغي أن ترمز إليه من تعزيز التفاهم الدولي والانفتاح الثقافي وتشجيع الجودة والإتقان.

السادة الأمناء
أظنّ أنني مترجم معروف لديكم؛ جرى اختياري كمحكّم في جائزتكم الموقّرة في جميع دوراتها التي لم أتقدّم فيها كمتسابق، كما حكّمت فى جوائز سواها، وترجمتُ حتى تاريخ تقدّمي لجائزة الإنجاز لعام 2021 ما يزيد على خمسين كتاباً ومئات المقالات، ولعلّي واحد من أكثر المترجمين في العالم العربي استشهادًا بالأعمال التي ترجمتها من قِبَل الباحثين الأكاديميين وسواهم،  وراجعت في وزارة الثقافة السورية وفي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وغيرهما من المؤسسات مئات الكتب، وأجريت بصدد الترجمة عشرات المقابلات، وكتبت عشرات المقالات والأبحاث المحكّمة، وشاركت في عشرات المؤتمرات، وأسّستُ وترأست تحرير الأعداد الأولى من مجلة «جسور» التي تُعنى بالترجمة ودراساتها في وزارة الثقافة السورية، وساهمت في هيئات تحرير دوريات أخرى مثيلة، وكنتُ عضواً في الهيئة الاستشارية لسلسلة «ترجمان» التي يصدرها المركز العربي، وعضواً في الهيئة الاستشارية لمشروع «نقل المعارف» المشترك بين هيئة البحرين للثقافة والآثار واليونسكو.

وعضوًافي الهيئة الاستشارية لمجلة «الثقافة الأجنبية» التي تصدرها  دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة العراقية،ونلت تكريم المشروع القومي للترجمة في مصر في عام 2019،  والسؤال: إنْ لم يكن هذا إنجازًا (كمًّا ونوعًا) فما الذي يكون عليه الإنجاز، إذًا، بالنسبة إلى شخص فرد سبق أن ضيّع العسف السياسي سنين طويلة من عمره؟
مع ذلك، لم يكن في ذهني مطلقًا أن أتقدّم لجائزة الإنجاز لعام 2021. وتقدّمتُ إليها بناءً على طلب هاتفي من أحد ميسّري الجائزة في آخر يونيو الفائت على أساس أنَّ اللائحة الداخلية للجائزة تسمح لمؤسستها بأن ترشّح مترجمين أو كتباً هي ذاتها.

وعبّر لي هذا الميسّر عن ثقته بفوزي إزاء منجزي الذي قال إن الجميع يعرفونه حقّ المعرفة ولا يمارون فيه. وهو ما أكّده ثانيةً وهو يطمئنني على وصول كتبي واستمارتي إلى قطر. وحين شكرته على ثقته، قال بالحرف الواحد: «هذا حقّك، ولم يسبق أن أخذها من هو أحقّ منك». 


غير أنَّ هذا الميسّر نفسه عاود الاتصال بي في يوم 15 نوفمبر الفائت (قبل إعلان النتائج بأسبوع) ليسألني عن ترجمتي لكتاب محدد، هو «23 عاماً: دراسة في السيرة النبوية المحمدية» للكاتب الإيراني علي الدشتي، وليقول لي إنَّ الأحمري فوجئ به في إحدى المكتبات وتساءل لماذا لم أدرجه في استمارة ترشحي، فأكدتُ للميسّر أنَّ الكتاب وارد بوضوح في الاستمارة. وعندها نقل لي اعتراض الأحمري أنَّ الكتاب لا أصل إنجليزيًا له، فأرسلتُ إليه على «الواتس» صورًا تنفي ذلك تمامًا وتُظهر ناشر الطبعة الإنكليزية وترقيمها الدولي. وعندها نقل لي بوضوح أنَّ الأحمري لن يسمح بفوزي ما دمتُ قد ترجمتُ هذا الكتاب بالذات على الرغم من رأيه ورأيالميسّر الآخر (د. وليد حمارنة)الذي كتب تقريراً وصفه لي محدّثي بأنّه «يصعب على أحد أن يقدم تقريراً عن نتاجك يضاهيه روعة» وبأنّه قد اشتمل على رأي مفاده أنّه «لا يكاد يوجد اليوم مترجمون أفراد لديهم مثل هذا المشروع والاستراتيجية» وأنّ «ترجمتك لكتاب هومي بابا «موقع الثقافة» وحده يستحق جائزة الإنجاز».

وحين سألته عما سيفعلانه هو ود. وليد، عبّر عن أنَّهما عاجزان أمام إصرار الأحمري الذي استجلب بمواجهتهما، ومن خارج النظام الداخلي، تقريرًا كتبه شخص يُدعى «كيان» يسفّه ترجمتي (لا أعلم إن كان لكتاب الدشتي أم عمومًا)، وأنّه سيأتي الوقت الذي يفضح فيه هذا الميسّر «ممارسات الأحمريالكثيرة التي تفوق ممارسات أنظمة الاستبداد رداءةً وتخلفًا وقمعًا»، كما قال.

وحين قلت إنني لن أسكت، استمهلني بعض الوقت وعاد إليّ بلغة رسمية حذرة بعيدة عن الصراحة التي سبق أن كلّمني بها. 
 قررت عندها أن أتصل بالأحمري مباشرة وأسأله عن الأمر، وذكّرته بأنّه سبق أن امتدح عملي أشدّ المديح حين كان مديراً للنشر في دار العبيكان وكلّفني شخصيًا بترجمة 4 من الكتب،كما ذكّرته بأنّه سبق أن عرض علي العمل معه في منتدى العلاقات العربية والدولية في قطر في مراسلات ومسودة عقد موجودة لدي.

وقلت له إنَّ كتاب علي الدشتي هو في النهاية لعلي الدشتي وليس لي، وأنّه واحد فقط من بين عشرات الكتب المهمة التي ترجمتها، وأنَّ ثمة عشرات السبل لتبرير ترجمته، على رأسها أنّ من الضروري توفيره لباحثي وقرّاء واحد من أبرز الحقول المعرفية في تراثنا القديم والمعاصر ألا وهو حقل دراسات السيرة النبوية، بصرف النظر عن رأينا الذي قد يكون نقدياً تجاه الكتاب وكاتبه، وبالمقابل فإنّ ما من طريقة يمكن أن تبرر عدم ترجمته سوى طرائق الكبت والرقابة.

وختمتُ بأنّ هذا الكتاب ينتصر لنبي الإسلام بوصفه بشراً. ومع أنَّ الأحمري امتدح في هذا الاتصال عملي ما عدا كتاب الدشتي وحده، فاجأني، حين قلت له بأنني لن أسكت، بأنّ لديه تقريرًا من مختص من خارج اللجنة يسفّه عملي.

وانتهى الاتصال بتأكيدي أنني لن أصمت إن لم يكن منصفًا، وأنّ الحكم بيني وبينه وبين المختص الذي وظّفه هو أمناء الجائزة والمشهد الثقافي العربي عمومًا. ومع ذلك، فإنني قمت بتوسيط مثقفين معروفين ولهما صلة كبيرة بالترجمة ودراساتها اتصلا به أو أرسلا إليه وأبديا رأيهما بعملي وبحرصي على الجائزة وسمعتها من دون أيّ فائدة. 

السادة الأمناء
سوف أَفْصل بين أمرين اثنين على الرغم من شبه استحالة الفصل بينهما: الأول، هو تعامل الأحمري مع الجائزة ومعاييرها؛ والثاني، هو أهليتي للجائزة أو عدمها. لستُ من يقرر هذه الأهلية بالطبع، خصوصًا عند الترشّح إلى جائزة، لكنّ مؤسسة الجائزة قررت هذه الأهلية وأقرّتها (صوتان ضد صوت واحد)، ولا ينبغي لطرائق الأحمري التي وصفتها أن تكون فوق المعايير، وسوف أترك لكم ولقواعد الجائزة أن تحكم في هذاكلّه، مبديًا استعدادي لأن أبيّن صدق جميع ما أوردتُه بأدلّة مباشرة أو بالاستدلال البسيط، إذا ما أنكره المعنيّون.


يليق بالترجمة والمترجمين، وبالعرب والثقافة العربية، كما يليق بقطر وجائزتها المهمة أن يجري التدقيق في كلّ ما ورد أعلاه، وأن يجري تصويب كلّ ما يلزم تصويبه، الأمر الذي سيُسجَّل للجائزة وليس عليها.


أمّا أنا فلست ممن يتهافتون على الجوائز كيفما اتفق. وأنا معنيّ ببقاء هذه الجائزة البالغة الأهمية لأنني معنيّ بزملائي وأخوتي المترجمين وبالترجمة والثقافة العربية والتفاهم بين الأمم والشعوب. 

دمتم ذخراً لذلك كلّه.

اقرأ ايضا | حكاية جديدة للأندلس في القائمة القصيرة لجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع